للموت حرمته وجبروته وجلاله، لحظة عصيبة يفقد فيها الإنسان أقرب من له، الشعر بالحزن وألم الفراق والوحدة، ربما أحاسيس ستصدمك إذا علمت أن أحد طقوس الجنازات لا تشملها، حيث تمتاز طقوسا عجيبة بالرقص والاحتفال والغناء ومزيدا من الألوان والبهجة وقت الموت أو تشييع الجنازات.
لفت أنظار العالم كله ما أوصت به الشحرورة في جنازتها من وجود فرقة موسيقية تلعب الفلكلور اللبناني الشهير "الدبكة" ويرقصها المؤدون للجنازة، لكن للتوثيق الحالة ليست نادرة ولم تكن الأولى أو الأخيرة.
وفقا لدراسة حديثة فإن الحضارة الإنسانية، منذ فجر التاريخ عرفت الرقص والذي كان يمثل جزءاً مهماً من الثقافة والدين. وبالرقص حاكى الإنسان ووصف الأحداث أوالأساطير. وأضفى الرقص على الراقصين ضمن الاحتفالات والطقوس الدينية أحاسيس النشوة والسعادة.
وكان المصريون القدماء أول من ابتدع فكرة الرقص الجنائزي ومن المعتقدات التى تقف وراءه ما يعزز "بعث القمر" والاحتفال ببداية ظهوره الجديد (الهلال). وفى احتفالات أوزيريس الطقوسية القديمة فى مصر، يمثل موت وبعث القمر، دوراً جوهرياً. إذ يرمز القمر لـ«الموت والخصب»، مثلما يرمز للنوروالظلمة معاً.
ويمثل الرقص فى طقوس "شعائر القمر" نوعاً من ممارسة "السحر" الذى يعزز بزوغه، فى شكل طقس جنائزى يحتفل ببعث القمر (رمز الموت) وبداية الفيضان (التجديد السنوى فى مصر) بما يشبه طقوس تجديد قوة "آمون" (ملك الآلهة) وإستعادة حيويته.وفى رمزية نشأة الكون لكى يبعث الكائن من جديد يتحتم أن يموت وتغادر روحة بصفة رمزية، نمطاً سابقاً من الحياة الدنيا.
ومن هذه الرقصات المبكرة رقصة لمجموعة من النساء ترفعن أذرعهن فوق رؤوسهن، وترافقهن أخريات بالتصفيق والتهليل. وتضم الرقصات الثنائية، الرجال والنساء يدا بيد، وترتبط معظمها بالطقوس الجنازائزية. ويشتمل «الرقص الجنائزى» على "الحركات المعبرة عن الحزن التى يمارسها أشخاص يشتركون فى الجنازات ومن «الرقصات الجنائزية» التى ترجع إلى «عصر ما قبل الأسرات» رقصة الـ Muu وفيها يرتدى الراقصون تيجاناً من الغاب غريبة الشكل ويرقصون وسط «التصفيق الإيقاعى» مع خطوات رقص حرة ورفع الأيدى لأعلى .
ويعتقد المصريون فى كون الراقصات المصورات على سطوح جدران المقبرة، سيحيون بمجرد سماعهم التعاويذ السحرية، ويلبون طلبات سيدهم، ويسرون عنه ومن "الرقص الجنائزى" نوع للتعبير عن الحزن، تقوم به النائحات. وتصور االعديد من النقوش الجدارية والرسوم هؤلاء النسوة يؤدين حركات وإيماءات لتمثيل الحزن تبعاً لإيقاعات منتظمة. وفى أحيان أخرى يمارس الرقص الطقوسى على الإيقاع والحركة المصحوبة «بترانيم» .
وبالابتهالات تتحقق المعجزات. وكان "الرقص الجنائزى" فى «عصرالدولة القديمة» ينطوى فقط على خطوات بسيطة جداً والتى لا تتطلب تدريباً سابقاً، مع التصفيق لخلق الإيقاع .
هذا التقليد غير المنتشر عربيا له جذور فرعونية، حيث وصف الكاتب المصري فؤاد الدجيلي الرقصات الجنائزية في إحدى مقالاته فقال :"جرت العادة على أن تحتل النساء أماكنهن في تلك المواكب، وهن متشحات بأردية طويلة، ويعزفن على الآلات الموسيقية، ويلوحن بأغصان الأشجار في الهواء.. أما الرجال فيسيرون بخطوات هادئة، وفق نظام إيقاع تصفيق النساء، واضعين على رؤوسهم قبعات من السمار، وتسيطر على حركاتهم في بعض الاحيان حيوية دافقة، فيندفعون مسرعين إلى الأمام، وهم يرفعون أقدامهم إلى أعلى".
وأضاف:" لاتزال تلك الرقصات تمارس خلال مواكب الجنازات في مصر، وفيما يجاورها من دول بهدف إدخال السرور على روح الميت وطرد الأرواح الشريرة، حسب اعتقاده، و لعل ما يؤيد ذلك أن المصريين القدماء يوصون بعدم إغفال هذا الرقص عند تشييع جنازاتهم؛ لذا تؤدى في فناء الكنيسة، رغم وجود ما يوحي أنها نشأت عن شعائر وثنية، أما سبب هذا الرقص فيرجح إنه خليط من المعتقدات مثل إيقاظ الموتى، وتناسخ الارواح".
الأمريكان أيضا يرقصون في الحزن
الأمر ليس قصراً على الفراعنة والمصريين، حيث أن الرقص في الجنائز تقليد منتشر في ولاية "نيوأورليانز"، كبرى مدن ولاية لويزيانا الأمريكية ويُعرف باسم (Second line)، يتمثل في أن الفرقة الموسيقية المرافقة للجنازة تعزف في الطريق إلى المقبرة موسيقى تعكس حالة الحزن، لكن في طريق العودة يبدأ أعضاء الفرقة بعزف مقطوعات موسيقية تعبر عن المرح والسعادة، ترافقها رقصات المعزين الذين يحاولون بذلك الترفيه عن أنفسهم والعودة إلى وتيرة الحياة الطبيعية.
امتازت مراسم جنائز حضارة الأستراليين الأصليين بالرسم على الجسد؛ فابتكر شعب اليولنوغيو والتيوي سارية "البوكوماني" المنحوتة من جذوع الخشب الحديدي، بينما استخدمت شجرات الدفن المنحوتة بشكل واضح في جنوب غرب أستراليا. يشتهروا شعب توراجا في سولاوسي المركزية بعادات دفنهم المشهورة، التي تتضمن صنع دمى للموتى توضع أعلى المنحدرات. كانت مقابر الكاسوبي الملكية في أوغندا التي ترجع للقرنين التاسع عشر والعشرين عبارة عن مجمع دائري لمباني مصنوعة من القش، تشبه مساكن شعب الكاباكا السابقين من بوغندا ولكن كانت له خصائص معينة، ولقد دمرت عندما في حريق عام 2010.