عندما تبحث عن العراقة والحضارات، فتش عن النساء، فالتاريخ يحكي عن نساء برعن في إدارة الحكم والقيادة، وصنعن حضارت، ذكرها التاريخ الإنساني، وترصد "أهل مصر"، أهم النساء اللاتي حكمن أهم الحضارت عبر التاريخ، وساهمن في ارتقاء شعوبهن، وصنعن حضارة باقية على مرّ السنين والقرون.
1-الملكة بلقيس.. حضارة سبأ
الملكة بلقيس اسمها يعني شعاع الشمس، ويتألف من مقطعين، "بلق" ويعني اسم حجر يعكس شعاع الشمس، و"إيس" يعني آلهة الشمس، بلقيس هي ملكة حضارة سبأ في اليمن القديم، وقد خلدها القرآن الكريم، وكرمها أعظم تكريم، وهذا تقدير للمرأة في كل زمان ومكان، وكان لها شأن عظيم في قصتها المعروفة مع نبي الله سليمان.
كانت بلقيس سليلة حسبٍ ونسب، فأبوها كان ملكًا، وقد ورثت الملك بولاية منه؛ لأنه على ما يبدو لم يرزق بأبناء بنين، لكن أشراف وعلية قومها استنكروا توليها العرش وقابلوا هذا الأمر بالازدراء والاستياء، فكيف تتولى زمام الأمور في مملكة مترامية الأطراف مثل مملكتهم امرأة، أليس منهم رجلٌ رشيد؟ وكان لهذا التشتت بين قوم بلقيس أصداء خارج حدود مملكتها، فقد أثار الطمع في قلوب الطامحين الاستيلاء على مملكة سبأ، ومنهم الملك "عمرو بن أبرهة" الملقب بذي الأذعار، فحشر ذو الأذعار جنده وتوجه ناحية مملكة سبأ للاستيلاء عليها وعلى ملكتها بلقيس، إلا أن بلقيس علمت بما في نفس ذي الأذعار فخشيت على نفسها، واستخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار، وعادت بلقيس بعد أن عم الفساد أرجاء مملكتها فقررت التخلص من ذي الأذعار، فدخلت عليه ذات يوم في قصره وظلت تسقيه الخمر وهو ظانٌ أنها تسامره وعندما بلغ الخمر منه مبلغه، استلت سكينًا وذبحته بها. إلا أن رواياتٍ أخرى تشير إلى أن بلقيس أرسلت إلى ذي الأذعار وطلبت منه أن يتزوجها بغية الانتقام منه، وعندما دخلت عليه فعلت فعلتها التي في الرواية الأولى، وهذه الحادثة هي دليلٌ جليّ وواضح على رباطة جأشها وقوة نفسها، وفطنة عقلها وحسن تدبيرها للأمور، وخلصت بذلك أهل سبأ من شر ذي الأذعار وفساده. وازدهر زمن حكم بلقيس مملكة سبأ أيمّا ازدهار، واستقرت البلاد أيمّا استقرار، وتمتع أهل اليمن بالرخاء والحضارة والعمران والمدنية. كما حاربت بلقيس الأعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة. ومما أذاع صيتها وحببها إلى الناس قيامها بترميم سد مأرب الذي كان قد نال منه الزمن وأهرم بنيانه وأضعف أوصاله. وبلقيس هي أول ملكة اتخذت من سبأ مقرًا لحكمها.
2-الملكة كليوباترا السابعة.. مصر
يعني لقب كليوباترا الفتاة التي والدها مجيد، ويشير التاريخ إلى أن هناك سبع حاكمات امتلكن لقب كليوباترا، أشهرهن كليوباترا السابعة، وهي آخر حاكمات مصر البطلمية، وسبب شهرتها يعود لارتباط قصة حياتها بيوليوس قيصر، كانت كليوباترا امرأة ذكية استخدمت ما لديها من جمال وثقافة واسعة لتوفير "مستقبل آمن" لشعبها، وتميزت بذكاء وثقافة عالية وطلاقة لسان، ورثت كليوباترا حكم مصر مع أخيها في فترة عصيبة من تاريخ مصر والعالم.
