"قوة عالمية جديدة على الساحة تتصدى للغرب وتعطل مصالحهم ومخططاتهم".. هكذا وصف الوحدة العربية السورية، المسمى الرسمي للوحدة بين مصر وسوريا، وبداية لتوحيد الدول العربية، والتي لطالما كانت إحدى أحلام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتحل اليوم الذكرى السنوية لتأسيس الوحدة العربية منذ 59 عاما.
وفي 22 فبراير 1958، تم توقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من قبل الرئيسين السوري شكري القوتلي، والمصري جمال عبد الناصر، وحينها اختير الزعيم رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة، وفي عام 1960، تم توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة، وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة أيضًا.
وقال عبدالناصر في خطاب الوحدة، "أشعر الآن وأنا بينكم بأسعد لحظة من حياتي، كنت دائماً أنظر إلى دمشق وإليكم وإلى سوريا، وأترقب اليوم الذي أقابلكم فيه، والنهاردة.. أزور سوريا قلب العروبة النابض، اللي حملت دائما راية القومية العربية.. حقق الله هذا الأمل وهذا الترقب وأنا ألتقى معكم في هذا اليوم الخالد، بعد أن تحققت الجمهورية العربية المتحدة".
واعتبر البعض أن الوحدة المصرية السورية، كانت نتيجة المطالبة الدائمة لمجموعة من الضباط السوريين، في وقت كان فيه قادة حزب البعث العربي الاشتراكي قد قاموا بحملة من أجل الاتحاد مع مصر، إذ يرى الكاتب الصحفي "باتريك سيل"، أن جمال عبد الناصر لم يكن متحمسا لوحدة عضوية مع سوريا، ولم يكن يطمح لإدارة شؤون سوريا الداخلية ولا أن يرث مشاكلها، إلا أنه كان ينادي بـ "التضامن العربي" الذي بموجبه يقف العرب وراءه ضد القوى العظمى.
حلم الوحدة الذي كان ظل مراودا للرئيس الرحل، لم يكتمل، فبعد ثلاثة أعوام فقط من تأسيسها، أعلنت سوريا عن قيام الجمهورية العربية السورية، بعد انقلابا عسكريا في دمشق 1961، بينما احتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1971 عندما سميت باسمها الحالي جمهورية مصر العربية.
وبعد أن وصلت معلومات إلى القاهرة، تفيد بأن حامية اللاذقية لم تنضم إلى الانفصاليين، فكر عبد الناصر ، محاولاً إنقاذ الوحد، في إرسال قوة إليها عن طريق الجو تعيد الأمور إلى نصابها تلحق بها قوة بحرية، وبالفعل حدث، لكن في طريقها إلى سوريا، وصلت معلومات إلى مصر تفيد بانضمام هذه القوة إلى المنفصلين، فأمر الزعيم الراحل بعودتها إلى مصر مرة أخرى، ليسدل الستار على تجربة كانت نواة لوحدة عربية شاملة.
الانفصال السوري عن مصر، لم يكن وليد اللحظة، بينما كان لأسباب متعددة، على رأسها تأميم جمال عبد الناصر للبنوك الخاصة والمعامل والشركات الصناعية الكبرى، إضافة إلى ادعاء المنفصلين بأن مصر بقيادة عبد الناصر سرحت أفضل الضباط السوريين من الجيش ليسيطروا بشكل كامل على البلاد وعلى المناصب السورية الرفيعة، بجانب هجرة المصريين إلى سوريا بشكل كبير، ما أدى إلى التأثير على المجتمع السوري.
كما أن وجود حكومة مركزية في القاهرة وعدم وجود حكومة تنفيذية مثلها في سوريا، إضافة إلى أن الحكومة المركزية في القاهرة لم تضم أسماء على دراية بالواقع السوري، مثل عبد الحميد السراج، رئيس المخابرات، بجانب أن تجربة التأميم التي طبقها عبد الناصر في مصر لم تنجح في سوريا لاختلاف واقع الشعبين.
وتقول الدكتورة هدى عبد الناصر، نجلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأستاذة العلوم السياسية، في قراءتها للوحدة والانفصال بين مصر وسوريا، إن أمريكا حاولت جذب ناصر إلى صفها، فأفرجت عن أموال مصر المجمدة لديها، وقررت برنامجا للمعونة الأمريكية، وتعهدت بألا تتدخل في الشئون الداخلية للجمهورية العربية المتحدة، وألا تبحث في إقالته هو أو نظامه.
وتابعت عبد الناصر، أن الانفصال السوري عن مصر جاء نتيجة لعوامل متعددة، منها أخطاء في العمل السياسي وعداء بعض النظم العربية ومن الغرب والشرق للوحدة في المنطقة، في ظل مخاوفهم أن تكون مقدمة لنشأة دولة عربية كبرى معادية للاستعمار والشيوعية.
حلم الوحدة لازال يراود الدولتين، خاصة مع الأحداث الأخيرة التي تشهدها المنطقة العربية، من انتشار التنظيمات الإرهابية، وتدهور الأوضاع الأمنية، إلى جانب التطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية، وغياب الدور العربي في مواجهة الاحتلال، فلا أحد ينسى كلمات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما قال "إن الوحدة العربية هي أملنا في تحرير فلسطين وفي عودة حقوق شعب فلسطين إلى شعب فلسطين".
وشهدت الشهور الماضية، اتجاه الدول العربية، لإنشاء تحالفات عربية، ومنها التحالف العربي في اليمن، الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية، لتوجيه ضربات جوية على الحوثيين، ويشترك به كلا من المغرب والأردن والسودان والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين، كما فتحت الصومال مجالها الجوي والمياه الإقليمية والقواعد العسكرية للائتلاف لاستخدامها في العمليات.
كما أشارت تقارير صحفية، إلى الاتجاه لإنشاء تحالف عربي لمواجهة الخطر الإيراني بما يسمى بـ"الناتو" العربي، وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن التحالف سيشمل دولًا كالسعودية والإمارات ومصر والأردن ودولًا أخرى، بحسب تصريحات 5 مسئولين من دول عربية مشاركة في المحادثات، إلى جانب التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، وهو حلف عسكري أُعلن عنه في ديسمبر 2015 بقيادة المملكة العربية السعودية، يهدف إلى محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبها وتسميتها" حسب بيان إعلان التحالف، ويضم التحالف العسكري 41 دولة مسلمة، ويملك غرفة عمليات مشتركة مقرها الرياض
في ذات السياق، يقول المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي أحمد محمود علام، في تصريحات تليفزيونية له، إن التحالفات العربية لن تقم بنفس الدور الذي قدمته الوحدة العربية، بين مصر وسوريا، نظرا لاختلاف المصالح السياسية وراء التحالفات الجديد، ومنها "الناتو العربي"، حيث الجانب الأمريكي يسعى لوجود تأمينات في المنطقة العربية تعتمد على أن الدول الحليفة لأمريكا كـ"مصر، الأردن، الكويت، الإمارات" يقومون بعمل ناتو عربي لتأمين المنطقة العربية من المد الشيعي الإيراني، ومكافحة النفوذ الإيراني في المنطقة.
وأضاف "علام"، أن نجاح التحالفات العربية الجديدة، لن يتم إلا بالتخلي عن الأغراض والأهداف المزيفة، وتقديم حلول غير تقليدية لقضايا طالما أرهقت الوطن العربي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.