تشير الدلائل إلى محاولة "الجماعة الإسلامية" عقد مصالحة مع الدولة المصرية، خاصة بعد اتصالات مكثفة بين الطرفين، وبعد نية الجماعة الإسلامية التخلي عن جماعة الإخوان المسلمين، وفض الشراكة بينهما المتمثل في "تحالف دعم الشرعية".
وظهرت الخلافات بين جماعة الإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية، على العلن، بعد تصريحات القيادات التاريخية للجماعة، كعبود الزمر، وأسامة حافظ، اللذين طالبا بالخروج من "التحالف" اتقاءً لشر الضربات الأمنية، خصوصاً وأن الإخوان روجت لنفسها في السابق كبديل سلمي للجماعة، التي انتهجت العنف في الثمانينات والتسعينات.
وخفضت الجماعة الإسلامية من سقف الهجوم والانتقاد للرئيس عبدالفتاح السيسي شخصيًا، والحكومة، وفض التحالف والتنسيق مع الإخوان، وذلك كبادرة حسن نية من الجماعة، لتحقيق الصلح مع النظام، فيما عادت الجماعة بموافقة الأمن إلى العمل بشكل محدود داخل بعض المساجد، وتنظيم المؤتمرات والندوات الدينية، كما تم إخطار أفراد الجماعة وحزبها "البناء والتنمية" بعدم وجود ما يمنع عودتهم للعمل في مقراتهم، والعمل السياسي مرة أخرى، شريطة الخروج من الحيز الرمادي، واتخاذ قرارات واضحة وصريحة بالانفصال عن الإخوان، على الرغم من أن بعض قيادييها في الخارج يعتاشون من موارد محسوبة على الإخوان.
وانسحبت الجماعة قبل نحو 3 أشهر مما يسمى "مبادرة واشنطن" التي دشنها قياديون إخوانيون وشخصيات أخرى موالية للجماعة، بدعوى الحفاظ على الهوية "الإسلامية المتجذرة"، باعتبارها أولى من "الاصطفاف الوطني" الذي تسعى له أجنحة في الإخوان المسلمين.
وبحسب مصادر في "الجماعة الإسلامية"، فقد شهدت الفترة الماضية إخلاء سبيل عدد من أفرادها وأنصارها، وكذلك تسوية قضايا لأفراد آخرين كانوا يحاكمون على إثرها، مع تعهد أمني بعد عدم تعرضهم أو انتقاصهم من "مميزات ما بعد المبادرة".
وعلى الرغم من أن التيار الداعم لفض التحالف مع الإخوان هو المسيطر داخل الحركة، إلا أن ذلك لم يمنع من اعتراض التيار الآخر من تحويل اعتراضه إلى خلاف حاد داخل صفوفها، وصل إلى درجة اعتبار خطوة التسوية مع النظام تخلياً عن "الإسلاميين في محنتهم" ودعماً وتمكيناً للسيسي، وهو ما استدعى جولات تهيئة وتمهيداً للقواعد بشأن الانسحاب، قبل نحو عام، رعاها سابقاً رئيس مجلس الشورى في الجماعة عصام دربالة، بعد فتوى لعدد من الشرعيين بعدم وجود إثم في الخروج من "تحالف دعم الشرعية".
وعمدت أجهزة وزارة الداخلية إلى غض الطرف عن تحركات دربالة بين المحافظات التي تحظى فيها الجماعة بثقل، ما سمح لحزب "البناء والتنمية"، الجناح السياسي للجماعة، بتنظيم العديد من الفعاليات، على رأسها ندوة عامة في مقر الحزب ألقى فيها دربالة مداخلة حول تجارب "الحركة الإسلامية في الحكم" في أفغانستان وتركيا والسودان، مهاجماً جماعة الإخوان التي لم تستطع أن تدير "الصراع الموجود" بطريقة صحيحة، على حد تعبيره.
لكن القبض على عصام دربالة في مايو 2015، أدى إلى إجهاض التهدئة بين الجماعة والسلطات المصرية، في إطار تباين الرؤى وصراعات الأجنحة الامنية في مصر، وجاء موت دربالة في السجن، بعد نحو 3 أشهر من سجنه ليوجه ضربة قوية لتلك المفاوضات، إلا أن هذه الذكرى باتت في طي النسيان لدى الجماعة حالياً.