فعندما توفي بطليموس الثاني عشر في 51 قبل الميلاد، انتقل العرش إلى ابنه الصغير، بطليموس الثالث عشر، وابنته كليوباترا السابعة.
ومن المعروف أن كليوباترا ابنة الـ 18 عامًا كانت تكبر شقيقها بنحو ثماني سنوات، فأصبحت هي الحاكم المهيمن. الدلائل تشير إلى ان المرسوم الأول الذي فيه اسم بطليموس يسبق لكليوباترا كان في أكتوبر العام 50 قبل الميلاد.
ووقع الملك بطليموس الثالث عشر تحت تأثير مستشاريه الذين عملوا على ابعاد كليوباترا وطردها من الإسكندرية للانفراد بالسلطة، فلجأت إلى شرقي مصر واستطاعت تجنيد جيش من البدو لاستعادة موقعها. عند وصولها إلى بيلوزيوم (بور سعيد حاليا) حيث كان يتصدى لها جيش أخيها، وصلت سفينة القائد الروماني بومبي على اثر هزيمته في معركة فرسالوس (48 ق.م)، فما كان من أوصياء الملك الاّ أن دبّروا مقتله، وقدّموا رأسه إلى القائد المنتصر يوليوس قيصر الذي وصل الإسكندرية في 2 أكتوبر عام 48 ق.م. وقد نجحت كليوباترا في اختراق صفوف خصومها بعد أن حاول أخيها بطليموس الثالث عشر التقرب إلى القيصر حيث وجدها فرصة لاعلان ولائه الكامل، وعمل قدر طاقته على تملّقه والتقرب اليه، هكذا بدأت علاقة تاريخية بين قيصر وكليوباترا في القصر الملكي، فقد قرر الوقوف إلى جانبها واعادتها إلى عرش مصر. لكن أوصياء أخيها حرّضوا جماهير الإسكندرية ضد كليوباترا، وزحف الجيش الموالي لهم وحاصروا قيصر وكليوباترا في القصر الملكي، فبدأت حرب الإسكندرية التي حسمها يوليوس قيصر في مطلع عام 47 ق.م بعد أن وصلته النجدات وانتهت بمقتل الملك بطليموس الثالث عشر وأعوانه، وتسلمّت كليوباترا عرش مصر مع أخيها الأصغر بطليموس الرابع عشر وبقي قيصر إلى جانبها ثلاثة أشهر.
3-زنوبيا صانعة نهضة بلاد الشام
الملكة زنوبيا، يعود هذا الاسم إلى اللغة اليونانية ويلفظ بأكثر من طريقة زينة، وزيناي، وزينيا، يعني اسمها الفتاة التي وهبتها الآلهة الحياة، أي جوبيتر، أو كبير الآلة اليونانية زيوس، (وهي حاكمة تدمر إحدى المدن بلاد الشام في القرن 3 الميلادي)، وقد استطاعت أن تقود قومها إلى نهضة شاملة وقوة عسكرية طامحة.
4-سميراميس الحمامة الأشورية
الملكة "سمور امات" ويعني اسمها سيدة البلاط الملكي، أو "الحمامة" هي ملكة آشورية أصلها من بابل، حكمت الإمبراطورية الآشورية 42 عامًا بالشراكة مع زوجها، واستمرت في الحكم 5 أعوام بعد وفاته، تميزت سميراميس بجمالها الفاتن وحكمتها وحدة ذكائها وقوة غموضها، وبدأت سميراميس حكمها ببناء ضريح فخم في نينوى تمجيدًا لزوجها الملك (نينوس)، كما أشرفت على بناء مدينة بابل الضخمة.
