تحولت رواية "عزازيل" للكاتب الدكتور يوسف زيدان الى معركة ثقافية محتدمة وذروة جديدة في اتهامات "الانتحال والاقتباس".
وكان الدكتور يوسف زيدان قد اعلن مؤخرا اعتزامه إقامة دعوى قضائية ضد قناة فضائية وصفها في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بأنها تروج لأكاذيب اتهامه بسرقة روايته الشهيرة "عزازيل" التي صدرت لأول مرة عام 2008 وتدور أحداثها في القرن الخامس الميلادي بين صعيد مصر والإسكندرية وشمال سوريا.
وفازت رواية "عزازيل" بجائزة بوكر للرواية العربية في عام 2009، كما فازت بجائزة "انوبي" البريطانية لأفضل رواية مترجمة الى اللغة الانجليزية في عام 2012 وهو ما نوه به الدكتور يوسف زيدان في تصريحات صحفية لتفنيد صحة الاتهامات التي وجهت له بشان "اقتباس الرواية".
وذهب من يروج لتلك الاتهامات التي سيبت القضاء في مدى صحتها الى أن الدكتور يوسف زيدان اقتبس رواية "عزازيل" نقلا عن رواية انجليزية كتبها تشارلز كينجسلي عام 1853 وصدرت بعنوان:"أعداء جدد بوجه قديم" كما عرفت باسم "هيباتيا" ورأى أصحاب هذا الاتهام ان "التفاصيل والبناء وحتى الحوار" في جزء كبير من الرواية الشهيرة ليوسف زيدان "منقولة نصا من رواية كينجسلي.
وتشارلز كينجسلي الذي قضى عام 1875 كان قسا في كنيسة انجلترا وأستاذا جامعيا ومؤرخا وروائيا وله العديد من الأعمال الثقافية البحثية والابداعية الى جانب رواية "هيباتيا" ومن بين هذه الأعمال الثقافية كتاب بعنوان:"الإسكندرية ومدارسها".
وقبل هذه الموجة الجديدة من الاتهامات للروائي يوسف زيدان والتي طالت أيضا روايته "محال" حيث اعتبر البعض أنها "مقتبسة" من رواية "جوانتنامو" للكاتبة الايطالية دوروثيا ديكمان كان هناك من ادعى أن رواية "عزازيل" تحاكي رواية "اسم الوردة" للكاتب الايطالي الشهير اومبيرتو ايكو والذي قضى منذ نحو عام واحد عن عمر يناهز الـ 84 عاما وأنها "حبكت" بالطريقة ذاتها التي استخدمها ايكو فضلا عن تشابه في المضمون وطريقة العرض.
وفي المقابل ذهب الكاتب والباحث الدكتور علاء حمودة الى ان الدكتور يوسف زيدان اقتبس ايضا روايته "ظل الأفعى" من رواية للكاتبة السنغالية ميرياما با صدرت عام 1981 بعنوان "خطاب طويل جدا".
وكان نقاد لهم ثقلهم الثقافي مثل الدكتور جابر عصفور والكاتب الراحل سامي خشبة قد أشادوا من قبل برواية "عزازيل" كعمل ابداعي أصيل ويتميز بلغته الشعرية كما يعكس قدرة عالية للمؤلف الذي "جمع ما بين موهبة المبدع وموهبة الباحث".
واذ قرر الروائي والمحقق الشهير في التراث العربي الدكتور يوسف زيدان نقل هذه المعركة لساحة القضاء فمن المتوقع الاستعانة بآراء نقاد متخصصين في الأدب العربي والغربي لحسم هذه القضية التي تشكل حلقة جديدة في "مسلسل اتهامات الانتحال" والتي طالت من قبل قامات وأسماء ثقافية كبيرة.
و"الانتحال" او الاقتباس الكثيف والواسع النطاق دون ذكر اسم المصدر مشكلة ثقافية عربية وغربية فيما ويبدو أن "مسلسل الاتهام بالانتحال" قد يصيب مثقفين ومفكرين بارزين أحيانا بضرر لا يستطيعون دفعه او الرد على صاحب الاتهام لأنهم غادروا هذه الحياة الدنيا وانتقلوا للرفيق الأعلى مثل المفكر المغربي محمد عابد الجابري الذي قضى منذ اكثر من ستة أعوام.
