دقات طبول بشكل عنيف، طرقات عصبية متواصلة وسريعة ومزمار ودفوف خشبية تسرع وتيرة النغمات حول حلقة من البخور ونساء عدة يلتفنن يرددن أناشيد وبعض العبارات غير المفهومة من أجل حدث أكبر، هذا كان الشكل الأولي والمبدأي لطقس عرف قديما بالزار والذي استخدم لما اعتقده المصريون بأنه يطرد الجن والشياطين.
الزار كلمة عربية مستعارة على الأرجح من اللغة الأمهرية، ويذهب بعض الباحثين إلى أن أصل كلمة الزار عربي، وهي من زائر النحس وتقول بعض المعتقدات الشائعة أن عادة طرد العفاريت الزار انتقلت من الحبشة إلى العالم الإسلامي. والراجح أن الطقوس المتصلة بالزار في مصر قد انتقلت إليها في القرن 19.
الاسم الأمهري " زار" وصفاتها الخاصة بطرد العفاريت واستحضارها دليل واضح عند الباحثين على أن أصلها من بلاد الحبشة الشمالية. وقد جرت العادة بأن يقوم بهذه الطقوس الخاصة بطرد العفاريت واستحضارها امرأة هي الشيخة أو عريفة السكة، وعند عامة مصر " الكدية ".
والزار في أصله طقس وثني للقبائل الافريقية البدائية، انتقل من الحبشة الى السودان ثم إلى مصر (1870م) فباقي البلاد العربية ولفظ زار محرف من جار ـ إله وثني عند الكوشيين، ثم غدا في الحبشة بعد دخول النصرانية عفريتا حقودًا (اسياد شريرة).
وبعد دخول الزار إلى النسق الثقافي العربي عن طريق العبيد الأحباش طرأ عليه تغير في سماته فهو في المعتقد الشعبي وسيلة للشفاء من أمراض نفسية وجسمية على حد سواء (الاكتئاب، الصداع، ولادة اطفال مشوهين أو ميتين). وهو بذلك يختلف عن أصله بكونه لا يستنطق الأسياد عن أمور الغيب.
ويرفض العديد من الشيوخ الزار ويعتبرونها طقوس محرمة لأنها تشتمل أمور تتعارض مع الإسلام من ناحية استحضار الجن لأغراض متعددة منها العلاج لأشخاص مصابين أو لإظهار خوارق العادات على أيدي ممارسي هذه الرقصات الوثنية، وهي موروثات ورقصات وطقوس وثنية قادمة من أفريقيا، تتصادم كليا مع ما جاء به الإسلام من تحريم الاستغاثة بغير الله لطلب العلاج أو استخدام السحر أو الجن لأي غرض كان. وتمنع بعض القوانين في الدول العربية هذه الطقوس ويعاقب مستخدموها كما يحدث في المملكة العربية السعودية حيث تصل عقوبة إقامة هذه الطقوس إلى الإعدام في بعض الحالات.
وفي اليمن تصل طقوس الزار إلى ذروتها فتقام حفلات رقص وشرب دماء لإخراج الجان من المصابين بالسحر.
ومع الرقص وإيقاع الدف تستمر هذه الأعمال حتى يسقط المريض على الأرض، وبمجرد سقوطها تبدأ الكودية بممارسة طقوس إخراج الجن، فتقوم بالصراخ بصوت مرتفع على الجن والشياطين والعفاريت وتطلب منهم الخروج من جسد المريضة. وتتعهد الكودية للجان المتلبسين بالمريضة بتلبية مطالبهم التي عادة ما تكون ديكا أو خروفا بمواصفات معينة يلتزم أهل المريضة بإحضاره، على أساس أن ذلك من مطلب الجان مقابل خروجهم من جسد المريضة.
وللزار ثلاثة أنواع: حفل زار كبير، إسبوعي وحفل زار حولي.
فالزار الأسبوعي: يقتصر الاحتفال فيه على إظهار الاحترام للسيد واسترضائه وحاضرات هذا الحفل يسميهن (كريس) مدمنات زار كون حضورهن الزار يمنحهن الشعور بالراحة واعتقادهن بعدم قدرتهن على الحياة بدون المشاركة في حفل الزار.
أما الحفل الكبير: فهو الذي تمارس فيه طقوس كل عناصر الزار (موسيقى، رقص، ملابس، تمائم، بخور، أغاني) ويستهدف منه شفاء المريض بمعرفة الأسياد ومحاولة إرضائها وتقديم القرابين لها.
