أصيبت بالاكتئاب وكتبت باسم مستعار.. مي زيادة باحثة البادية

مي زيادة

يصادف اليوم 11 من فبراير، ذكرى ميلاد الأديبة الراحلة، مي زيادة، معشوقة الأدباء، والعزباء التي أحبت جبران خليل جبران وأحبها طوال 20 عاما دون أن يلتقيا، أحبها العديد من الشعراء ولم يهنأوا منها إلا بالقليل من صحبتها، لكن قلبها كان في مكان آخر.

ولدت زيادة في 11 فبراير عام 1886 وتوفيت عام 1941، هي أديبة وكاتبة فلسطينية -لبنانية، وُلدت في الناصرة عام 1886، أتقنت تسع لغات: العربية، والفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية واللاتينية واليونانية والسريانية.

تلقت دراستها الابتدائية في الناصرة، والثانوية في عينطورة بلبنان. عام 1907، انتقلت مع أسرتها للإقامة في القاهرة ودرست في كلية الآداب.

هؤلاء أحبوها

تمتعت زيادة بحضور قوي وجمال أخاذ، غازلها شيخ الشعراء إسماعيل صبري قائلاً: "وأستَغفر الله من بُرهَةٍ منَ العُمرِ لم تَلقَني فيكِ صَبّا". وحين دعى الشاعر حافظ إبراهيم القاضي والشاعر عبد العزيز فهمي إلى الكلام، نظر هذا الأخير إلى مي وقال: النظر هنا خير من الكلام ومن الإصغاء. ووصف أحمد شوقي شعوره نحوها شعراً: "إذا نطقت صبا عقلي إليها... وإن بسمت إليَّ صبا جناني".

وقال عنها صاحب مجلة الرسالة أحمد حسن الزيات: "تختصر للجليس سعادة العمر كله في لفتة أو لمحة أو ابتسامة". ورثاها عبّاس محمود العقاد قائلاً: "كل هذا في التراب آه من هذا التراب".

رغم كل من أحبوها على طريقته، لكن قلب مي لم يخفق إلَّا لثلاثة، حسب ما تفيد تلك الروايات الموثقة بالرسائل المتبادلة بينهم وعلى رأسهم جبران خليل جبران، الذي كان يقيم إقامة دائمة في نيويورك ورفض دعوات مي للقاء في القاهرة أو ألمانيا كما لم تذهب مي لزيارته ولا مرة واحدة، بل ظلا يتبادلان الرسائل فقط.

صالون مي زيادة

عقدت مي صالونا أدبيا حضره أعظم الشعراء والكتاب والمثقفين آنذاك أمثال أحمد لطفي السيد وطه حسين وعباس العقاد وأحمد شوقي وزكي مبارك وهدى شعراوي واميل زيدان وفتحي رضوان وغيرهم.

كانت مي تعقد مجلسها الأدبي كل ثلاثاء من كل أسبوع وقد امتازت بسعة الأفق ودقة الشعور وجمال اللغة. نشرت مقالات وأبحاثاً في كبريات الصحف والمجلات المصرية، مثل للمقطم، والأهرام، والزهور، والمحروسة، والهلال، والمقتطف. أما الكتب، فقد كان "باكورة" إنتاجها في عام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية وأول أعمالها بالفرنسية كان بعنوان "أزاهير حلم".

كان أول كتاب وضعته باسم مستعار (ايزيس كوبيا) وهو مجموعة من الاشعار باللغة الفرنسية، ثم وضعت مؤلفاتها (باحثة البادية) وكلمات وإرشادات، ظلمات وأشعة، سوانح فتاة، بين المد والجزر، الصحائف والرسائل، وردة اليازجي، عائشة تيمور، الحب في العذاب، رجوع الموجة، ابتسامات ودموع، وقامت بعدة رحلات إلى أوروبا وغذت المكتبة العربية بطائفة من الكتب الممتعة موضوعة ومنقولة وبلغت من غايتها في الأدب والعلم والفن فاستفاض ذكرها على الألسنة.

وفيما بعد صدر لها "باحثة البادية" عام 1920، و"كلمات وإشارات" عام 1922، و"المساواة" عام 1923، و"ظلمات وأشعة" عام 1923، و"بين الجزر والمد" عام 1924، و"الصحائف" عام 1924.