ففي جريدة "الحياة" اللندنية وتحت عنوان:"عندما يسرق المفكر...محمد عابد الجابري انموذجا" استهل الكاتب احمد الحناكي طرحا له في الصيف الأخير بالقول:"لكي لا يذهب فكر القاريء بعيدا فالمقصود بالسرقة أعلاه الاقتباس من باحث او مفكر أخر من دون ذكر اسمه وهو ما حدث عندما نشر المفكر المغربي الراحل الشهير محمد عابد الجابري مقالات في صحيفة الشرق الأوسط عن محنة احمد بن حنبل من دون الرجوع للمصدر الأصلي وهو المفكر الأردني-الفلسطيني الشهير فهمي جدعان".
وأضاف الحناكي قائلا:"الطريف ان جدعان لم يكن يعلم بالاقتباس اذا لطفنا كلمة السرقة الا بعد أن أجرى معه الباحث القدير علي العميم حوارا لصحيفة الشرق الأوسط آنذاك وأثناء الحوار سأله عن مقالات الجابري بهذا الخصوص فقال انه لم يطلع عليها وعندما بادر العميم ووفرها له وقرأها جدعان صدم وذهل وغضب من الجابري واتهمه علانية بالسرقة عندما قال:انه اتبعني حذو القذة بالقذة".
ومضى الكاتب احمد الحناكي ليتساءل:"لنعود الى الجابري ونتساءل أكان المقصود سرقة ام نوعا من الاستهتار والكسل ؟ الواقع ان الأمر غامض الا ان العوامل جميعها تكون مشتركة وقد سأله محمد رضا نصر الله في برنامجه التلفازي الشهير 60 دقيقة سياسية عن ذلك فأجاب مرتبكا أن له صلة وثيقة بجدعان وان عدم توافر المصادر في ذلك الوقت حدا به الى الأخذ من كتاب جدعان".
ومع ذلك يأخذ الحناكي على المفكر الراحل محمد عابد الجابري انه لم يذكر اسم فهمي جدعان كمصدر له فيما يضيف قائلا:"المثير في الموضوع أن جدعان نفسه لا يشكك أبدا في قدرة الجابري العلمية فهو يعرف حجمه وأهميته في الفكر العربي لكن تظل في النفس غصة".
وعلى اية حال-كما يقول الحناكي-فان الجابري "صحح خطيئته لاحقا وذكر اسم جدعان في مصادره معتذرا بأنه لجأ لبحث جدعان لثقته به كباحث ولضيق الوقت مما حدا بجدعان إلى رد التحية بمثلها فحذف اتهامه السابق مع الإشارة إليه في هامش كتابه".
ويبدو ان مفكرين وباحثين آخرين تدخلوا في هذه المسألة ليدلوا بدلوهم كما يشير الكاتب احمد الحناكي الى المفكر اللبناني رضوان السيد الذي اعتبر ان "الجابري استند الى النصوص التي جمعها جدعان كلها ثم توصل الى استنتاجات اكثرها من عند جدعان ولكن في الوقت الذي يعرضها جدعان بشكل تحليلي تركيبي وبنائي اشكالي يأتي الجابري بتبسيطيته وشعبوانيته فيجعلها بمثابة البديهيات التي يستغرب أن أحدا لم ينتبه اليها وهو قد تنبه اليها".
والرأي عند رضوان السيد ان "الجابري افاد من كتاب جدعان بنسبة 80 في المائة من النصوص ومن الاستنتاجات فيما رأى الكاتب احمد الحناكي ان "ما فعله الجابري كان واضحا وتراجع عنه لاحقا".
وبصرف النظر عن مدى صحة الاتهامات التي تعرض لها مؤخرا الروائي الدكتور يوسف زيدان تعيد الضجة الحالية حول رواية "عزازيل" وكذلك الاتهامات التي تعرض لها المفكر عابد الجابري للأذهان ما كابده منذ أعوام قليلة الكاتب والصحفي الشهير فريد زكريا مع محنة" ضبطه متلبسا بالانتحال"، فيما يعد هذا الكاتب الأمريكي والمنحدر من أصل هندى نموذجا "للكاتب النجم بمقاييس وسائل الإعلام او"الميديا الغربية ".
ولم يكن فريد زكريا من هوى فى هذه الخطيئة ومن المؤكد انه لن يكون الأخير فى مسلسل متصل الحلقات منذ زمن بعيد وطال أسماء كبيرة فى مجالات متعددة فى الغرب والشرق معا، واذا كانت شبكة الانترنت بما تحتويه من معلومات غزيرة وسريعة تسهل الانتحال كما يرى البعض فانها فى الوقت ذاته تسهل فضح القائمين بالانتحال.
