مع ازدياد موجات العداء للإسلام والمسلمين في أمريكا، وحظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب 6 دول عربية من الدخول إلي أمريكا، نشرت صحيفة الميرور تقريرًا عن تاريخ الإسلام الطويل، وغير المشهور في أمريكا، وتناول التقرير أبرز محطات الإسلام في التاريخ الأمريكي وصولًا إلى اللحظة الراهنة.
يُحسب للإسلام تاريخ طويل في أمريكا، يعود إلى الأيام الأولى لتأسيس البلاد، إذ تشابك الأمريكيون المسلمون مع التاريخ الأمريكي على مدار القرنين الماضيين.
بدأ الملآيين من المهاجرين الوصول لشواطئ أمريكا بحلول نهاية القرن التاسع عشر، وخصوصًا في بدايات القرن العشرين، فبُني أول مسجد في أمريكا في مدينة شيكاغو، بحسب المؤرخة سالي هويل، عام 1893، وكان جزءًا من عوامل الجذب في "شارع القاهرة" الذي أقيم في المعرض العالمي الكولومبي في شيكاغو، وقالت سالي إنَّ هذا المسجد كان من المفترض أن يكون تقليدًا لمسجد السلطان قايتباي في القاهرة، وأن يعرض الإسلام للجمهور الأمريكي.
يعطينا هذا المشهد من مسجد "شارع القاهرة" بشيكاغو لمحة عن التجربة الإسلامية في أمريكا في تسعينات القرن التاسع عشر، بين المسلمين في شيكاغو، وأيضًا باعتباره أمرًا غريبًا مثيرًا لفضول غير المسلمين.
ولم يظهر ثاني المساجد في الولايات المتحدة قبل عدة عقود من ذلك التاريخ، وقد بني هذا المسجد في هايلاند بارك، ميتشجان، وانتهي من بنائه عام 1921 وصفت هاول هذا أيضًا قائلة:
"كان الغرض من هذا المسجد، الذي بني على يد المهاجرين المسلمين ليكون مكانًا للعبادة، أن يكون ممثلًا للإسلام أمام الجمهور الأمريكي، مثل مسجد "شارع القاهرة"، لكنَّ مسلمي هاي لاند بارك، كانوا يأملون أن يعطوا انطباعًا مختلفًا للغاية عن دينهم، ولن يكون الإسلام الممارس في هذا المسجد شيئًا غرائبيًّا، أجنبيًّا، أو مشهدًا مسرحيًّا. وإنما سوف يكون دينًا أمريكيًّا مختلفًا عن الدين الذي يمارس في الكنائس والمعابد القريبة منه. سوف يجلب هذا المسجد المصلين من أصحاب الجنسية الأمريكية».
كما شهدت أوائل القرن العشرين، بداية تكوين المهاجرين المسلمين لمنظمات صغيرة من المجتمعات المحلية في كل البلاد.
وكتبت هاول، أنه في هذا الوقت، بدأ الأمريكيون الأفارقة أيضًا "في اعتناق الإسلام في العشرينات والثلاثينات، جزئيًّا، استجابة إلى الاضطهادات الراديكالية والعنصرية التي تعرضوا لها قبل وأثناء فترة الهجرة الكبرى "هجرة الجنوبيين المحرومين إلى المناطق الصناعية في الشمال".
العديد من جمعيات المسلمين الأفارقة الأمريكيين هذه ستستمر ليكون لها تأثير عظيم في شكل الإسلام في أمريكا، من خلال ترويج الإسلام باعتباره جزءًا مفقودًا من الإرث الإفريقي.تقول هاول "بالنسبة للكثيرين، كانت صحيفة نيجرو وورلد، لماركوس جارفي، وهي صحيفة ناطقة بلسان جمعية "يونايتد نيجرو إمبروفمنت" التي أنشأت في نيويورك عام 1914، والتي بدأت في نشر الربط بين الوحدة الأفريقية والإسلام، بحلول عام 1920، كان لهذه الجمعية 100 ألف عضو، و800 فرع في كل أنحاء العالم".
وساعدت المنظمات الأخرى التي أنشئت في تلك الفترة -مثل "موريش ساينس تمبل أوف أمريكا" التي أنشأها نوبل درو علي، في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين، وأمة الإسلام، التي أنشأها والاس فرد محمد عام 1930- على تمهيد الطريق لظهور الإسلام باعتباره جزءًا مؤثرًا في حركة بلاك باور، وحركة الحقوق المدنية في الخمسينات والستينات.
