محمد بن أبي بكر، من الشخصيات التي أثارت الجدل في التاريخ الإسلامي، بسبب تضارب القصص من طرفين، الطرف الأول أنصاره والطرف الثاني خصومه من الأمويين.
ولد محمد ابي بكر، عام حجة الوداع 10هـ، وأمه أسماء بنت عميس، والتي كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، قبل زواجها من أبو بكر رضي الله عنه، وعاصر الرسول محمد "صلى الله عليه وسلم"، لشهور قلائل، ثم أصبح أبوه خليفة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن سرعان ما توفاه الله، فانتقل وهو طفل صغير إلى دار علي بن أبي طالب، بعد أن تزوج والدته، فتربى محمد في بيت علي، كولد من أولاده، وتزوج شقيقة زوجة الحسين في عهد عمر بن الخطاب.
شارك محمد بن أبي بكر، في فتح مصر، لكنه كان ممن حاصروا الخليفة عثمان بن عفان في منزله، ليطالبوه بترك إمارة المسلمين، وقتها قام عثمان بإرسال علي بن أبي طالب إليهم لتهدئتهم، لما له من منزلة على محمد بن أبي بكر ورفاقه، فعادوا إلى مصر بعد أن كتب عثمان كتابا عين فيه محمد واليا على مصر، وكان شعب مصر يحبونه وله بينهم شعبية واسعة لهذا هدأت الأمور بشكل مؤقت، ولكن في الطريق لاحظ محمد ورفاقه أن هناك رجلا يسير على جمل كمن يراقبهم، فتبعه محمد وأجبره على الاعتراف بسبب تتبعه لهم، فكشف عن كتاب من عثمان إلى عبد الله بن سعد، يأمره فيه أن يقتل الوفد وألا يسلم مصر لابن أبي بكر، فرجعوا إلى المدينة كما جاء في تاريخ الأمم للطبري، وعرضوا الأمر على عثمان فأنكر ما حدث وقال إنه ليس بكتابه، فقال المصريون لو الكتب تخرج باسمك وعليها ختمك وأنت لا تدري، فأنت لا تصلح خليفة، وعليك أن تترك الخلافة فرفض، فظلوا محاصرينه حتى قتلوه.
ولكن ذكر الإمام الذهبي، في "سير أعلام النبلاء" أن مروان بن الحكم هو كاتب عثمان وكان معه خاتمه، وأنه السبب في هذه المكيدة وكان عثمان برئ منها، ولكن لم يعلم الثائرون ضد عثمان بالأمر حين توجهوا إلى داره لقتله، ولم يشارك محمد بن أبي بكر، في قتل عثمان كما ذكر بن تيمية، حيث قال: عندما دخل محمد إلى عثمان قال الأخير: لو رآك أبوك لم يرض هذا المقام منك فخرج عنه وتركه وهذا هو الرأي الأشهر، أما الأمويين فيرونه القاتل الوحيد لعثمان، ويستدلون برواية الذهبي في سير أعلام النبلاء بأنه سار لحصار عثمان وفعل أمرا كبيرا، فكان أحد من توثب على عثمان حتى قتل.
ولم يكن الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان خفيا، خاصة بعد تولي الأول الخلافة وعزله الثاني من ولاية الشام، ومطالبة معاوية بتسليم قتلة عثمان الذين أعلن أنهم رجال علي، وكان محمد من رجال علي الأوفياء ويدين له بكل الحب والولاء، ولذلك أعطاه علي بن أبي طالب ولاية مصر، لإارسل إلى معاوية رسالة شديدة اللهجة رد عليها معاوية ردا بليغا ينم عن تحد لعلي ولأبي بكر حيث اتهمه بأنه سبب الفتنة بين المسلمين.
وأرسل معاوية بن أبي سفيان أيضا إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري، وإلى معاوية بن خديج السكوني الموجودين بمصر، يطالبهم بالاستعداد للانقضاض على محمد واعوانه، في وقت قدوم جيش عمرو بن العاص إليهم، فجهز معاوية عمرو في ستة آلاف، وخرج معاوية مودعا وأوصاه بعدة وصايا كان منه إذا أنت ظهرت فليكن أنصارك آثر الناس عندك.
وكتب عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان كتابين إلى محمد بن أبي بكر، كان من كتاب معاوية"قد بعثت إليك بجيوش يتقربون إلى الله بجهادك ولن يسلمك الله من القصاص أينما كنت والسلام، فرد عليهم بأغلظ الردود، وكتب إلى علي يستنجد به، فأرسل إليه علي يأمره بالصبر وأنه سيرسل إليه مساعدة، وركب محمد بن أبي بكر على مقدمة جيش من ألفي فارس ممن انتدبوا معه من المصريين، فى مواجهة 16 ألفا من جيش عمرو.
انتصر محمد في المناوشات الأولى بين الجيشين حتى انقض عليه أنصار معاوية، كما أوصاهم، فتفرق أصحاب محمد الذي اضطر للاختباء في كهف قديم ومهجور، ودخل عمرو بن العاص العاصمة الفسطاط، وذهب معاوية بن خديج يبحث عن محمد حتى وجدوه فدخلوا عليه وكاد يموت عطشا، فلم يسقوه، فاستنكر أخوه عبد الرحمن إلى عمرو بن العاص، أن يموت أخيه عطشا، فقال معاوية: "كلا والله، أيقتلون كنانة بن بشر وأترك محمد بن أبي بكر، وقد كان ممن قتل عثمان وقد سألهم عثمان الماء".
واتفق ابن كثير والطبري أن محمد بن أبي بكر تطاول على معاوية بن خديج، وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وهو ما أثار غضب معاوية بن خديج فقتله ثم وضعه في جثة حمار وأحرقه بالنار.
ويقول ابن كثير: لما بلغ ذلك عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي، جزعت عليه جزعا شديدا وضمت عياله إليها، وكان فيهم ابنه القاسم، وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلوات، بينما قال ابن الأثير: "انهزم محمد ودخل خربة، فأخرج منها وقت، وأحرق في جوف حمارًا ميت، قيل قتله معاوية بن حديج السكوني، وقيل قتله عمرو بن العاص صبرا"، ولما بلغ عائشة قتله اشتد عليها، وقالت: كنت أعده ولدا وأخا، ومذ أحرق لم تأكل عائشة لحما مشويا".