صوت أزيز، يصحبه استياء من بعض المتواجدين بالغرفة، أو الجالسين بالجوار، ربما كان هذا صوت اعتيادي ناتج عن "مضغ الطعام" أو "شد كرسي على الأرض لنقله لمكان آخر" لكنها تسبب الضيق الشديد لهم، فما سبب ذلك.
العلم أثبت ان لهذه الحالة بعد غير "السفسطة"، حيث أن الضيق الذي ينتج عند بعض الناس من سماع هذه الأصوات، يعتبر حالة مرضية ترتبط بالأعصاب والمخ وتسمى "الميزوفرينيا".
ويعتبر البحث في هذا المجال حديثاً، ولم تعرف بعد بشكل واضح مسببات الاضطراب الدقيقة، لكن دراسة دنماركية أجريت عام 2013 على 42 من المصابين، بيّنت أن الاضطراب غير مرتبط بوجود اضطرابات نفسية، لكنه وجد ارتباط بنسبة 52.4 بالمئة مع الوسواس القهري. وعليه فإن من الممكن أن يكون العلاج المعرفي السلوكي مفيداً للتخفيف من الاضطراب.
أحد الأصوات المزعجة الأخرى لهؤلاء المرضى، قد يكون صوت ارتشاف القهوة أو قضم تفاحة، او خربشة على لوح خشبي، الأمر لا يقف عند حد الاستياء حيث أنه قد يؤدي لحالة من الغضب والقلق تكون نتيجة زيادة نشاط أجزاء المخ التي تعمل على معالجة العواطف وتنظيمها، وذلك بحسب تقرير نشره علماء في دورية Current Biology العلمية.
جينيفر جو براوت، المتخصصة بعلم النفس السريري، قالت إن الأشخاص المصابين بهذه الحالة، التي تسمى ميزوفونيا، يعتقدون أن شعورهم هذا يرجع إلى حساسيتهم المفرطة وحسب، لكن جو تؤكد أن لهذه المشاعر أساساً عصبياً.
وفي دراسة بحثية أظهر المصابون بالميزوفونيا أيضاً زيادة في معدل ضربات القلب وحساسية الجلد، وهو نفسه ما يحدث لدى مواجهة حيوان بري أو التحدث أمام العامة، وهو ما يوصف في علم النفس بـ"استجابة الكر أو الفر".
ويقول سوخبيندر كومار، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة "تتسبب الأصوات التي يتجاهلها أغلب الناس في الحياة اليومية في استجابة عاطفية قوية لدى من يعانون الميزوفونيا، إذ تمنح عقولهم أهمية إضافية لأصوات بعينها".
ويصاب بعض الناس بعصبية زائدة واضطرابات عند سماع بعض الأصوات، خاصة الصادرة من الفم، كالمضغ أو النفس أو السعال، أو أشكال أخرى كصوت الكتابة على لوحة المفاتيح وصرير القلم، وتبدأ ظهور أعراض هذا الاضطراب بمرحلة الطفولة، وكثيرا ما يستمر مدى الحياة، ويزيد مع الإجهاد والتعب والجوع. وهذه الأعراض كلها تعد مظاهر لمرض الميزوفونيا المعروف أيضا بمتلازمة حساسية الصوت الانتقائية، ويرجع الاسم لليونانية، ويعني "كراهية الضوضاء".
ويفرق العلماء في هذا السياق بين مرض "الفونوفوبيا" وهو الخوف المرضي من الأصوات المرتفعة، وبين مرض الميزوفونيا.
ويرجع بعض الباحثين بمركز أمستردام الطبي هذا الاضطراب للنزاعات بين الآباء والأبناء، والتي عادة ما تكثر أثناء الوجبات، وهو ما قد يربط المشاعر السلبية بأصوات طبيعية مثل أصوات مضغ الأكل.
ونقل موقع "في.دي.آر" أن لدى مرضى الميزوفونيا عدة إستراتيجيات لتفادي التعامل مع هذه المواقف السلبية، ومن بينها مثلا القيام بضوضاء أخرى لتفادي الاستماع لهذه الضوضاء، أو الاستماع للموسيقى لتحويل التركيز عن هذه الأصوات المستفزة. بينما في بعض الأحيان لا يساعد إلا تجنب هذه الأصوات والابتعاد عن مصدرها والانعزال.
وهناك عدد كبير من البشر الذين يعانون من هذه المشكلة، ويعد عالما الأعصاب الأمريكيين باول ومارغرت جاستربوف أول من وصف هذا الشعور "بالاشمئزاز والغضب" تجاه أصوات ما، وفق ما جاء في موقع "في.دي.آر" الألماني، حيث قام الزوجان ببحث حول هذه الظاهرة مطلع التسعينيات، وأطلقا عليها هذا الاسم.
الباحثان أوضحا أن هذا المرض لا يتوقف على حدة الصوت أو تردده، وأنه متعلق فقط بتجارب شخصية مرتبطة بصوت ما سببت للمرء هذه الحالة من الإحباط والاشمئزاز والغضب، ووفق نظريتهما فإن هذه المشاعر السلبية تتولد عند الاستماع لهذه الأصوات مرة أخرى.
وحتى الآن لا توجد طريقة واضحة لعلاج المرض، ومازال هناك عدة مراكز أبحاث للاضطرابات النفسية تقوم بدراسات حول هذا المرض.