سلطت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية الضوء علي أسباب الصعود الإيراني في المنطقة، و خطتها للسيطرة علي الدول العربية والشرق الأوسط.
و يؤكد التقرير أنه للمرة الأولى منذ انهيار سلالة القاجار في أوائل القرن العشرين، يمتد النفوذ السياسي، والعسكري الإيراني لما تعتبره إيران منطقة نفوذها الشرعية بلاد الرافدين، ومناطق شرق المتوسط، وشبه الجزيرة العربية حيث التجمعات الشيعية الكبيرة.
و تقول المجلة أن العراق انتهي به المطاف بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وبعد سنوات من الحرب الطائفية، إلى دولة مفتتة يتحكم فيها الشيعة، وعلى أعتاب أن تصبح تابعة لإيران.
و في لبنان، أصبح حزب الله، الحركة الشيعية المسلحة التي مولتها إيران لأكثر من ثلاثة عقود، أقوى قوة في البلاد، وأكثرها تنظيمًا.
أما سوريا، التي كانت يومًا ما شريكًا مساويًا لإيران، فقد أصبحت الآن معتمدة عسكريًّا، اعتمادًا جزئيًّا، على إيران، التي أرسلت مقاتليها لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية الوحشية التي تدور في بلاده.
وفي اليمن، وسعت إيران من نطاق رعايتها لفرقة الحوثيين الإسلامية القريبة من التشيع، والمنخرطة في حرب قبلية، وطائفية ضد قوات مدعومة من السعودية.
وبحسب تقرير المجلة فقد ساعد ما تسمي بثورات الربيع العربي على تحقيق إيران لرؤيتها.
لحظة طهران
و تؤكد المجلة أن القادة العسكريين في إيران يعترفون بأنَّ المشروع الديني لبلادهم يتعارض مع الرؤية العالمية للولايات المتحدة. ويفهمون أنَّ إسرائيل سوف تنظر إلى إيران وشبكتها من الوكلاء على أنها التهديد الرئيسي الذي يواجهها، على الأقل للسنوات القليلة القادمة.
وهم لا شك، قد تابعوا خطاب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي كان أبعد ما يكون عن المودة تجاه بلدهم، لكنَّ القادة الإيرانيين من المرجح أنهم يرون فرصة في الشرق الأوسط، رغم كل ذلك،
وذكرت الصحيفة أنه لو وضعنا تعليقات ترامب حول إيران، جانبًا، فإنَّ الهدف الأساسي للإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط من المرجح أن يكون تقليل الخطر الذي تمثله الجماعات الإسلامية المسلحة.
وبالنظر إلى الحضور الإيراني العميق في المناطق المحيطة بداعش ومجموعات أخرى، فإنَّ إيران قد تكون ذات قيمة للولايات المتحدة.
غرباء غير محبوبين
و يوضح التقرير إنه بالنظر إلى كل هذه العوامل، فمن المرجح أنَّ إيران سوف تستمر في توسعها في السنوات القادمة.
ويبدو أنَّ النخب في إيران يعتقدون أنَّ نجاحهم سوف يعتمد على شروط ثلاثة: أولًا، ينبغي لإيران ردع إسرائيل عن مواجهة وكلائها في شرق المتوسط، دون تمكين حزب الله إلى حد أن تشعر إسرائيل بالتهديد، وأنه يجب عليها أن تضرب أولًا، لو نفذ هذا التوازن بنجاح، فسوف يؤدي إلى تحدٍ أساسي للوجود الإيراني في المنطقة.
ثانيًا: ينبغي لإيران أن تضعف المملكة العربية السعودية، خصمها العربي الخطير الوحيد، إلى الدرجة التي لا تكون معها الرياض قادرة على معارضة التوسع الإقليمي لإيران، كما ينبغي أن يظل كل من العراق، ولبنان، وسوريا مجزأ على أسس طائفية حتى يواجه النظام العربي العلماني الذي تحدى الهيمنة الإيرانية، تاريخيًّا، في شرق البحر المتوسط تحديات هائلة عندما ينجح في الخروج من المأزق الحالي.
و تري المجلة أنَّ بإمكان إيران أن تحقق الشرط الأول، على الأقل في المدى القريب، ذلك أنّ حزب الله قد وسع بشكل كبير من مخزونه الصاروخي، منذ الحرب الأخيرة مع إسرائيل عام 2006، بفضل دعم إيران، ويعرف قادة إسرائيل أنَّ أي صراع مع حزب الله سوف يكلف الجمهور الإسرائيلي خسائر في الأرواح، وخسائر مادية من المرجح ألا يقبلها.
أما فيما يتعلق بإضعاف السعودية، فإيران ورَّطت الرياض في حرب استنزاف في المنطقة، خصوصًا في اليمن، بغرض استنزاف مواردها، ومع أن القيادة السعودية تعي مخاطر الانخراط في هذه الصراعات المرهقة، إلا أنَّ البلاد، مع ذلك، ما زالت غارقة في هذه الصراعات.
الشرط الثالث، بحسب مقال عثمان، هو أكثر هذه الشروط إشكالًا، ذلك أنَّ استمرار تقسيم البلاد سوف يؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية.
صحيح أنَّ طهران قد نجحت في وضع حلفائها في الثقوب التي تركتها الأنظمة العربية الضعيفة في العراق، وسوريا، ولبنان، إلا أنَّ المشكلة أنَّ فعل ذلك أدى إلى استعداء إيران للمسلمين السنة، وأثار مخاوف الأقليات الدينية في المنطقة، خصوصًا المسيحيون والموارنة والدروز، واستعدى الكثير من الجماعات التي لطالما ساعدت، تاريخيًّا، في تحديد سياسات هذه البلاد.
لقد أدى التوسع الإيراني على حساب النظام العربي المحطم إلى تحويل إيران إلى كيان شيعي غريب غير محبوب في منطقة مشحونة اجتماعيًّا، ودينيًّا.
و تشير المجلة أنه مع انهيار النظام الذي هيمن على سياسات الشرق الأوسط في الأربعين سنة الأخيرة، خرج جيل جديد من العرب له وجهات نظر تختلف اختلافًا كبيرًا للغاية عن آراء سلفه.
وتوضح المجلة انه يجب علي إيران أن تستغل اقتصادها المتنوع، وتقدمها التكنولوجي، ونفوذها الثقافي في مساعدة العراق، ولبنان، وسوريا على إعادة البناء، ومواجهة التحديات التنموية الضخمة التي تواجه هذه البلدان ويرى عثمان أنَّ إيران لو فعلت ذلك، فربما تخلق فرصًا كبرى لاقتصادها.
ولن تكون أي من هذه الإجراءات سهلة، وهناك دول كثيرة سوف تعارضها، لكنَّ صانعي السياسة الإيرانية ينبغي لهم أن يتذكروا أنه عندما يتولى الشباب العربي اليوم، زمام الحكم في المستقبل المأمول، فسوف يتذكرون كيف عاملت القوى الخارجية بلادهم في لحظات الضعف.
إنَّ أفضل ما تفعله إيران أن تضع نفسها في موضع الملتقى التجاري، والمركز الثقافي، والنموذج الإقليمي، بدلًا من أن تكون خصمًا وتهديدًا، ولما كان العالم العربي هو الجار الأبدي لإيران، فمن الأفضل لقادة إيران أن يتخذوا قرارات تصب في مصلحة بلادهم على المدى البعيد.