والحفل الحولي: يقام كل عام في شهر رجب تخصصه الكودية لكافة الأسياد المعروفة لها وتتوقف حفلات الزار بكل أنواعها طوال شهر رمضان، بلا استثناء لأي نوع منها.
تستعين الكودية بفرق تدق على انواع من الدفوف والطبول وارتباط كل سيد من الأسياد بإيقاع خاص ونوع الفرقة:
النوع الأول: الفرق "الفرقة البلدي" مكونة من خمس نساء ثلاث منهن على المزاهر واحدة على الطلبة النص والأخرى على مرجص.
والنوع الثاني: فرقة الطنبورة أو الفرقة السوداني، ويضرب على الطنبورة بعض أفراد من أصل زنجي، وعازف منجور واثنتان من عازفات الطبلة.
النوع الثالث: فرقة أبوالغيط، تتكون من راقص يقوم بنفس دور المنجور، واثنين من عازفي الصفارة وتقوم زوجة الراقص بالضرب على الرق.
والعنصر الأهم في حفل الزار هو "الأضاحي" فلكل سيد مطلب يطلبه من المرضى محددة أدق تحديد منها أنواع من التمائم، والملابس، والرقصات فالتمائم متنوعة في شكلها ومضمونها وحجمها لا يقتصر استخدامها في الزار فقط ومن أبرز هذه التمائم الخلخال وله صفاته الخاصة فهو رفيع ينتهي برأس كروي وله شروط في المعتقد الشعبي يجب أن تتوافر ليكون له فاعلية أن يكون مصنوعًا من الحديد وأن يشترى بمال شحذه أصحابه من الناس أن يكون الحداد (صانعه) قد ورث مهنة الحدادة عن آبائه وأجداده الى سابع جد وتلبس الكودية مجموعة كبيرة من التمائم المصنوعة من القطع المعدنية التي تعلقها حول رأسها فوق منديل الرأس وهناك عدا هذا مجموعة من التمائم والمعلقات المصنوعة من معادن أخرى أو من صدف أو من البلاستيك وهي ذات أشكال وتنويعات وكتابات متباينة.
وتتجسد في طقس الزار فنون أداء مختلفة ترافقها إيقاعات خاصة وإشارات ورموز. ويمكن اعتبار الزار عملية مسرحية تلقائية، تتحرر فيها النفس البشرية من قيود الزمان والمكان، أو تنتقل من حالة إلى حالة أخرى. ومن هنا جاءت الوظيفة العلاجية النفسية لهذا الطقس.
وتنتشر حفلات الزار، وإن كانت قليلة الآن، في القرى والمناطق الشعبية في القاهرة وتحديدًا في الدرب الأحمر، درب التبانة، السيدة زينب، والغورية. وهناك عائلات اشتهرت بأداء هذا الطقس، من بينها عائلات أبو الغيط في القناطر الخيرية، وأنهار التي توجهنا إليها أثناء رحلتنا الميدانية.
وتختلف تلاوات الكودية من واحدة لأخرى فيقول أحد هذه النصوص "كان يا ما كان في زمان ومكان كانوا تلاته من التلاتين جمع شين على زين الدين عملة مأمرة على الباقين أصل الشلو بيشبه للوة حتى حمار الزبالين بعد ما شالوا حطو وغطوا ناموا وغطوا ومش خايفين قامة قومة في عز النومة لا خلى كاف ولا شين ولا زين توته توته دي الحدوته وادي التوته والسامعين".
ثم تضرب الكودية ومساعدوها من الرجال والنساء على الدفوف والطبول بنغمات وإيقاعات مختلفة، وترافق ذلك حركات الأجسام واهتزازها مع انتشار الأبخرة في الأجواء المفعمة بالضجيج والحركة. وتستمر هذه الطقوس حتى تسقط المريضة على الأرض، وحالما تسقط تبدأ الكودية بممارسة طقوس إخراج الزار، إذ تقوم بالصراخ بصوت عالٍ على الجن والشياطين والعفاريت، وتطلب منها الخروج مقابل تنفيذ مطالبها التي كثيرًا ما تكون ديكًا أو خروفًا. علمًا أن طقوس الزار تختلف من منطقة إلى أخرى.
حاليًا، اختفت حفلات الزار من الكثير من المناطق التي اشتهرت بها. وتحول الزار ليتحول إلى طقس احتفالي فقط. وهناك بعض الأعمال المسرحية والدرامية التي تقوم بتوظيفه، كما أصبحت بعض الفرق الموسيقية تستخدمه كنوع من أنواع الموسيقى الاحتفالية مثل الراب والروك وغيرها وفقد قيمته ومعناه ليصبح شكل عادي من ألوان الفنون الشعبية.