أكدت المحكمة الإدارية العليا، على الاعتبارات العملية للتجمعات السكنية العشوائية، نتيجة أزمة الإسكان وأنه يتوجب على الحكومة بدلا من اللجوء لحيل قانونية قد تسعفها على حساب معيشة المواطنين، أن تواجه علاج ظاهرة المناطق العشوائية لتلافى تشكيل بيئة متردية وسيئة.
وأكدت على قيام الحكومة بتفعيل أحكام القرار الجمهوري عام 2008، بإنشاء صندوق تطوير المناطق العشوائية التابع لرئاسة مجلس الوزراء والذي اُنشئ بعد حادثة انهيار صخرة الدويقة بغية حصر المناطق العشوائية وتطويرها وتنميتها، ووضع الخطة اللازمة لتخطيطها عمرانيًا، وإمدادها بالمرافق الأساسية. واكدت كذلك على أن المناطق العشوائية اصبحت أحياء سكنية متكاملة وواقعًا وإن كان أليما لا يجوز للدولة تجاهله وعلى الحكومة تطويرها وتقنينها حماية للبسطاء حسنى النية الذين يحلمون بالمسكن وأن قعود المحليات عن اتخاذ الإجراءات لمواجهة مخالفات البناء حتى يكتمل ويشغل بالسكان وتستقر أوضاعهم، فلا يجوز لها الامتناع عن تزويدهم بخدمات المرافق.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين احمد الشاذلى والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وسامى درويش ومحمود ابو الدهب نواب رئيس مجلس الدولة بالغاء قرار جهة الادارة بالامتناع عن توصيل الكهرباء لمنزل أحد المواطنين تقسيم جمعية النصر شمال محطة كهرباء جنوب حلوان بحجة انها منطقة عشوائية.
قالت المحكمة، إنه إذا حررت المحليات مخالفات بشأن العقار المطلوب تزويده بالمرافق كان من حقها رفضها إذا كانت هذه المخالفات ثابتة في حق صاحب الشأن بأحكام قضائية صادرة بالإدانة، أما إذا وقف الأمر عند حد تحرير محاضر مُخالفات وعدم نهوض جهة الإدارة المختصة لوقف الأعمال المخالفة فعلًا والحيلولة دون إتمامها وشغلها بالسكان، وقعودها عن اتخاذ الإجراءات التى تطلبها القانون لمواجهة المخالفات حتى اكتمل البناء المخالف وشُغل بالسكان واستقرت به أوضاعهم، فلا جدوى من امتناع الجهة الإدارية عن توصيل المرافق طالما أن صاحب المبنى قد استجمع الشروط اللازمة للتعاقد على توصيل المرافق العامة بالعقار وان المبنى المقام لا يهدد بحال أمن وسلامة شاغليه أو الغير
واضافت المحكمة أن المشرع قد تغيا من اصدار المحليات لقرارات وقف اعمال البناء المخالفة وازالتها تنظيم عملية البناء حرصًا على سلامة المواطنين وأمنهم من ناحية وتوخياَ للبناء السليم كمظهر من مظاهر الثروة العقارية من ناحية أخرى ومن ثم حظر الخروج عليها وفرض العقوبات على المخالفين لأحكامها ولا تؤتى هذه التشريعات اُكلها مالم تنهض الجهة الادارية المختصة بشئون التنظيم وتبادر الى وأد هذه المخالفات فى مهدها واستخدام المكنات التى وسدها لها القانون فى إيقاف أعمال البناء المخالفة بالطريق الادارى وتحرير المحاضر المثبتة لهذه المخالفات وعرضها على الجهات القضائية لتتخذ فيها شئونها وتحيل المخالفين إلى المحكمة الجنائية ويأتى الحكم فى حالة ثبوت المخالفة فيعيد الامور الى نصابها ويزيل اسباب المخالفة، فإن أغفلت الجهة الإدارية هذه الإجراءات أو تراخت فى اتخاذها فإن المخالفة تمتد اَثارها وتتشابك أوصالها بحيث يتعذر حتى بعد صدور الحكم الجنائى فيها إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها وصحيح نصابها.