مرر الكونغرس الأمريكي، عام 1924، قانون الأصول القومية الذي «قيد الهجرة من آسيا وغيرها من المناطق المسلمة، ومن ثم أوقف تدفق القادمين المسلمين».
لكن مع تقدم القرن العشرين، بدأ المسلمون الذين كانوا قد وصلوا بالفعل إلى الشواطئ الأمريكية، إلى جانب الأمريكيين الأفارقة الذين أسلموا (أو في بعض الحالات، أعادوا صلتهم بجذورهم المسلمة المفقودة منذ أمد بعيد)، في أداء دور أكثر فعالية بكثير في السياسات، والمجتمع الأمريكي.
ونتيجة لقانون عام 1965 للهجرة والتجنيس، وصل ما قد يزيد على 1.1 مليون مسلم إلى الولايات المتحدة قبل نهاية القرن العشرين.
لم يكن كل أولئك المهاجرين متدينين، لكنَّ قدراتهم التعليمية والثقافية دفعت بهم إلى المناصب القيادية "إذ كان عدد ضخم منهم من الأكاديميين والأطباء والمهندسين" بين مجموعات المهاجرين المسلمين حديثة الإنشاء.
وتتبع الباحث زين عبد الله، تجاربهم بعد وصولهم، والتي عادة ما تأثرت بالأحداث في الشرق الأوسط، على الرغم من أنَّ الكثيرين منهم لم يكونوا من تلك المنطقة: "تشكلت معاملة الأمريكيين المسلمين، بعد وصولهم عام 1965، إلى حد كبير، بسلسلة من المواجهات بين الولايات المتحدة، ودول مسلمة عديدة".
وأدت حرب الأيام الستة عام 1967، وهي حدث ضخم في الصراع العربي الإسرائيلي المستمر، إلى رسم صور سلبية عن العرب في وسائل الإعلام الأمريكية، أدت إلى ترسيخ أسوأ الصور النمطية عن الإسلام.
كما فاقم حظر بيع النفط للولايات المتحدة في السبعينيات من وجهات النظر القاسية تجاه المسلمين في الشرق الأوسط، وأغضبت الطوابير الطويلة أمام محطات البنزين الأمريكيين، وشعر المسلمون في الولايات المتحدة بوطأة هذا الغضب، ونشرت الكثير من وسائل الإعلام صورًا كاريكاتورية لمشايخ من الدول العربية الغنية بالنفط، وهم يسعون للهيمنة على العالم".
زادت الأمور سوءًا بحلول نهاية العقد، إذ أثرت الثورة الإيرانية، وأزمة الرهائن الأمريكيين اهتمام العالم، وأعطت مثلًا آخر للتصادم العنيف بين الإسلام والغرب.
كما كانت الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001، لحظة فاصلة في تاريخ الإسلام في أمريكا، كانت هذه الهجمات، التي نفذها متطرفون باسم الإسلام، أكبر هجمة على الأراضي الأمريكية منذ الهجوم على بيرل هاربور عام 1941، غيرت هذه الهجمات طبيعة علاقات المسلمين في الولايات المتحدة، وفتحت جدلًا نادرًا ما يعترف به، لكنه ما زال جاريًا، حول قبول الأمريكيين المسلمين باعتبارهم مواطنين مساوين.
وعلى الرغم من أنَّ القادة الدينيين المسلمين، والمنظمات المسلمة في الولايات المتحدة، وفي كل العالم، أدانت الهجمات فور وقوعها، ونعتتها بأنها غير إسلامية، إلا أنَّ الكثير من الأمريكيين بدؤوا في الخوف وعدم الثقة، وحتى كراهية جيرانهم المسلمين. وأبلغ مكتب التحقيقات الفدرالية زيادة قدرها 1600% في جرائم الكراهية ضد المسلمين في 2001.
