التاريخ الإسلامي يحتاج لسنوات لكشف أسراره وخباياه حيث يفاجأ العالم يوما بعد يوم بحقيقة جديدة غير دارجة في الأوساط الحديثة، وربما نعرض اليوم لجزء مهم يختلط فيه الأمر على بعض الدارسين والمطلعين وهو تاريخ فرقة الحشاشين ومؤسسهم حسن الصباح.
فرقة الحشاشين ظهرت في حقبة حرجة من التاريخ الإسلامي وشكلت مصدرا للكثير من القصص والحكايات بسبب طبيعتها الغامضة التي سيطرت على المشهد منذ أواخر القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر الميلادي.
أصل التسميةلم تشهد النصوص التاريخية الإسلامية المعاصرة بالاستعمال الفعلي للحشيش من قبل أتباع الحشاشين وحتى المؤرخين الرئيسيين للنزاريين، ولكن بقيت آراء حول الأصل الاشتقاقي للكلمة والتي رجح البعض أنها تعني القتلة أو الاغتياليون حسب اللفظ الفرنسي، وهناك ترجيح آخر بأن الكلمة تنبع من لفظ حساسان نسبة إلى شيخ الجبل حسن بن الصباح الذي أوجد هذه المنظمة.
المؤسس حسن الصباح وصل حسن الصباح مؤسس فرقة الحشاشين إلى أصفهان سنة 1081 بعد قضائه مدة في مصر درس خلالها عقائد المذهب الإسماعيلي، وعمل بشكل دءوب على نشر مبادئ المذهب، ووجد لدعوته أتباعا في أقصى الشمال الفارسي، واتخذ من قلعة الموت الحصينة المقامة فوق قمة صخرة عالية في قلب جبال البورج مقرا، وهي قلعة تسيطر على واد مغلق صالح للزراعة يبلغ طوله ثلاثين ميلا وأقصى عرضه ثلاثة أميال، وهذا الموقع المميز كان كفيلا لإبعاد أتباعه عن الخطر السلجوقي، خصوصا أن القلعة منيعة جدا.
تخطيط حربياختلف حسن الصباح وأتباعه من فرقة الحشاشين عن السائد في العصور الوسطى في التخطيط الحربي على التحديد، حيث تجنب المواجهات المباشرة مع الأعداء، والتي تؤدي دائما إلى سقوط آلاف القتلى، واعتمد على اغتيال شخصيات البارزة في دول الأعداء، وكان الفدائيون مدربين بشكل احترافي على فنون التنكر والفروسية والقتل، وكان أكثر ما يميزهم هو استعدادهم للموت في سبيل تحقيق هدفهم.
وكان على الفدائيين الاندماج في جيش الخصم أو البلاط الحاكم حتى يتمكنوا من الوصول لأماكن إستراتيجية تساعدهم على تنفيذ المهمات المنوطة بهم، وهكذا فقد نفذوا طيلة ثلاثة قرون اغتيالات ضد الأعداء الدينيين والسياسيين للطائفة الإسماعيلية، وكانت هذه الهجمات تشن غالبا في الأماكن العامة على مرأى ومسمع الجميع لإثارة الرعب، ونادرا ما نجا الفدائيون بعد تنفيذ مهامهم، بل إنهم لجأوا في بعض الأحيان إلى الانتحار لتجنب الوقوع في أيدي الأعداء.
خدعة قلعة ما بعد الموتالقصص التي تداولها البعض عن قلعة الموت ثبت كذبها لاحقا، وأشهرها ما تحدث عنه الرحالة ماركو بولو الذي قال إن القلعة فيها حديقة كبيرة محاطة بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل أتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة وأن الفتيات حوريات، وذلك لتشجيعهم على تنفيذ العمليات المطلوبة منهم مستعينا بمخدر الحشيش.
والحقيقة أن قلعة الموت أُحرِقت سنة 1256 بينما ولد ماركو بولو سنة 1254 أي سنتين فقط بعد ولادته، كما أن الطبيعة المناخية التي تغطيها الثلوج طيلة السنة يجعلها غير صالحة لزراعة الحدائق الموصوفة.
العداء مع صلاح الدين الايوبياشتد العداء بين الحشاشين وصلاح الدين الأيوبي وكانت أول محاولة لاغتياله سنة 1174 بينما كان يحاصر حلب، حيث تمكن بعض الحشاشين من التسلل إلى معسكر صلاح الدين وقتل الأمير أبو قبيس، لكن صلاح الدين نفسه لم يصب بأذى، وحدثت محاولة أخرى سنة 1176 عندما كان صلاح الدين يحاصر عزز وتمكن بعض الحشاشين المتنكرون بزي جنود جيش صلاح الدين من التسلل لمعسكره ومهاجمته، وتمكنوا من قتل العديد من الأمراء، ولكن صلاح الدين لم يصب إلا بجروح بسيطة بفضل الدروع التي كان يرتديها، وقد اتخذ على إثر هذه الأحداث احتياطات واسعة للحفاظ على حياته، فكان ينام في برج خشبي، ولم يكن يسمح لأحد لا يعرفه بالاقتراب منه، وفي السنة ذاتها تقدم صلاح الدين في أراضي الحشاشين تحدوه الرغبة في الانتقام، وضرب حصارا حول قلعة مصياف في الشام، ولكنه لم يلبث أن فك الحصار وانصرف.
اغتيالاتفي 28 أبريل 1192 تمكن الحشاشون من توجيه ضربتهم الكبرى باغتيال الماركيز الصليبي كونراد مونفيراتو ملك بيت المقدس بينما كان في صور، حيث تخفى مغتالوه في زي رهبان مسيحيين وشقوا طريقهم إلى خلوة الأسقف والماركيز، وعندما سنحت الفرصة طعنوه حتى الموت.
ولكن ذكر بعض المؤرخين أن هذه العملية كانت ثمرة تعاون بين صلاح الدين والحشاشين، وتجدر الإشارة إلى أنه بعد مرور أربعة أشهر على الاغتيال حصلت هدنة بين الحشاشين وصلاح الدين نفسه.
النهاية على يد التتارانتهى الوجود الفعلي لفرقة الحشاشين في بلاد فارس مع الغزو المغولي، ففي سنة 1256 سارع المغول إلى تسلق جدران قلعة الموت التي بقيت صامدة بوجه أقوى الغزوات، وأبدى هولاكو إعجابه بمعجزة البناء العسكري للقلعة ثم أمر جنوده بهدمها، ولم يستثن المكتبة التي التهمتها النيران على مدى سبعة أيام ضاعت خلالها مصنفات لا يحصى عددها، ثم قام المغول بجمع أعداد كبيرة من الإسماعيليين بحجة إحصاء عددهم وقتلوهم ببشاعة، واستمروا بإقامة المذابح الرهيبة لهم حتى تفرقوا ولم يعد لهم أثر.
الحشاشون في الأدب العالميكان الحشاشون وقلعتهم مصدر إلهام للكثير من الأدباء في أعمالهم، لكن تبقى أشهر هذه الأعمال رواية سمرقند للأديب الفرنسي لبناني الأصل أمين معلوف، والتي نشرت سنة 1988، وهي تركز بشكل أساسي على عمر الخيام، ثم صداقته مع حسن الصباح الذي يتمكن من جذب الأتباع والأنصار ونشر عقيدته على نطاق واسع، وحازت هذه الرواية على عدد كبير من الجوائز الأدبية.