ومحنة هذا الكاتب الذى اعترف علانية بانتحاله مقاطع من طرح لكاتبة وأكاديمية أمريكية اقترنت بسلسلة من العقوبات السريعة رغم اعتذاره عما فعله وهى محنة تظهر الفارق الجوهري بين خطيئة السطو على أفكار الآخرين او كلماتهم وعباراتهم دون أي إشارة لذلك وبين التفاعل والبحث الحميد الذى يتيح إمكانية عرض هذه الأفكار والكلمات مع الاشارة الصريحة والواضحة لصاحب الأفكار والكلمات.
وفريد زكريا الهندى الأصل يوصف بأنه من اشهر الكتاب والصحفيين الأمريكيين ودرس فى جامعتى يال وهارفارد وهو مؤلف لعدة كتب حققت مبيعات عالية كما انه كاتب ومحلل ومعلق "مطلوب" فى الصحافة المكتوبة والشبكات التلفزيونية.
وكان فريد زكريا قد رشح كمستشار للشؤون الخارجية للرئيس الأمريكى الأسبق باراك اوباما الذى يقال إنه من المعجبين بكتاباته وطروحاته وتعليقاته بل ان تقارير كانت قد ذهبت الى ان زكريا الذى لم يشغل هذا المنصب قد ظهر اسمه في فترة ما كمرشح محتمل لشغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة.
وهكذا فان فريد زكريا يبدو انه صاحب طموحات سياسية لا صحفية فحسب بل ويوصف بأن اراءه تلقى كل الاهتمام فى أروقة صانعى القرارات السياسية الأمريكية على الأقل في فترتي ادارة باراك اوباما.
وكانت مجلة "تايم" الأمريكية المرموقة قد أعلنت في غمار اتهامات الانتحال لزكريا عن تعليق مقالاته بعد كشف سرقته لعمل كاتبة أخرى بأحد مقالاته فيما حذت شبكة "سى ان ان " التلفزيونية حذو التايم وقررت تعليق برنامجه الأسبوعى غير انه عاد بعد فترة للمجلة والشبكة التفزيونية معا.
وبدأت القصة –حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز- من خلال موقع "نيوز باسترز" الالكترونى الذى رصد تشابهات كبيرة بين مقال لفريد زكريا ومقال لكاتبة وأكاديمية أمريكية فيما لم تقصر المواقع المنتشرة على شبكة الانترنت فى نقل ما ذكره هذا الموقع الاخبارى لتتحول القصة لفضيحة مدوية عبر الشبكة العنكبوتية.
واعتبر الكاتب والناقد الأمريكى ديفيد زوارويك ان "فريد زكريا يستحق العقاب الحاسم والسريع لأن الانتحال بات خطيئة مهلكة فى عالم الصحافة وكأنها لعنة لا خلاص منها"، فيما اتخذ هذا الكاتب والناقد موقفا صارما حيال زكريا بقوله:"لا يعنينى ان كان الشخص الذى قام بالانتحال ذكيا أو غبيا وإنما ما يهمنى ضرورة عقاب كل من يسطو على أفكار الآخرين أو كلماتهم".
ونسبت مصادر اعلامية أمريكية لفريد زكريا قوله:"بعض الصحفيين أشاروا الى أوجه تشابه بين اجزاء من مقال لى حول قضية السيطرة على السلاح الذى نشر فى مجلة تايم وبين اجزاء من مقال لأستاذة التاريخ بجامعة هارفارد جيل ليبور كانت مجلة ذى نيويوركر قد نشرتها.
وأضاف زكريا:"كانوا على حق فقد ارتكبت خطأ جسيما واتحمل وحدى المسؤولية كاملة واعتذر لأستاذة التاريخ جيل ليبور..اعتذر عن هذا الخطأ لمجلة تايم كما اعتذر لقرائى".
وكانت متحدثة باسم مجلة تايم قد اعتبرت ان ما حدث من فريد زكريا "يعد انتهاكا للمعايير الخاصة بكتاب الأعمدة فى المجلة" موضحة أن هذه المعايير تعنى "الا يكون ما يطرحه الكتاب فى اعمدتهم واقعيا فحسب وانما أيضا أصيلا وبكلمتهم وتعبيراتهم هم ".
وفريد زكريا شغل من قبل منصب رئيس تحرير مجلة "فورين افيرز" الرصينة والمعروفة فى مجال الشؤون الخارجية كما تولى رئاسة تحرير الطبعة الدولية لمجلة نيوزويك قبل ان يتحول لكاتب رئيس فى مجلة تايم التى حمل غلافها فى مطلع عام 2012 عناوين مقابلة أجراها زكريا مع باراك أوباما.
وتكشف نظرة سريعة للتعليقات على خبر وقوع فريد زكريا فى خطيئة الانتحال والتى نشرتها صحف ومواقع الكترونية عن شعور البعض بالمرارة حيال ما اعتبروه دورا تحريضيا لفريد زكريا فى الحرب الأمريكية على العراق فيما استعاد البعض فى العالم العربى وقائع سرقات أدبية وبحثية أكاديمية يندى لها الجبين واعتبر فريق اخر ان القضية أخلاقية فى المقام الأول.
وإذا كان الكاتب والناقد ديفيد زوارويك قد ذهب فى سياق فضيحة زكريا الى انه "نظرا لعدم وجود أخلاق وقيم فى الصحافة اليوم فان الانتحال قد استشرى " فان قضية الانتحال فى الواقع قديمة وليست أبدا وليدة اليوم ثم أنها تشمل مجالات متعددة من بينها الموسيقى والرسائل الجامعية والأبحاث العلمية والأوراق الأكاديمية كما شهدت وتشهد قاعات المحاكم دعاوى واتهامات بالانتحال.
بل ان اتهامات الانتحال طالت شخصيات تاريخية فى قامة شاعر العربية الأكبر ابو الطيب المتنبي فضلا عن دانتي اليجري صاحب "الكوميديا الالهية" والذي اتهم باقتباس هذا الأثر الأدبي الخالد في الغرب من "رسالة الغفران" للشاعر العربي الشهير ابو العلاء المعري.
ولم يسلم المفكر عبد الرحمن بن خلدون من هذه الاتهامات وهو المؤرخ الشهير والذى يوصف بأنه المؤسس الحقيقى لعلم الاجتماع حيث سعى الدكتور محمود إسماعيل أستاذ التاريخ الاسلامى عبر دراسة مستفيضة لإثبات ان "ابن خلدون قد قام بانتحال نظريات جماعة اخوان الصفا" فى المقدمة الخلدونية الشهيرة والتي تعد من ابرز اعمال هذا المفكر والمؤرخ الكبير.
وفى كتابه بعنوان:"نهاية اسطورة..نظريات ابن خلدون مقتبسة من رسائل اخوان الصفا" ثم فى كتاب أخر بعنوان:"هل انتهت اسطورة ابن خلدون؟"-بدا الدكتور محمود إسماعيل منهمكا فى محاولاته لاثبات ان عبد الرحمن بن خلدون مارس السطو على افكار ونظريات جماعة "اخوان الصفا" وهى جماعة فكرية- فلسفية متعددة الاهتمامات ظهرت فى القرن الثالث الهجرى بالبصرة ساعية للتوفيق بين العقيدة والأفكار الفلسفية فيما جاءت جهودها الفكرية الفلسفية الأساسية فى 52 رسالة عرفت برسائل "اخوان الصفا".
وإذا كان الدكتور محمود اسماعيل معنيا بتصحيح التاريخ العربى الاسلامى فالمشكلة فى هذا النوع من الاتهامات ان المدعى عليه ليس بمقدوره الدفاع عن نفسه لأنه ببساطة غادر الحياة الدنيا منذ قرون طويلة ثم ان اتهامات من هذا النوع لقامة كبيرة مثل ابن خلدون أثارت غبار معارك ثقافية فى المشرق والمغرب العربى.
اشكاليات الانتحال والاقتباس قديمة اذن وتثير تداعيات عديدة بين الاتهامات والاتهامات المضادة لكن هل يصل الأمر للحد الذي ذهب اليه ديفيد زوارويك وهو ان "كل من يسطو على افكار الآخرين او كلماتهم يتعين ان يقبل انتهاء دوره او حياته كمصدر للخطاب الفكرى او الأخلاقى "؟.
على أى حال كان الحكيم المصري القديم أمنوبى محقا عندما قال فى تعاليم أسهمت فى بناء الضمير الانسانى منذ فجر التاريخ:"لا تستعمل قلمك فى الباطل..لا تغمس قلما فى المداد لتفعل ضررا.. ولا تؤلف لنفسك وثائق مزيفة"..ورغم مقولة هذا الحكيم المصري القديم وكل التحذيرات التى توالت على مر الزمن لافتة لخطورة مسألة الانتحال فان خطيئة الانتحال وهي خطيئة ثقافية وخلاقية معا مازالت مستمرة كما انها يمكن احيانا ان تصيب ابرياء !.
تتجدد اتهامات الاقتباس والانتحال فتتجدد المرارات ويجد الضمير الثقافي نفسه في محنة البحث عن الحقائق المبتورة والمحجوبة..محنة يا لها من محنة !..كأنها دوي الصرخة العزلاء في سديم الذاكرة !.