أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية أهمية المؤتمر الثاني للبرلمان العربي مع رؤساء البرلمانات والمجالس العربية لأنه يهدف لبلورة رؤية عربية برلمانية شاملة لمواجهة التحديات الراهنة المُحدقة بالعالم العربي.
وقال أبو الغيط - في الجلسة الافتتاحية لأعمال المؤتمر الثاني للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية - إن العمل العربي المُشترك ظل لسنوات طويلة حِكرًا على الرسميين من ممثلي الحكومات، وكان في ذلك إغفالٌ لجانبٍ مُهم من جوانب المنظومة العربية.
وأكد أن البرلماناتِ العربية تُعدُ التجسيد الحقيقيَ لإرادة الشعوب العربية، والممثل لطموحاتها والمعبر عن آمالها وتطلعاتها، وهي بذلك ركنٌ لا غنى عنه في منظومة العمل العربي.
وقال إن "جامعة الدول العربية – كما نعرف جميعًا- مؤسسة للحكومات وللدول.. هذه هي طبيعة عملها وهذا ما أراده له مؤسسوها.. إلا أنها تظل فوق ذلك البوتقة الحاضنة لفكرة العروبة بمعناها الواسع، وتبقى الخيط الناظم لكل مسارات العمل العربي في أبعاده الشعبية والرسمية على حدٍ سواء".
وأضاف أنه غنيٌ عن البيان ما ينطوي عليه البعد الشعبي من أهمية بالغة في هذه المرحلة بالذات، وقائلا "لا يخفى عليكم جميعًا أن التهديدات التي تواجه دولنا الوطنية صارت تتعاظم كل يوم في حدتها، وهي تهديدات تضرب للأسف في كيان الدول، وتستهدف شرعيتها وبقاءها ككيانات سياسية موحدة ومستقرة".
وأردف قائلا "ولا شك أن الحُكم الرشيد، بمعناه الشامل، يُمثل الحصن الأهم في مواجهة هذه التهديدات الخطيرة، ذلك أنه السبيل الأوفق للحفاظ على علاقة سليمة وصحية بين الحُكام والمحكومين.
وتابع "وهذه علاقةٌ تسير في طريقين، فيكون لدى الحُكام الفرصة للاستماع لآراء الناس والوقوف على رغباتهم وتصوراتهم عن المستقبل.. ويكون لدى الناسُ – من جانب آخر- الفُرصة لمناقشة ما يطرحه الحُكام من خطط وما يتخذونه من قرارات".
وأكد أن هذه العلاقة التبادلية هي من علامات الحُكم الرشيد، ومن مقومات الاستقرار الاجتماعي والسياسي.. وما من شكٍ في أن إغفالها وتجاهلها أوصل بعضَ دولنا إلى ما نشهده للأسف من تفكك وتناحر واحتراب بعد أن انسدت قنوات الحوار والتواصل بين الحُكام والمحكومين، وساد بدلًا منها شعورٌ متبادل بالشكِ والريبة وانعدام الثقة.
وشدد أبو الغيط على أن البرلمانات والمجالس النيابية هي ركيزة أساسية من ركائز الدولة الوطنية الحديثة... وهي ليست، ولا ينبغي أن تكون، مجرد مظهر ديكوري أو كيان تجميلي.. فالمهام التمثيلية والتشريعية والرقابية، هي من صميم آليات الدولة الحديثة.. وبدونها تصيرُ الدول أقل منعة وأكثر عرضةً للاضطراب.
وقال إن "الأمرُ متروكٌ بالطبع لكل دولة لكي تجد الصيغة الأمثل لعمل هذه الآلية.. الصيغة التي تُناسب مُعطياتها السياسية والاجتماعية بحيث تكون برلماناتها مُعبرة بحق عن واقعها الثقافي والاجتماعي ومُنسجمة معه".
وأشار إلى إن التحدياتٌ التي تواجه الدول العربية، وإن كانت تختلف من بلدٍ لآخر، إلا أن ثمة قواسم مُشتركة تجمع بينها.
وقال "لا أخفيكم أن الصورة – كما أراها- ليست بأي حال وردية.. وأن التغيرات المُتسارعة في الإقليم والعالم تستدعي منّا جميعًا انتباها كاملًا ويقظة حقيقية وإرادة جماعية للتحرك والفعل".
وأضاف "إننا نرصد إشارات متضاربة من الإدارة الأمريكية الجديدة... ونُفضِل أن نتريث وأن نُراقب ما يجري، فبعضُ توجهات هذه الإدارة في التصدي للإرهاب بكافة صوره يتفق مع المصالح والأهداف العربية كما نفهمها.. كما أن موقفها من بعض القوى الإقليمية التي جاوزت المدى في تدخلاتها في الشئون العربية يُعد إيجابيًا.
واستدرك: "على أن الوقت ما زال مُبكرًا للحُكم على مُجمل توجهات الإدارة أو مواقفها من العالم العربي.. وهناك بالقطع ما يُقلق في بعض ما أُعلن بشأن القضية الفلسطينية، التي لاتزال عنوان أساسيًا على أجندة الاهتمامات العربية".