مأساتها:

ربما يظن البعض أن المأساة الوحيدة التي تعرضت لها مي هي حبها المستحيل لجبران والذي لم يسفر عن أي علاقة، بل الحقيقة أن هناك مآسي أكثر روعة من قصة حب غير مكتملة، إذ كانت مي تسكن في شارع علوي خلف مقر جريدة الأهرام، وعاشت الأسرة هناك طويلا وفي هذه الشقة انعقد صالون مي زيادة حتى مات الأب عام 1929 وتبعته الأم عام 1932، وبدأت مأساة مي وفرضت على نفسها عزلة خانقة حتى غادرت هذا المنزل عام 1936 عائدة إلى بيروت للعلاج بعد معاناتها مع الاكتئاب.

بعض أقاربها تآمروا عليها واتهموها بالجنون من أجل الاستيلاء على ميراثها وأودعوها مستشفى للأمراض العقلية لمدة ثلاث سنوات تقريبا، كما استصدروا قرارا من المحاكم بأنها ناقصة الأهلية وقاموا بالحجر عليها والاستيلاء على ممتلكاتها في شقة علوي التي استردتها جريدة الأهرام بعد ذلك، حتى تبنى أمين الريحاني قضيتها ودعا أشهر الكتاب والمثقفين والسياسيين لتوقيع عريضة لإخراجها من المستشفى.

عادت زيادة إلى القاهرة عقب تحريرها من مستشفى الأمراض العقلية، وبدأت في خوض نضال قانوني لاستعادة أموالها ومكتبتها ومقتنياتها التي تفرقت بين مخزن الكنيسة المارونية بمصر الجديدة، وشقة في شارع الأهرام بشبرا، استأجرها ابن عمها إغناطيوس زيادة ونقل إليها أثاث شقة علوي.

وفوجئت مي بضياع أغلب مقتنياتها وتلف الباقي، كما ضاع الجزء الأكبر من مكتبتها كما تقول في إحدى رسائلها لخليل خوري "لم يجدوا ملعقة ولا شوكة، ولا فوطة ولا مفرشا، ولا حلة ولا طبقا. والمدون في قائمة الجرد هو الكرسي والطاولة والكنبة وما شاكلها. فهل تلك أمتعتي؟ ولو كانت تلك هي، أتكون في حالة لائقة للاستعمال".

بعد صدور حكم الاستئناف بتمكينها من ميراثها بدأت مي زيادة في البحث عن شقة أخرى، وفي رسالة أخرى لصديقها خليل الخوري تخبره أنها تبحث ليل نهار عن شقة أفضل وأنها وجدت الكثير من الشقق بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد، لكنها لا تجد ما يناسبها فهي تريد أن تبقى في وسط البلد بالقرب من بيت الأسرة القديم الذي ذهب. 

وفي 16 مارس 1939 كتبت مي زيادة إلى الأمير مختار الجزائري تخبره بأنها وفقت في استئجار شقة بنفس العقار ولكن في الطابق الثالث تصفها بأنه "منورة وأكثر اتساعا" وأنها تواصل محاولاتها لاستعادة مكتبتها ومقتنياتها الشخصية.

وفي خطاب لصديقتها سنية الأيوبي قالت "لست أقول لكم كم أنا أتألم لكثرة ونفاسة ما فقدت، وعندما أرى كل ما نهبوه مني أفهم لماذا رموني بالجنون، ولماذا فعلوا كل ما فعلوه. وعندما أعرف أسماء الذين اشتركوا في السرقة (وهم أكثر من واحد) أفهم لماذا أشترك أناس كثيرون في نشر الإشاعات" وفي رسالة أخرى تقول إنها اشترت عود، ليس كعودها الذي سرق وراديو لكنه يعطل كثيرا.

توفيت في مستشفى المعادي بالقاهرة عن عمر 55 عاماً. وقالت هدى شعراوي في تأبينها "كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة"، كُتبت في رثائها مقالات كثيرة بينها مقالة لأمين الريحاني نشرت في «جريدة المكشوف» اللبنانية عنوانها "انطفأت مي".

ماتت الأديبة مى زيادة عام 1941 لم يمش وراءها رغم شهرتها ومعارفها وأصدقائها الذين هم بغير حصر، سوى ثلاثة: أحمد لطفى السيد، خليل مطران، وأنطوان الجميل. وسوف يبقى المعنى الذى يشير إليه هذا المثل عن علاقة الناس والعمدة، قائماً إلى يوم القيامة، مؤكداً على ان النفاق هو أساس كثير من أفعالنا وأقوالنا.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً