من رحم الحب تولد الحياة، الحب الذي لا يعترف بالفوارق الطبقية، بين غني أو فقير أو أجنبي أو عربي، أو محارب أو سيدة نبيلة، وقصة الحب التي نعرضها اليوم، سطرتها القليل من المؤرخين الذين اختلفوا في نهايتها لكنهم اتفقوا في بدايتها على الحب الذي جمع، مينو الفرنسي الذي كان الجنرال مينو قائد الحملة الفرنسية على مصر بغادة رشيد المصرية، السيدة زبيدة بنت محمد البواب الميزوني.
فور إعلان الجنرال جاك فرانسوا دي مينو حاكم رشيد وصديق نابليون بونابرت الشخصي عن رغبته في الزواج من مصرية، الأمر الذي جعل، أهل رشيد يسارعون في تزويج بناتهم من أبناء رشيد وخاصة عائلة الجارم التي تمني مينو مصاهرتها حسب ما ذكره الجبرتي في كتابه.
ولأجل عيون زبيدة أعلن مينو إسلامه وغير اسمه إلي عبدالله وأتم زواجه منها بكل شروط أسرتها المسلمة وهو الزواج الذي تم قبل عام من الاحتفال بسبوع ابنه سليمان مراد في 18 يناير1801 حسب رواية الجبرتي.
مينو أحب زبيدة حبا من نوع خاص إذ عاملها كأميرات القصور، حسب ما قاله د. لويس عوض، تزوج مينو بامرأة من رشيد وعاملها معاملة السيدات الفرنسيات يمد إليها يده كلما هم بالدخول معها إلي غرفة الطعام يتحري لها أوفق المجالس ويقدم إليها أشهي الأطعمة وإذا سقط منها منديل الطعام الموضوع علي فخذيها بادر بأخذه وإعادته إلي مكانه.
ورغم الحب العارم من مينو لزبيدة، إلا أن أيامه لم تدم كثيرا فقصة الزواج لم تشهد سوي أيام معدودة من السعادة بدأت بعدها رحلة الألم وانهيار الأحلام، حيث تم حصار مينو في الإسكندرية والأسطول الإنجليزي أجبر الفرنسيين علي الرحيل وهو ما جعل زبيدة تأخذ قرارا بالهروب بصحبة أخيها علي وطفلها سليمان مراد من رشيد حتي الرحمانية ومنها إلي القاهرة حيث أقامت في بيت الألفي في الأزبكية قبل أن تصعد إلي القلعة لتختبيء فيها. وبعد انتهاء المفاوضات بين قائد الأسطول الإنجليزي وقائد الحملة بالإنابة ديزيه رفضت زبيدة مغادرة مصر بغير زوجها.
زبيدة طلبت من قائد الأسطول الإنجليزي أن يسمح لها بالسفر للقاء زوجها في الإسكندرية لتتيح الفرصة لمينو أن يعيد المفاوضات مع الإنجليز، المفاوضات التي تمت في المرة الأولي بدونه، وهو ما أكده د. محمد فؤاد شكري في كتابه عبدالله جاك مينو وخروج الحملة من مصر.
وعلى ظهر السفينة ديدون المتجهة إلى ميناء طولون، اشتد المرض على مينو، الذي صاحبه لاري، كبير جراحي الحملة وزوجته وطفلهما علي ظهر السفينة ديدون إلي ميناء طولون وبسبب اشتداد المرض قضي مينو فترة الحجر الصحي بسانت ماندرييه.
وفي فرنسا شهدت قصة الحب بين مينو وزبيدة فصولا أخرى، وهي ما اختلفت فيه الروايات للمؤرخين، حيث أصبح مينو حاكما لإقليم فلورنسا فور وصوله ومع أن مينو أحضر زوجته المصرية إلي تورين فقد تركها مع ولدها الصغير في شبه عزلة تامة بينما اتخذ لنفسه عشيقات عديدات من الراقصات والممثلات الجميلات وارتد عن الإسلام ولم تذهب زبيدة أبدا إلي باريس فقد تركها مينو في مرسيليا ولم ينفق عليها ولكن الذي تكفل بنفقاتها خادمها المصري سرور.
وسرعان ما تراكمت عليه الديون بسبب إسرافه وتبذيره وعظمت الشكوي منه بسبب خروجه علي التقاليد واتخاذه من إحدي الراقصات جين جيراسين عشيقة ومحظية يعيش معها علانية ويدعوها لحضور الحفلات والمقابلات الرسمية وهو ما جعلها تتدخل تدريجيا في شئون الحكم وصارت هدفا يلجأ إليه كل أصحاب الحاجات لتتوسط لهم لدي مينو لقضائها.
بينما يذكر رفاعة رافع الطهطاوي في كتابه تخليص الإبريز في تلخيص باريز أن مينو عندما عاد إلي بلاده عاد إلي النصرانية وأبدل العمامة بالبرنيطة ومكث مع زوجته وهي علي دينها عدة أيام فلما انجبت ابنها أراد أن يعمده علي عادة الغرب يقصد الابن الثاني المولود في تورين رفضت وقالت لا أنصر ولدي أبدا. فقال لها زوجها إن كل الأديان حق فلم ترض أبدا فقال لها إن القرآن ناطق بذلك وأنت مسلمة فعليك أن تصدقي كتاب نبيك ثم أرسل لإحضار أعلم الإفرنج باللغة العربية البارون دساس الذي كان علي معرفة بالقرآن وقال لها يقنعها سليه عن ذلك فأجابها البارون بالإشارة إلي قوله تعالي: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
فحجها بذلك فأذنت بمعمودية ولدها.. وانتهي الأمر علي ما قيل إنها تنصرت. أما الدكتورة ليلي عنان فتؤكد أن مينو قد أخذ من زبيدة ابنها وأوكل به إلي أسرة فرنسية لكي تحسن تربيته.