تسعى الهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا "إيجاد"، للتوصل إلى حل سلمي، من أجل تسوية الأوضاع الراهنة فى دولة جنوب السودان، والوصول إلى حل سلمي يرضي كافة الأطراف المتنازعة هناك، الأمر الذى دفعها إلى الدعوى لإقامة منصات حوارات، لخلق بيئة مواتية لإحداث إنماء وتنمية في القارة الأفريقية.
وتعد "إيجاد"، منظمة إقليمية تضم 8 دول هي: (جيبوتي وأريتريا وأثيوبيا وكينيا والصومال والسودان وأوغندا وجنوب السودان)، حيث تأسست كبديل للسلطة الحكومية الدولية للإنماء والتصحر، التي تأسست في عام 1986، خلال اجتماع عقد في نيروبي عام 1996 واتفقت الدول المنضوية تحت لواء السلطة الحكومية الدولية للإنماء على تعديل الميثاق وأقروا عدة بنود نحو إحداث تنمية، ومن بينها إخماد التوترات البينية لعدد من أعضاء دول المنظمة لإتاحة الفرص أمام أية مسارات للتنمية إلى جانب مكافحة قضايا التصحر، وقرروا حينها تغيير اسم المنظمة من "السلطة الحكومية للإنماء والتصحر" إلى "الهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا".
وأخذت (إيجاد) على عاتقها منذ عام 1996 تسوية الأزمات الناشبة في دولها قبل الحديث عن مكافحة التصحر، لاسيما وأن السلطة الحكومية الدولية للإنماء والتصحر، التي تم استبدالها بإيجاد، ركزت على قضايا الجفاف والتصحر التي كانت تعاني منه عدد من دولها وهي (جيبوتي والصومال والسودان وكينيا)، غير أن (إيجاد) وجدت ضالات سابقتها في ضرورة تسوية التوترات من أجل الحديث عن قضايا التصحر والتنمية.
واستهلت (ايجاد) قضاياها بالانشغال بما يدور من اضطرابات عسكرية في الصومال، فأنشأت عام 1998 لجنة التحقيق والمصالحة الوطنية، وسميت باللجنة الفنية للدول المجاورة للصومال، وشملت ممثلي دول جيبوتي وإثيوبيا وكينيا، إضافة إلى ممثلين عن جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا).
وفي أغسطس 2002، نظمت (إيجاد) مؤتمرا (عرتا) في جيبوتي، وخلص المؤتمر إلى تشكيل سلطة تشريعية انتقالية لمدة 3 سنوات، ومن خلالها تم انتخاب رئيس مؤقت للبلاد.. وفي 15 أكتوبر 2002 عقدت اللجنة الفنية للدول المجاورة للصومال التابعة لإيجاد مؤتمرا في مدينة الدوريت الكينية لتوقيع إعلان وقف العداءات ومبادئ المصالحة.
وقرر قادة دول إيجاد خلال قمة عقدت بأوغندا في أكتوبر 2003، توسيع اللجنة الفنية المعنية بالصومال لتشكل باقي الدول الـ8 المنضوية تحت لواء المنظمة، وتم تغيير اسم اللجنة لتصبح لجنة تيسير عملية السلام في الصومال، وكثفت هذه اللجنة اجتماعاتها، حيث عقدت خلال عام واحد ما يزيد عن 12 اجتماعا على مستوى وزاري لدفع عملية المصالحة.
وتواصلت جهود (إيجاد) لحلحلة الوضع في الصومال، وقررت في 31 يناير 2005 نشر بعثة تابعة للمنظمة لدعم السلام في الصومال.. وفي 18 مارس من نفس العام تبنى المجلس الوزاري لإيجاد خطة نشر قوات حفظ السلام في الصومال.. وفي السادس من ديسمبر 2006 قامت إيجاد بإنشاء بعثة للحماية والتدريب في الصومال بناء على قرار أصدره مجلس الأمن الدولي وحمل رقم 1725، وتوالت الاجتماعات والجهود التي قامت بها إيجاد من أجل تسيير الأوضاع في الصومال.
وبالنسبة للوضع في جنوب السودان، فقد استشعرت (إيجاد) الأزمة قبل إعلان استقلال جنوب السودان، حينما تصاعد النزاع بين حكومة الخرطوم وجيش التحرير الشعبي، وقررت تشكيل لجنة رباعية دولية من رؤساء دول (إثيوبيا وكينيا وآريتريا وأوغندا) للوساطة بين الجانبين في السودان وجنوبه، إلى أن شكلت لجنة دائمة من وزراء خارجية هذه الدول الأربعة لتسوية الوضع في السودان.
