أصبحت داعش وعدد من الجماعات التي ترهب وتقتل الناس باسم الدين تستغل السنة النبوية الشريفة وبعض الأحاديث والسير في غير مواضعها، مثلما فعل الشاب الذي قتل السفير الروسي بتركيا، مرردا أحد أحاديث النبي "جئناكم بالذبح"، ويستند أغلب المنتمين إلى داعش لهذا الحديث.
ورغم أن الحديث خارج سياقه، إلا أن الحديث صحيح، فقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وأحمد في المسند، والبخاري في خلق أفعال العباد، وابن حبان في الصحيح، والبيهقي وأبو نعيم في الدلائل وصححه الشيخ أحمد شاكر، وحسنه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيقهما على مسند أحمد، وصححه الشيخ الألباني في كتابه صحيح السيرة النبوية.
وذكر علماء أن الحديث ليس على عمومه ليقال إن الإسلام أو النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ جاء بالذبح ـ كما يزعم السفهاء ـ بل جاء الحديث مفسرا في بعض طرقه مبينا أن المقصود بالخطاب صناديد قريش، وأئمة الكفر منهم كأبيّ بن خلف وعقبة بن أبي معيط في سبعة نفر. بل جاء النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ رحمة للناس كافة كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ {الأنبياء:107}.
وفي مسند الإمام أحمد (11 610 ـ 611):عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا أَكْثَرَ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، أَوْ كَمَا قَالُوا. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ يَمْشِي، حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ مَا يَقُولُ، قَالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ، غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، ثُمَّ مَرَّ بِهِمُ الثَّالِثَةَ، فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَقَالَ: «تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ».
فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِدًا، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ جَهُولًا، قَالَ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ، اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ، إِذْ طَلَعَ عليهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَحَاطُوا بِهِ، يَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ، قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ» قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، قَالَ: وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- دُونَهُ، يَقُولُ وَهُوَ يَبْكِي: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28] ؟ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَأَشَدُّ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ.
وذكر بعض العلماء أن هذا الحديث صحيح لكن لم يكن المقصود منه هو ما يأخذه الناس من معناه إذ قصد منه 7 من أنفار قريش ققط، ونظم العلماء المحققون هذه الروايات في سلك دلائل النبوة، فنجدها عند البيهقي في دلائل النبوة، وعند أبي نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة أيضًا كما مرَّ في التخريج آنفًا.
وهذا يعني أنهم يرون ما انتهيت إليه في نتيجة هذا الحديث وأنه خاص بهذا العدد فقط من أئمة الكفر، بدليل أن أبا جهل عندما راجع النبي صلى الله عليه وسلم خوفًا من أن يناله توعده صلى الله عليه وسلم، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما كنت جهولًا، قال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت منهم؟ فلو كان عامًا لقريش أو للناس جميعًا كما يزعم من لا علم عنده لما قال له أنت منهم.
فدل هذا على أنَّ هذا الكلام محمول على أشخاص معدودين، وبين من ذكر هذا الحديث وأضرابه في دلائل النبوة أن هذا تحقق في معركة بدر، فقد كانت بمثابة الذبح الذي توعدهم به النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كما في رواية أخرى وبعد مقولة النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر قريش جئتكم بالذبح، دخل بيته ثم خرج عليهم وفي يده حصباء رماها عليهم وقال: شاهت الوجوه، فما من أحد أصابته تلك الحصباء منهم إلا وُجد صريعًا في بدر، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم (جئتكم بالذبح)، ومن حمل الحديث على غير هذا المحمل فإنما يريد أن يُكذب الله ورسوله، والنصوص تأتلف ولا تختلف، وهذا الذي قدمت وجه ائتلافها، وما تقتضيه بقية الروايات وواقع صنيع النبي صلى الله عليه وسلم مع القوم.
وفي مقالة للدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، قال "كان جبابرة قريش وصناديدهم مثقفين بقراءة التاريخ، والاتعاظ بالسنن الكونية، فسمعوا مقولة النبى صلى الله عليه وسلم لهم: «لقد جئتكم بالذبح» فارتعدوا لأنهم تعقلوا هذه المقولة التى فهموا منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعظهم بالتاريخ الذى لا يرحم الظالمين، ولم يفهموا منها هذا المعنى الساذج الذى لا يزيد عقول الحمقى إلا تغييبًا بقطع رؤوس المخالفين، كيف وقد قالها وهو فى أضعف حالاته البشرية دون سلاح ودون مرافق يؤازره".