كشفت ملفات المخابرات العامة المصرية خلال فترة رأسة اللواء أحمد إسماعيل على فى العام 1970، عن قضية هامة من قضايا الجاسوسية بل تعتبر من أهم القضايا بها وهي قضية "راندوبولو".
على بُعد بضعة أميال جنوب غربى الإسكندرية فى منطقة اسمها جاناكليس كان يوجد بها مزرعة كبيرة مخصصة كلها لزراعة العنب وإنتاج النبيذ تملكها شركة تحمل ذات الاسم «جاناكليس»، وكان يملكها أحد أكبر رجال الأعمال و ينتمى لأسرة بيراكوس.
ووفقا للقضية التي نشرها موقع "المجموعة 73 مؤرخين" المعنية بالتدوين العسكري، أنه كان من بين موظفى المزرعة الكبار رجل ينحدر من أبوين كانا هاجرا إلى مصر وأقاما فيها وحصلا على الجنسية المصرية، كان اسمه "طناش راندوبولو"، و حين صدرت القرارات الاشتراكية فى يوليو سنة 1961 طُبقت قوانين التأميم على المزرعة وتقرر أن يبقى راندوبولو فيها كمدير لها.
وكان راندوبولو فى الستين من عمره، على قسط كبير من الجاذبية والمقدرة وانتُخب مرتين عضواً فى مجلس الأمة عن الدائرة التى تقع فيها المزرعة والتى كانت إقطاعية لتلك الشركة، وكان يقيم معظم الوقت فى استراحة جميلة فى المزرعة، مثالاً لرجل العلاقات العامة الناجح بما يوزعه على الجهات المختلفة من النبيذ و البراندى و الفواكه، إلى أن كان العام 1970 حين اكتسب جاراً جديداً على حدود المزرعة مباشرة، حيث خُصص المطار القائم هناك للطائرات السوفيتية للدفاع عن الأسطول السوفيتى فى البحر الأبيض المتوسط وعن المواقع المصرية فى العمق.
واتخذت قضية راندوبولو منحنا جديدا حينما استطاعت المخابرات الأمريكية أن تصل إليه وتقنعه بأن يبلغها بكل أوجه النشاط السوفيتى فى القاعدة الجوية، و كان مرد نجاح المخابرات الأمريكية فى إقناعه أن له ابناً هاجر إلى الولايات المتحدة وكان شديد الاهتمام إلى حد كبير بمساعدته واتصلت المخابرات الأمريكية به عن طريق فتاة اسمها "مس سوين" كانت تعمل فى الظاهر سكرتيرة فى قسم التأشيرات فى القنصلية الأمريكية، فى ذات الوقت الذى حامت فيه الشبهات من قبَل رجال المخابرات المصرية حول راندوبولو و بدأوا يراقبونه والتقطوا ثلاث رسائل مكتوبة بالحبر السرى تتضمن معلومات عن القاعدة وألقوا القبض عليه فى منطقة العجمى و كان معه يومها أمريكى قدم بطاقته الدبلوماسية فأُخلى سبيله.
أما مس سوين التي لم تحمل جواز سفر دبلوماسياً كانت على وشك الهروب إلى خارج مصر بعد القبض على راندوبولو، لكن خلال عودتها من منزل صديق لها، وبينما كانت تتجه نحو منزلها، بعدما تركت سيارتها، تقدم منها رجلا مخابرات بالملابس المدنية فحاولت الهروب لكنهما تمكنا من القبض عليها و اصطحابها إلى إدارة المخابرات العامة و تفتيش شقتها.
وحرص احمد اسماعيل مدير المخابرات العامة آنذاك أن يتم تصوير العملية كلها بآلة سينمائية حتى لا يكون هناك مجال للمناقشة بشأن حقيقة ما حدث وأسلوب القبض على «سوين» من قبَل السفارة الأمريكية التي قلبت الدنيا بعد القبض على مواطنة أمريكية، واتهم «دونالد بيرجس»، مندوب المخابرات فى السفارة وقتها، احمد اسماعيل بأنه قدم للرئيس السادات معلومات خاطئة، ولكن كان كل شىء مثبتاً باعتراف المتهم راندوبولو بالصوت و الصورة.
و بذل الأمريكيون كل الأساليب الممكنة لإطلاق سراح سوين، وتم ذلك بعد شهور عدة. أما طناش راندوبولو فقد كان فى حالة انهيار تام منذ اللحظة الأولى لاعتقاله ومات بأزمة قلبية.