5-حتشبسوت أذكى ملكات الأرض
تعد أذكى النساء اللواتي حكمن مصر قديمًا، لقبت بألقاب الرجال، ولبست ملابسهم، تميز عصرها بالسلام والأمن والاستقرار، واهتمت بالبناء والتشييد، وكونت علاقات تجارية مع الدول المجاورة، فأرسلت بعثتين تجاريتين إلى بلاد بونت لجلب البخور والعاج والأحجار الكريمة والأخشاب وجلد الأسود، استمر حكمها لمصر 20 عامًا.
6- شجرة الــــدر.. أول ملكة في الإسلام
كانت جارية من جواري الملك نجم الدين الصالح، لكنّ شجرة الدّر لم تكن كباقي الجاريات، بل تميزت بالذكاء الحاد، والفطنة، والجمال كما أنها نالت الإعجاب بفتنتها وفنها، وكانت متعلمة، تجيد القراءة، والخط، والغناء. اختلف المؤرخون في تحديد هويتها، فمنهم من قال إنها تركية ومنهم قال إنها شركسية أو رومانية.
عجب بها الملك نجم الدين واشتراها، ولقبها بشجرة الدر. وحظيت عنده بمنزلة رفيعة، بحيث أصبح لها الحق في أن تكون المالكة الوحيدة لقلبه وعقله، وصاحبة الرأي، ثم أصبحت الشريكة الشرعية، وأم ولده.
وقاسمت زوجها المجد والسلطة، وكانت شجرة الدر قادرة على تسيير الجيوش للحرب، وذلك عندما تعرضت مصر لحملة الصليبين. ويقال أن الملك لويس التاسع شن الحملة، ليوفي بنذره، بعد أن شفي من مرضه، فجهز جيشًا وأبحر من مرسيليا عام 1249، وفي هذه الأثناء كان الملك الصالح مريضًا، إلا إنه استعد للأمر، واتخذ من المنصورة مركزًا للقيادة العامة، وولاها للأمير فخر الدين نزولًا عند رغبة شجرة الدر، التي أثبتت على أنها قادرة على مواجهة الصعاب، وأقسمت لزوجها على أن الصليبين سيقتلون في حملتهم. وبعد وصول الغزاة إلى مصر عام 1249، ظهرت حكمة وذكاء شجرة الدر، حيث أخفت نبأ وفاة الملك، لعدة أسباب أهمها الخوف من حدوث البلبلة في الدولة، وبخاصة صفوف الجيش، وحتى تتغلب على العدو، وكذلك حتى لا ينصرف اهتمام أمراء بني أيوب والمماليك إلى تولي العرش، وساعدها على ذلك الأمير فخر الدين. واستمر الحال في القصر الملكي كالسابق، ولكن عندما لاحظت شجرة الدر،أن خبر وفاة زوجها أوشك أن ينكشف وأن العدو أيضًا على وشك الانهزام. قامت باستدعاء، ابن زوجها تورانشاه وأمرت رجال الدولة والجيش أن يحلفوا له يمين الولاء، وأن يدعى لها على المنابر في المساجد؛ وذلك لتبقى السلطة في يدها، وتعرف أمور الدولة كما تشاء. وذلك إن دل فيدل على ذكائها ودهائها. وقبل وصول تورانشاه، قامت شجرة الدر بوضع خطة حربية مع القوات، وأمراء المماليك وظلت تشرف على تنفيذها، ومراقبة سير المعركة في المنصورة عن قرب. وبلغ من حماسها أنها كانت تعاون الأهالي مع الجنود، في صد هجمات الأعداء والرد عليهم. حتى انتصر المسلمون عام 1250.
ولم يرق للعباسيين أن تتولى امرأة عرش مصر. مما أدى إلى نشوب الكثير من الخلافات بين الأمراء والزعماء في مصر والشام ولذلك اتخذت من الأمير عز الدين أيبك مقدمًا للعساكر، ثم تزوجته.