وذكرت المحكمة أن الاماكن التى لم يتم صدور قرار بتقسيمها مثل المناطق العشوائية التى اُقيمت على ارض غير مقسمة وبدون ترخيص بناء فهى ينطبق عليها الشروط والضوابط التى تتضمنها القرارات الصادرة من المحافظ المختص بتزويد تلك العقارات بالمرافق لا قانون المبانى وإلا أدى ذلك إلى استحالة تزويد تلك العقارات بالمرافق العامة استحالة مادية ملموسة وهى التى تعد ضرورة حيوية من ضرورات الحياة لجمهور قاطني تلك العقارات التى اقيمت فى الأصل على مرأى ومسمع الجهة الادارية التى لم تتخذ أى إجراءات حاسمة لمنع إقامتها الأمر الذى ترتب عليه تزايد تلك المناطق لتشكل أحياء سكنية متكاملة واصبحت واقعًا وإن كان أليما لا يجوز للدولة تجاهله بل يجب العمل على تطويرها وتقنينها حماية للبسطاء حسنى النية الذين يحلمون بالمسكن الملائم الذى يجد فيه الانسان سكينته ويحفظ عليه اَدميته.
واشارت المحكمة أن العقار محل الطعن قد اُقيم فى تقسيم جمعية النصر التعاونية للاسكان التى قامت بالبيع لأعضائها الذين قاموا بالبناء تحت مراَى ومسمع جهة الادارة على غالبية القطع وأضحى باديًا التجمع السكنى وظاهراَ للوجود وصار واقعًا فى حياة الناس لا يمكن تجاهله وقد اصدرت جهة الإدارة قرارات بوقف وازلة عقار المطعون ضده وقام الاخير بالطعن عليها وحصل على احكام بوقف تنفيذها ولم تقدم الادارة الطاعنة ثمة احكام جنائية ضد المطعون ضده عن مخالفات البناء المسندة للمطعون ضده السابقة على صدور الترخيص الصادر له، والقاعدة ان أصل البراءة يمتد إلى كل فرد سواء أكان مشتبهًا فيه أو متهمًا بإعتبارها قاعدة أساسية في النظام الإتهامي أقرتها الشرائع جميعها، ذلك أن الاتهام الجنائي في ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الفرد دومًا ولا يزايله سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثنائها وعلى امتداد حلقاتها وأيًا كان الزمن الذي تستغرقه إجراءاتها، ولا سبيل بالتالي لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين بما لا يدع مجالًا معقولًا لشبهة انتفاء التهمة، وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائي استنفد طرق الطعن فيه وهو ما عجزت الادارة الطاعنة عن تقديمه.
واختتمت المحكمة حكمها المهم أنه لا يوهن فى سلامة هذا النظر ما ذكرته الادارة الطاعنة أن المنطقة الكائن بها عقار المطعون ضده هى منطقة عشوائية التى لا يعتمد لها تقسيم مما تخضع معه لقانون تنظيم المبانى بإعتباره القاعدة العامة، فذلك مردود عليه ان هذا القياس لا يجوز اللجوء إليه لإنتفاء إتحاد العلة فى الحالتين فلكل قانون مجال تطبيقه والغاية من اصداره لا يتداخل احدهما فى الأخر، فضلًا عن أن الإعتبارات العملية لهذه التجمعات السكنية التى أوجدتها البيئة نظرًا لازمة الإسكان كان يتوجب على الادارة بدلًا من اللجوء لحيل قانونية قد تسعفها على حساب معيشة المواطنين أن تواجه علاج ظاهرة المناطق العشوائية التى تعد من أخطر المشكلات التي تواجه سكانها مما يؤدى إلى تشكيل بيئة متردية وسيئة، وكان الأمر يستحق الاهتمام من الدولة، مما تستنهض معه المحكمة همة الحكومة فى تفعيل احكام قرار رئيس الجمهورية رقم 305 لسنة 2008 بشأن إنشاء صندوق تطوير المناطق العشوائية التابع لرئاسة مجلس الوزراء والذى اُنشئ بعد حادثة انهيار صخرة الدويقة بغية حصر المناطق العشوائية وتطويرها وتنميتها، ووضع الخطة اللازمة لتخطيطها عمرانيًا، وإمدادها بالمرافق الأساسية، من مياه وصرف صحي وكهرباء ويباشر الصندوق إختصاصاته بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية ووحدات الإدارة المحلية، وعلى هذه الجهات إمداده بالمعلومات والخبرات والمساعدات اللازمة مما يستلزم تضافر جهود تلك الوزارات للقضاء على تلك الظاهرة فى مهدها