بالأدلة والبراهين.. "صحيح البخاري" بريء من التزوير

صحيح بخاري، هو الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وسننه وأيامه، وهو أبرز كتب الحديث النبوي عند المسلمين من أهل السنة والجماعة، صنفه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، واستغرق في تحريره ستة عشر عامًا وانتقى أحاديثه من ستمائة ألف حديث جمعها ويحتل الكتاب مكانة متقدمة عند أهل السنة حيث أنه أحد الكتب الستة التي تعتبر من أمهات مصادر الحديث عندهم، وهو أول كتاب مصنف في الحديث الصحيح.

وبرغم أن العلماء والمحدثون والحافظون لأحاديث الرسول الكريم يشهدون لصحيح البخاري بالجلالة والمرتبة العالية في التوثيق والإتقان، إلا أن هناك هجوم طاله حتى نقله الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في صيانة صحيح مسلم بسنده إلى إمام الحرمين الجويني.

والبخاري، هو الإمام الحافظ الكبير الذي شهد له جميع المحدثين بالحفظ والإتقان، ويحكى أنه كان يستخير الله تعالى ويصلي ركعتين في كل حديث يثبته في كتابه حتى أتمه بهذه الطريقة، ولكن الانتقادات التي وجهت له لا تعتبر يسيرة ليس لعددها بل لكونها تطعن في صواب ما تم نقله وتحريف بعض منه لمصالح غير معروفة.

هناك بعض الانتقادات لأحاديث مثبتة في صحيح البخاري، وأكثر العلماء والمحدثين يرون الصواب مع الإمام البخاري فيما انتقد عليه، ومعلوم أنه ليس منطقيا التسليم بالانتقاد لمجرد وجوده، بل الأمر يرجع إلى الحجة والبرهان، وقد فصل الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه فتح الباري وخاصة في مقدمته المسماة هدي الساري الجواب عن هذه الانتقادات، وأوضح وجه الصواب فيها. 

مجموع أحاديث صحيح البخاري بالمكرر بترقيم الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله بلغ (7563) حديثا، فإذا عرفنا أن الانتقادات الموجهة للأحاديث عددها بضع عشرات، وأن أكثر هذه الانتقادات موجهة لأمور تتعلق بالأسانيد ورسومها، أو لأمور تتعلق ببلوغ درجة أصح الصحيح، أو تتعلق بكلمة أو كلمتين من الحديث، وأما الانتقادات المتعلقة بأمور تؤثر في صحة المتن فهي نادرة، هنا ندرك أن إطلاق الصحة على جميع ما في البخاري من متون مسندة في صلب الكتاب إطلاق صحيح لا يجوز إنكاره، ويقول يقول الإمام النووي رحمه الله: أجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما أمر منتهي.

كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن، ويقول الحافظ ابن حجر في الجواب على وجود انتقادات لصحيح البخاري: لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، فإنهم لا يختلفون في أن علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك، حتى كان يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني ومع ذلك فكان علي بن المديني إذا بلغه ذلك عن البخاري يقول دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه. 

ويحكى أن محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري استفاد منه جامعي الاحاديث في عصره، وروى الفربري عن البخاري أنه قال: ما أدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته، ويؤكد مكي بن عبد الله ما سمعه عن مسلم بن الحجاج حين قال: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته. 

وتنقسم الاحاديث محل الخلاف إلى عدة اقسام منها ما اختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد، ومنها ما اختلف الرواة عليه بتغيير رجال لبعض الإسناد ثم التعليل بجميع ذلك من أجل مجرد الاختلاف، ومنها ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه دون أن يذكر من هو أكثر عددا أو أضبط ممن لم يذكرها، ومنها ما تفرد به بعض الرواة مما ضعف من الروايات، وايضا ما حكم فيه بالوهم على بعض رجاله فمنهم من تأثر ومنهم من لم يتأثر بالنقد فيها، واخيرا ما اختلف فيه الرواة بتغيير بعض ألفاظ المتن، وهذا أكثر ما تعرض للهجوم من انصار تزييف بعض صحيح البخاري، ولكن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة والنقصان مدرجة في المتن من كلام بعض رواة الحديث.

وتعرضت بعض القصص أيضا للهجوم والاتهام بالتزييف ومنها حديث جابر في قصة الجمل، وحديثه في وفاء دين أبيه، وحديث رافع بن خديج في المخابرة، وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، وحديث سهل بن سعد في قصة الواهبة نفسها، وحديث أنس في افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، وحديث ابن عباس في قصة السائلة عن نذر أمها وأختها.

والسؤال الأكثر ترديدا هو كيف نعتمد على صحيح البخاري وهو لم يلتق بالنبي صلى الله عليه وسلم؟، والحقيقة أن البخاري في صحيحه لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل هو يروي عن شيوخ ثقة، في أعلى درجات الحفظ والضبط والأمانة عن مثلهم إلى أن يصل إلى الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقل عدد بين البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الرواة، فاعتمادنا على صحيح البخاري لأن الرواة الذين نقل عنهم اختارهم بعناية تامة لأنهم في أعلى درجات الثقة، واستغرق تأليفه لهذا الكتاب ستة عشر عاما ، وقد تلقته أمة الإسلام بالقبول، وأجمعوا على صحة ما ورد فيه.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً