الضغوط في العمل، والحياة، والمواصلات، والأزمات الاقتصادية، وحتى وقت النوم تهاجمك أفكارك ومشكلاتك ولا تستطيع التغلب على ذلك الشعور بانهاك الروح والإصابة بالاكتئاب والإحباط، تلك الحالة تؤثر كثيرًا على اداء الإنسان في حياته اليومية.
أليكس كورب الخبير في علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا، ومؤلّف كتاب 'النمو المتصاعد" قال إن لديه بعض الأفكار التي قد تُعيدك إلى الجانب المشرق في الحياة وتنجيك من الإصابة بالاكتئابوكل هذه الأفكار على صلة بعلم الأعصاب.
تأكد أولًا أن دماغك تعمل بشكل جيد وفعال، فالدماغ يوجد بها بعض الأفكار غير المفيدة عن كيف تشعر بحالة جيّدة، إن كنت تشعر بالندم أو بالعار، فعلى الرغم من الاختلافات بين الشعور بالاعتزاز، أوالعار أو الخزي، أو الذنب، فإنّ هذه المشاعر جميعها تفعّل ذات الدوائر العصبيّة، والتي تشمل قشرة الدماغ الأماميّة، واللوزة الدماغيّة، والفصّ الجزيري، والنواة المتكئة، وهذا يُفسّر لماذا يقوم الدماغ بمراكمة الشعور بالذنب والخزي داخلنا؛ لأنّ هذه المشاعر تعزز مركز المكافأة'.
يقول كورب إنّ القلق يحفّز القشرة الدماغيّة الأماميّة ويقلل من نشاط اللوزة الدماغيّة، مما يساعد الجهاز الطرفي، أي مشاعرنا، في أن تبقى في حالة نشاط ممتاز، عندما نجد أنفسنا عاجزين عن التوقّف عن القلق بشأن أمرٍ ما، نظريّة كورب مفادها أنه على الرغم من أنّ القلق يُعتبر عادةً أمراً لا فائد منه من وجه نظر تكتيكيّة، فإنّ الدماغ يعتبر بأنّ القلق أفضل من فعل لاشيء.
وللخروج من هذا المأزق يقترح كورب أن نسأل أنفسنا، 'ماهو الشيء الذي يُشعرني بالامتنان له؟، والمنطق الذي يقوم عليه هذا السؤال منطقٌ كيميائيّ، ' فالامتنان يقوم بتحفيز السيروتونين، والمعروف بهرمون السعادة، ومحاولة التفكير في الأشياء التي تشعر بالامتنان لها يزيد التركيز على الجوانب الإيجابيّة من حياتك، وهذا يزيد من إنتاج السيروتونين في القشرة الحزاميّة الأماميّة، فمجرّد تذكّرنا لشعور الامتنان يعزز ذكاءنا العاطفي.
أظهرت إحدى الدرسات أنّ الشعور بالامتنان والذكاء العاطفي، يؤثّر في الكثافة العصبيّة في كلّ من قشرة الدماغ الجانبيّة والبطنيّة، وهذا التغيّر في الكثافة يزيد من الذكاء العاطفي، بحيث تصبح هذه المناطق أكثر فاعليّة. وبامتلاكنا لذكاء عاطفي أعلى، يصبح الشعور بالامتنان أسهل'.
نصيحة أخرى لـ"كورب" إن كنت ما تزال تشعر بالضيق، حاول أن تكون أكثر تحديدًا ماهو الشعور السيّء الذي تشعر به ؟ الغضب؟ الحزن؟ الوحدة؟ يقول علم الأعصاب بأنّ إطلاق اسم على شعورك يُساعد كثيراً في تجاوزه.
حيث يشرح ديفيد روك، مؤلّف كتاب 'عقلك في العمل: استراتيجيّات للتغلّب على التشتت واستعادة التركيز للعمل بذكاء طيلة اليوم'،
'لتخفف من إثارة الشعور، أنت بحاجة إلى استعمال كلمات قليلة لوصف شعورك، وستكون الطريقة الأمثل هي استعمال لغة رمزيّة ومجازيّة، لوصف شعورك بطريقة غير مباشرة، سيساهم ذلك في تنشيط قشرة الدماغ الأماميّة، والتي ستقلل من إثارة الشعور في الجهاز الطرفي، فلابد أن تصف شعورك بكلمة أو اثنتين، سيساعد على الفور في إضعاف الشعور'.
يُلاحظ كورب بأنّ دراسات الرنين المغناطيسي الوظيفي تدعم هذه الفكرة، فهناك دراسة تجعل 'المشاركين ينظرون إلى صور أشخاص يحملون ملامح تعبّر عن شعورهم. وكما هو متوقّع، فإنّ اللوزة الدماغيّة تحفّز ذات المشاعر الموجودة في الصورة. ولكن، حين كان المشاركون يُسألون عن أسماء هذه المشاعر، فإنّ قشرة الدماغ الجانبيّة والباطنيّة كانت تعمل وتخفف من نشاط الشعور في اللوزة الدماغيّة. بعبارة أخرى، فإنّ الوعي بمشاعرنا يقلل من حدّتها'
حاول اتخاذ قرار حول ما يجب فعلهإذا كنت قلقًا أو مهمومًا، لا يجب أن يكون هذا القرار أفضلَ قرار ممكن؛ فأيّ قرار سيفي بالغرض، كما يلاحظ كورب 'فإنّ محاولة فعل الشيء الأفضل، بدلاً من فعل شيء جيّد بما فيه الكفاية، سيجلب الكثير من المشاعر إلى الفصّ البطني في عمليّة اتخاذ القرار.
ويرى كورب، على جانب آخر، أنّ التفكير في فعل شيّء جيّد، دون أن يعني بالضرورة أنّه الأفضل، سينشّط مناطق القشرة الدماغيّة الأماميّة، والتي ستساعدك في الشعور بأنّ الأمور تحت سيطرتك'.
ويتابع كورب 'إنّ عمليّة الاختيار تحدث تغييراً في دوائر الاهتمام وتغيّر شعور المرء تجاه نفسه، وتزيد من نشاط الدوبامين (وهو مادّة كيميائيّة تسبب السعادة والمتعة وتؤثّر بالانتباه). كما أنّ اتخاذ قرار ووضع أهداف ودوافع – وجميع هذه الوظائف تحفّز ذات الدوائر العصبيّة وتنشّط القشرة الدماغيّة الأماميّة بطريقة إيجابيّة - سيقلل من شعورك بالقلق والهمّ. كما أنّ اتخاذ القرارات سيساعد في تجاوز ما يُعرف بـ'النشاط المخطط' والذي يدفعنا غالباً نحو المشاعر السلبيّة والروتين. أخيراً، فإنّ اتخاذ القرارات يُغيّر من منظورنا تجاه العالم؛ فإيجاد حلول للمشاكل يثبّط من إثارة الجهاز الطرفي'.
إنّ المفتاح هنا، هو أن اتخاذ القرار الواعي، أو الاختيار، لا يعني اتباع هذا القرار بالضرورة، لأنّ مجرّد اتخاذ القرار سيحسّن من حالتك، فإن كنت متردداً بشأن اختيار شيء ما من بين عدد من الخيارات، فإنّ العلم يقول لك، لا تقلق، فأنت على الأغلب ستميل باتجاه القرار الذي ستتخذه أيّاً كان، أو كما يقول كورب، 'إننا لا نختار الأشياء التي نحبّها فقط، بل إننا نحبّ الأشياء التي نختارها'.
النصيحة الثالثة، إن كان هناك من يمكنك أن تحضنه، فاذهب إليه، حيث يقول كورب 'إنّ المعانقة، الطويلة على وجه الخصوص، يُحفّز النواقل العصبيّة، ويحفّز هرمون الأوكسيتوسين (وهو هرمون يزيد من قوّة الروابط بين الأشخاص)، مما يثبّط نشاط اللوزة الدماغيّة'.
وإن كان الاحتضان غير متاحًا، فإن الإمساك باليد، التربيتة على الكتف، أو المصافحات في العمل قد تؤدي الغرض، فبحسب دراسة استشهد بها "كورب" تقول بأنّ الأشخاص الذين كانوا يُمسكون بأيدي أبائهم قد اختبروا شعورًا أقلّ بالقلق عندما كانوا بانتظار تلقّيهم لصعقة كهربائيّة من قبل الباحثين، 'لقد أظهر الدماغ مستويات أضعف من النشاط في القشرة الحزاميّة الأماميّة وفي قشرة الفصّ الأمامي الظهريّة، وهو ما يعني نشاطًا أقلّ في الدوائر العصبيّة المسؤولة عن الشعور بالألم والقلق'.
وفي حال تعذر الحصول على مصافحات أو حضن دافئ، يمكن الاعتماد على المساج والتدليك، فقد أظهر فعاليّته في إفراز هرمون الأوكيتوسين، وتقليل هرمونات التوتّر وزيادة مستويات الدوبامين. إنّه ربح مضمون، ووفقًا لكورب 'فإنّ الإقصاء والعزلة الاجتماعيّة تحفّز ذات الدوائر العصبيّة التي يحفّزها الألم الجسدي، كما أثبتت دراسات الرنين المغناطيسي الوظيفي... في اللحظة التي نتوقّف فيها عن المشاركة.