وأشار إلى أن الحكومة اليمينية في إسرائيل تسعى إلى انتهاز فُرصة التشوش الحادث على الساحة الدولية، وما تظن أنه ضوء أخضر لها لتمعِن في الاستيلاء على الأرض واستكمال مشروعها الاستيطاني البغيض الذي يقوض احتمالات تحقيق حل الدولتين، ويجعل من الصعب إقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القُدس الشرقية.
وقال إن الإرادة الدولية اجتمعت على إدانة هذا النهج الإسرائيلي واعتبرت المستوطنات خروجًا على القانون في القرار التاريخي 2334 الصادر عن مجلس الأمن في ديسمبر 2016.. كما أن مؤتمر السلام الذي عُقد في باريس الشهر الماضي وحضره ممثلون عن أكثر من سبعين دولة جددّ التزام المُجتمع الدولي بحل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي.
وأضاف "بقي أن يتحقق هذا الالتزام فعليًا وأن يجري إنفاذ هذه الإرادة الدولية، فليس معقولًا ولا منطقيًا أن تفرض دولةٌ واحدة إرادتها على المُجتمع الدولي بأسره، وأن تكون سببًا في إشاعة هذا القدر من انعدام الاستقرار والاضطراب في المنطقة، بل وفي العالم كله.
وأكد أن المجالس والبرلمانات العربية مدعوة إلى الإبقاء على قضية فلسطين حيةً، وعليها الاستمرار في التحرك وتكثيف جهودها في إطار الدبلوماسية البرلمانية مع نظرائها من البرلمانات الدولية لتأكيد مطالب الشعب الفلسطيني في المحافل والمؤتمرات البرلمانية الدولية، مشددا على أنه لا تعارض أبدًا بين الدبلوماسية الحكومية والدبلوماسية البرلمانية، فالأخيرة موازية للأولى ومكملة لها.
وقال إن الأزمات التي تعصف ببعض بلداننا العربية، سواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا، تفرض على البرلمانيين العرب مسئولية ضخمة... فما يجري في هذه الأقطار العربية هو شأنٌ يهم المواطنين العرب من المُحيط إلى الخليج.. ويتعين على أعضاء المجالس النيابية والبرلمانات الاضطلاع بمهامهم في مناقشة هذه القضايا الخطيرة، وطرحها للجدل العام، وإشعار الجمهور بأهميتها وخطورتها وضرورة التداعي الجماعي لمعالجتها والتعامل مع تبعاتها الخطيرة في إطار منظومة العمل العربي المشترك حفاظًا على الدولة الوطنية العربية وسيادتها ومقدرات شعوبها.
وأضاف "إننا نشهد حالة غير مسبوقة من التكالب على العالم العربي من جانب قوى إقليمية تستغل فُرصة الفوضى التي ضربت بعض ربوعنا.
وأكد إن هذه القوى تعمل على إذكاء الفوضى وتعميق التفكك عبر تبنيها لمشروع طائفي يُقسم الأوطان على أساس الهوية الدينية، ويبث فيها بذور الشقاق والاحتراب.. ومن واجب الشعوب العربية، قبل الحكومات، مواجهة هذه المُخططات التخريبية التي تستهدف استقرارها بالدرجة الأولى، وترمي إلى تمزيق نسيجها الوطني وتفكيكها.
وتابع قائلا "إنني على ثقة من أن قيادات العمل البرلماني العربي على وعي كامل بهذه المخاطر، ولديهم إدراك لمسئولياتهم إزاء تنبيه الناس لها وتحذيرهم منها".
وقال "إنّه برغم ما يحمله المشهد من مخاطر لا تخفى، فإن المرء يشعر ببعض الطمأنينة عندما يلمس موقف الشعوب العربية الرافض للإرهاب بشتى صوره وكافة ممارساته.. لقد أطل الإرهاب بوجهه القبيح، وأمعن في القتل العشوائي والخراب والفساد في الأرض، فلم يعد هناك مجال للشك في خُبث دوافعه، أو خطورة أهدافه أو ما يُمثله من خطرٍ على صورة الدين الإسلامي الحنيف.
وأضاف "إن مواجهة الإرهاب تستلزم اصطفافًا عربيًا من الشعوب إلى جوار الحكومات."
وأردف: "إنها معركة طويلة ولها جوانبها الاجتماعية والفكرية، ذلك أن تجفيف منابع هذا الفكر المنحرف الذي ينهل منه المتطرفون يقتضي جهدًا حقيقيًا على ساحة تطوير الخطاب الديني والوصول به إلى قطاعات الشباب التي تقع فريسة سهلة لأجندة التطرف والعنف".
وقال إنه ما من شكٍ في أن البرلمانات العربية تضطلع بمهمة كبرى على مستوى العمل العربي المُشترك في التصدي للإرهاب فهناك حاجة ماسة لتفعيل الأطر القانونية لمُجابهة العُنف والتطرف ومن بينها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.. كما أن على البرلمانات مسئولية لا تقل جسامة في مجال تبني قضية الخطاب الديني باعتبارها قضية عربية كُبرى تمس حياة المواطن العربي، وتتصل بحاضره ومستقبله.