وتوقفت وساطة (إيجاد) مؤقتا نظرا لتوتر الوضع بين السودان وأوغندا وإريتريا، إلا أن جهود (إيجاد) عادت مرة أخري لتهدئة الأوضاع بين السودان وجنوبه في 25 مارس 1997، وعقدت قمة في نيروبي وتدخل في الوساطة حينها رئيس جنوب أفريقيا نيسلون مانديلا.
وتواصلت جهود الدول المنضوية تحت لواء (إيجاد) إلى أن تم توقيع بروتوكول (ماشاكوس) في 20 يوليو 2002 بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، الذي وضع مبادئ عامة للحكم والعملية الانتقالية وهياكل الحكم، ثم قادت (إيجاد) سلسلة وساطات متتالية أسفرت عن توقيع بروتوكول الترتيبات الأمنية بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية في مدينة (نيفاشا) الكينية في 25 سبتمبر 2003 ثم بروتوكول تقاسم الثروة بين الجانبين، الذي تم توقيعه في 7 يناير 2004 بنيفاشا.. وفي 26 مايو من العام ذاته وقع الجانبان ثلاث بروتوكولات لتقاسم السلطة، وحسم النزاع في جنوب كردفان جبال النوبة وولاية النيل الأزرق، وحسم النزاع في أبيى.
واستمرت جهود (إيجاد) إلى أن تم توقيع اتفاقية السلام الشاملة (اتفاقية نيفاشا) في 9 يناير 2005 بين كل من حزب المؤتمر الوطني في الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، وبموجب هذا الاتفاق تحول السودان إلى إقليمين جنوبي يتكون من 10 ولايات، وشمالي يتكون من 16 ولاية (تم دمجها بعد الاتفاقية لتصبح 15 ولاية)، وبموجب الاتفاق حصل جنوب السودان على سلطات واسعة وحكم أشبه بالذاتي، وحدد يوم 9 يناير 2011 لإجراء استفتاء لمواطني الجنوب، حيث صوت ما نسبته 57ر99% من ناخبي جنوب السودان لصالح الاستقلال.
وفي أعقاب إعلان جنوب السودان كدولة مستقلة عن السودان، أقامت (إيجاد) منصات حوار غير رسمية لتشمل زعماء القبائل والزعماء الدينيين وقادة المجتمع المدنى والقوى الدولية والإقليمية ذات المصلحة في استقرار الأوضاع في جنوب السودان، وذلك تنسيقا مع مراكز العمل الدبلوماسية الدولية.
وأدت مبادرات الوساطة ومنصات الحوار التي أقامتها (إيجاد) إلى التمهيد إلى اتفاق سلام محلي في عام 2014 بأديس أبابا عاصمة أثيوبيا، وذلك بين حكومة جنوب السودان وحركة جيش كوبر.
كما قادت (إيجاد) سلسلة حوارات وجولات تفاوضية بين المتمردين بقيادة رياك مشار، وحكومة الرئيس سلفاكير بداية من عام 2014 في أديس أبابا ونيروبي، شارك فيها الرئيس الكيني اليكي اوهورو كينياتا ورئيس الوزراء الأثيوبي هيلماريم ديسلاجن، وبرز اسم سيوم مسفين كبير مفاوضي (إيجاد) - إثيوبي الجنسية - في جولات الحوار هذه، حيث سعى إلى تمهيد الأجواء بين المتمردين والحكومة الشرعية في جوبا.
ووسط هذا برز دور ثلاث دول منضوية تحت منصة (إيجاد)، وهي أثيوبيا وأوغندا وكينيا، في مساعدة جنوب السودان على الاستقلال ومحاولة امتصاص التوتر الناشئ مع حكومة الخرطوم قبل الاستقلال، وكذلك بعد الاستقلال لايزال هذا الدور يبرز بقوة، وثمة عوامل جيوسياسية وإنثربولوجية عززت من مستويات التأثير بشكل متفاوت.. فهناك أثيويبا تلك الدولة التي تقع شرق جنوب السودان وتمتلك أطول حدود معها، حيث تغطي الحدود الشرقية لأربع ولايات شمالية وثلاث ولايات جنوبية.
كما أن هناك قبائل مشتركة بين البلدين وهي (الانجواك، والمورلي، والنوير، والقمز). أما أريتريا فتقع في الاتجاه الجنوبي الغربي ويربطها بجنوب السودان طريق "نمولي" من الجنوب، وطريق "كايا ياي جوبا" من الجنوب الغربي، كما يمتد بين البلدين قبائل إستوائية مشتركة، وهناك أيضا تواصل وعلاقات، أبرزها قبيلتا مادي وكاكوا.
كما تحوي الخرائط الجيوسياسية علاقات مؤثرة بين دولتي جنوب السودان وكينيا، حيث تقع الأخيرة جنوب شرق جنوب السودان وتوجد بها أكبر قاعدة لمنظمات الإغاثة التي تعمل في جنوب السودان، كما أنها ترتبط بعلاقات قوية مع قيادة الحركة الشعبية.