لدينا معلومات استخباراتية تفيد بأن القاهرة تدعم حكومة جنوب السودان بالأسلحة، لكنها لا تقاتل بشكل مباشر".. هكذا صرح الرئيس السوداني عمر البشير، خلال حوار له مع عدد من رؤساء تحرير الصحف السودانية المرافقين له في زيارته للإمارات، مشيرا إلى أن هناك معلومات استخباراتية تفيد بأن الحكومة المصرية تدعم حكومة جوبا بالأسلحة، مستندا إلى زيارة سيلفا كير القاهرة ولقائه الرئيس عبدالفتاح السيسى وعدداً من المسؤولين، وهى الزيارة التى قال مسؤولون فى جوبا، أن هدفها شكر مصر على دعمها الدبلوماسى لحكومة جوبا فى مجلس الأمن.
الرد كان سريعا للغاية، حيث أعربت وزارة شؤون خارجية جنوب السودان عن استيائها من تصريحات البشير، ووصفتها بـ" غير الودية" وأضافت في بيان أصدرته، " أن جمهورية جنوب السودان تعرب عن استيائها من هذه التصريحات المؤسفة وغير الصحيحة والتي لا أساس لها لا سيما أنها جاءت في الوقت الذي اتفق فيه البلدان والمنطقة على بذل المزيد من الجهود لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة".
تصريحات البشير في مهاجمة مصر ليست الأولى من نوعها، فخلال زيارته في مطلع فبراير الحالي، هاجم البشير مصر، خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، وجدد الرئيس السوداني مطالبته في النظر في مثلث حلايب، إلى جانب التهديد باللجوء إلى مجلس الأمن للفصل في هذا الخلاف، كما أشار في تصريحات له على قناة العربية، إلى عدة قضايا ضد مصر، ومنها، سد النهضة، مؤكدا مساندته لأثيوبيا في أزمتها مع مصر، إلى جانب محدودية مشاركة مشاركة الجيش المصري في حرب اليمن.
البشير استغل زياراته لدول الخليج، ليتخذها منبرا له، يوجه من خلالها سهام الاتهامات ضد مصر، ووضعها تحت أنياب الضغط الخليجي في تحقيق أهدافه وأطماعه في القضايا المشتركة بين البلدين.
وفي سياق متصل، قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، إن تصريحات الرئيس السوادني، تهدف لإحراج مصر وتحجيم علاقتها مع جوبا، إلى جانب الأزمات المتكررة بين مصر والخرطوم في الفترة الماضية، وعلى رأسها قضية سد النهضة، حيث أنه حتى وقت قريب كانت الخرطوم تدعم القاهرة في معارضة أي مشروع في أي من دول حوض النيل من شأنه التأثير على حصتهما الواردة في اتفاق يعود للعام 1929 وتمت مراجعته في 1959، إلا أن التحالف تعرض لإنتكاسة عندما أعلنت الخرطوم دعمها لأثيوبيا في 2013.
وتابع نافعة، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، أن موقف البشير تجاه مصر واضح منذ وقت طويل، فهو يسعى لممارسة الضغوط الدولية والإحتماء بدول الخليج خاصة، نظرا لتقارب العلاقات بينها وبين مصر، لتحقيق أهدافه في القضايا المشتركة، كما أن الخرطوم تتخوف من التدخل المصري في جنوب السودان، قائلاً " الخرطوم لا تريد تدخل مصري في جنوب السودان بمعزل عنها، مع العلم أن موقف مصر ضعيف مقارنة مع السودان الذي يملك تأثير كبير في جارته الجنوبية".
ويرى الدكتور رفعت سيد أحمد، المحلل السياسي، ورئيس مركز يافا للدراسات، أن البشير ونظامه ليس جديد عليه أن يوجه سهام الإتهامات ضد مصر، كل حين وأخر على مدار العقديين الماضيين أو يزيد، فهو ناجم بالأساس عن توتر في العلاقات على المستوى الثنائي بين الخرطوم والقاهرة، مشيرا إلى أن توقيت التصريحات وتزامنه مع زيارته للإمارات، يعطى دلالات عدة، خاصة وأنها تعد من أكثر دول المنطقة تقاربا مع مصر.
وتابع سيد أحمد في تصريحات خاصة، أن الأزمات المشتركة بين مصر والخرطوم متعددة، وليست وليدة اللحظة، بدءاً من مسألة ترسيم الحدود وما نجم عنها من توتر أمني إبان التسعينات، والذي كانت ذروته محاولة اغتيال الرئيس الأسبق، حسني مبارك، في أديس أبابا 1995 بتدبير من الخرطوم، وما تبع ذلك من تثبيت عسكري للحدود مع السودان وتمركز دائم للقوات المصرية في حلايب والشلاتين التي كان بها عناصر من الجيش السوداني تم سحبهم رسمياً عام 2000، إلى جانب قضية جنوب السودان والموقف المصري الرسمي منها.
وأكد الخبير الإستراتيجي، اللواء محمد منصور، إن الرئيس السوداني لا يدرى نتيجة تصريحاته، فكل مايريده هو رسم صورة سيئة لمصر على المستوى الدولي، إلا أنه بذلك يعمق الخلافات والمشاكل بين مصر والخرطوم، مشيرا إلى أن البشير يحاول استغلال التوتر الموجود حاليًا بين مصر وبعض دول الخليج لشن هجوم غير مبرر على مصر، رغم أنه التقى الرئيس السيسي أكثر من مرة خلال الشهرين الماضيين، وجمعتهما قمة، لكن لا يوجد ما يبرر هذا التناقض بين تصرفاته مع الإدارة المصرية وهجومه عليها في الوقت ذاته
وتابع منصور، في تصريحات خاصة، أن التصريحات الهجومية من "البشير" لاتأتي إلا عن طريق زياراته لدول الخليج، مما يضع علامات تعجب كثرة حول إذا ما كانت تلك التصريحات آتيه بمباركة خليجية للضغط على مصر في كافة القضايا الإقليمية القديمة، مشيرا إلى أنها محاولة جادة للرئيس السوداني لكسب الجانب الخليجي، والحصول على مكاسب إقتصادية تساعد على حل الأزمات والمشاكل التي تعانى منها السوان خلال سنوات طويلة.