نتج عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وما تلاها من حروب في العراق وأفغانستان، زيادة الاهتمام الأمريكي بالإسلام، والشرق الأوسط، بما في ذلك الأوساط الأكاديمية والحكومية، فتعرف الملايين من الأمريكيين على الدين الإسلامي، والشعوب، والتقاليد الإسلامية، والأراضي التاريخية للإسلام، من خلال البرامج الدراسية الجامعية، والتغطيات الإخبارية الخاصة، والوثائقيات، والكتب الكثيرة التي كتبت حول هذا الموضوع.
وفي عام 2007، أدى كيث إليسون، أول مسلم منتخب في الكونغرس، اليمين الدستورية، مستخدمًا نسخة توماس جيفرسون من القرآن. لكنَّ هذه العلامة الإيجابية لإدماج الأمريكيين المسلمين في قلب النظام السياسي الأمريكي قوبلت ببعض الخوف والكراهية. يطالب العضو إليسون بشكل مستمر، من قبل زملاء ونقاد أن يثبت ولاءه لأمريكا. بهذه الطريقة، فإنَّ إنجازات إليسون، والمطالب غير العادلة، وغير المكافئة المفروضة عليه، يعدان أفضل تعبير عن المسلمين في أمريكا اليوم.
وصرح عضو الكونجرس الجمهوري عن ولاية أيوا، سيتف كينج، في التاسع من شهر ديسمبر (كانون الأول)، في لقاء مع شبكة MSNBC قائلًا: «لن يمكنك أن تجعل كيث أليسون، أو أندري كارسون يدينان الشريعة في هذا الكونجرس، فضلًا عن أن نحضر شخصًا آخر جاء لتوه من الشرق الأوسط، وهو شخص غارق في الإسلام طول حياته، لكي يفعل الشيء ذاته».
كارسون "الديمقراطي عن إنديانا" هو ثاني أمريكي مسلم ينتخب في الكونجرس، تضمينات كلام كينج واضحة: كلا هذين العضوين يعتبران مشكوكًا فيهمها، ومن المحتمل جدًّا أن يكونا خائنين لأمريكا بسبب دينهما، وينبغي أن يثبتا هذا الولاء بالإدانة الحازمة للشريعة.
ولا يجمع تعداد الولايات المتحدة بيانات حول الانتماء الديني، لذا فليس ثمة أية إحصائيات رسمية حول عدد المسلمين في الولايات المتحدة. لكن قدر مسح لمركز بيو للأبحاث، عام 2011، أجري بالإنجليزية والعربية والفارسية والأوردية، أنَّ هناك 1.8 مليون مسلم بالغ (و2.7 مليون مسلم من كل الأعمار) في الولايات المتحدة. بينما يضع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، وهي منظمة حقوقية مقرها واشنطن، تقديرًا أعلى بكثير لعدد المسلمين الأمريكيين يتراوح بين 6 إلى7 ملايين مسلم.
بغض النظر عن الرقم الحقيقي، فإنَّ جدلنا السياسي يضع المسلمين الأمريكيين في القلب من أكثر المواضيع إثارة للجدل حاليًا: السياسة الخارجية الأمريكية، والأمن القومي، والإرهاب، والاندماج، والحرية الدينية، والهوية الأمريكية. أدى صعود داعش إلى طفرة في الحركة الجهادية العالمية، وازداد تهديد الإرهاب الجهادي في الداخل، وكذلك ازدادت الإسلاموفوبيا بالقدر ذاته.
صار على المسلمات الأمريكيات اللاتي يرتدين الحجاب لأسباب متعلقة بالحشمة والهوية الدينية، أن يقررن الآن ما إذا كن يردن الاستمرار في هذه الممارسة، ومن ثم يخاطرن بالتعرض للازدراء، وربما حتى العنف من قبل الناس الذين يربطون بين الإسلام والإرهاب. تتعرض المساجد للتخريب، والأبرياء للأذى، وقد دعا الرئيس الحالي علانية، ودون خجل، إلى فرض وقف كلي، وإن كان مؤقتًا، على دخول المسلمين الولايات المتحدة.
واختتم التقرير، قائلًا انه على الرغم من التاريخ الطويل والغني للمسلمين باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الأمريكي، والذي يعود إلى الأيام الأولى من تأسيس أمتنا، إلا أنَّ الكثير من المسلمين الأمريكيين، في 2017، ما زالوا يعاملون على أنهم أجانب غير مرغوب فيهم،هذا ليس شعورًا سائدًا بالطبع، لكنه ليس بالاعتقاد الهامشي الهين.