من الفنون ما هو جنون ولعل الموسيقى أحد أبرز أشكال هذا الجنون، إذ تختلج المشاعر وتضطرب خفقات القلب، فقط لمن يشعر بعظمتها، فالطبيعة مصدر الموسيقى الأول، ومن الطبيعي أن تشكل الموسيقى تناغما معه، خاصة إذا كانت الإيقاعات منضبطة مع المس الروحي لدلاتها، وهو ما تفعله موسيقى "ني نوا" إحدى أغرب وأقدم أنواع الموسيقى في الكون والتي اتهمت في عهد سابق أنها سببا للجنون وتذهب العقل وتستخدم في التنويم المغناطيسي.
قيل إنها نوع من السحر إلا أنهم فندوا ذلك وقالوا بأنها تقود الإنسان إلى درجة من اللا وعي، تدعى بالدرجة "ألفا" وهي ما يدعى بالتنويم المغناطيسي علميًا.
العديد من الأقاويل نسجت حول أصلها، ومعناها إحداها يقول أنها تتألف من كلمتين فارسيتين متقاطعتين مع اللغة العربية شكلا ومضمونا "ني" تعني باللغة العربية الناي و"نوي" تعني مقام النوي "الحجاز كرد" أحد مقامات الموسيقى المعروفة النقطة الرابعة، البعض يذهب في أصلها، إلى الآشوريين ونسبت إلى مدينة "نينوي" بحسب مزاعم وجداريات والبعض الآخر يقول إنها من تأليف حسين علي زاده، الموسيقي الإيراني، وألّفها عام 1982 وهي عبارة عن كونشيرتو للنايات على مقام "النوا" كما أن ناي على مقام النوا، تلفظ ناي نوا، وتكتب بالفارسية [نَى نوا] أدّى إلى تشابه اسم العمل مع اسم المدينة الآشورية القديمة.
الخطأ الحادث بالقول أنها آشورية تعود لقرون طويلة مضت، غير صحيح فالموسيقى في ذلك الوقت لم تكن متبلورة وناضجة بالشكل الذي نعرفه اليوم، بل كانت موسيقى بدائية لا تستند لأي علم موسيقي أو مدرج أو مقام أو سلم موسيقي، والبنية اللحنية التي تقوم عليها هذه الموسيقى التي نسميها "سيمفونية نينوى" هي بنية حديثة تستند لأسس علمية حديثة ومشهورة في المجال الموسيقي، هذا الخطأ جعل العديد من العرب ينسبون الموسيقى للحضارة الآشورية حتى باتت تعزف في المحافل الرسمية والأناشيد الوطنية والقومية.
ولفظة "ني نوا" تتألف من مقطعين " ني" وتعني بالفارسية "ناي" أو " قصب" كما هو معروف في لغة الإيرانيين "ني شكر" ويقصدون به "قصب السكر" والذي يعمل منه الناي والمقطع الآخر "نوا" هو أحد فروع المقامات الشرقية السبعة أو الأصح الثمانية وهي أصل السلم الموسيقي في العالم أجمع.
وذهبت مزاعم البعض أن موسيقى نينوى هي ثاني أقدم موسيقى في التاريخ بعد موسيقى رأس شمرا حيث يتجاوز عمرها 3500 سنة حيث وجدت هذه الموسيقى مكتوبة على ألواح من الحجر في اوغاريت السورية وأخذت اسم نينوى بعد فك شيفرة النوتة وعزفها حيث قامت الفرقة السيمفونية الفرنسية بعزفها على آلات شرقية وغربية تمازج فيها عزف الكمان وتداخل مع الناي الحزين الذي يسحر بنغماته الرقيقة الحزينة كل من يسمعه.
دراسة بحثية قديمة إطلعت على أنشودة العبادة الأوغاريتية وهي مقطوعة لا يزيد طولها عن دقائق، تم البحث فيها لسنوات تؤكّد هذه المزاعم التي لا سند لها سوى تشابه اسم العمل (نَي نوا) مع اسم مدينة نينوى القديمة.
القصة الحقيقية أنها قطعة موسيقية قدمها الموسيقار الإيراني المعاصر "حسين علي زاده" وهي لوحة موسيقية جميلة قصتها مستوحاة من مآسي كربلاء الأليمة وأيضا من مآسي الحرب العراقية الإيرانية وماخلفته من دمار وآلام وشجون في واقعها وذكرياتها.
ومن هنا بدأت إشكالية تلك الموسيقى بين الواقع وبين الإسطورة التي بناها الشعب الآشوري في سوريا والعراق من المعاصرين حول نسبة هذه الموسيقى. فالشعب المسيحي الآشوري المعاصر بنا في مخيلته نسيج من الأوهام حول هذه القطعة الجميلة الرائعة. فهو يفخر كل الفخر بأن أسلافه من الآشوريين القدامى كان لهم هذا العمل الرائع. حتى قامت الكنائس بتعليمها لأبنائهم المسيحين ورواية قصتها لهم فأصبحت جزءا من التراث المسيحي الآشوري حيث بات من الصعب التنازل عن هذه القطعة الموسيقية والتسليم بأنها معزوفة موسيقية من أعمال الموسيقار الإيراني "حسين علي زاده ".
وتعد “ني نوا” اليوم إحدى أهم المقطوعات الموسيقية الإيرانية وأكثرها شهرة، لذلك يتفق الكثيرون في أن عليزاده قد نجح في سعيه لخلق هذا التمازج ما بين تراثين مختلفين إحداهما شرقي والآخر غربي، خاصة وأنه قد لجأ إلى الموسيقى والتي من أهم تأثيراتها على البشر هو خلقها في أنفسهم إحساسًا من التواصل والإندماج والثقة والوحدة.
حسين عليزاده ولد في طهران سنة1951، هو مؤلف وباحث ومعلّم موسيقي إيراني يعزف أيضًا على آلتي التار والسه تار الوتريتين التقليديتين ويهتم بموسيقى الرديف الإيرانية التقليدية. له أعمال مشتركة مع العديد من أبرز الموسيقيين والمغنيين الإيرانيين.