اعلان

التحطيب.. "غية" الرجال التي بدأها الفراعنة

التحطيب
التحطيب

العصا التي يرفعها المصريون ليست للشجار بل للرقص، لعبة معروفة ومحبوبة في صعيد مصر، منذ قديم الأزل، يطلق عليها الصعايدة "عصاية المحبة" أو "غية الرجال"، اللعبة قديمة منذ قدماء المصريين الذين اتخذوا التحطيب لعبة أساسية لديهم، واعتبروها من أهم الفنون القتالية لديهم. وجدت نقوش تصور نماذج لأفراد يمارسون التحطيب على جدران المعابد القديمة، أبرزها معبد الكرنك في محافظة الأقصر، جنوب مصر.

نشأ التحطيب في الأصل للتدريب على الأسلحة، إلا أنها أخذت في الانزواء والتحول لمجرد رقصة فقط دون الاهتمام بالجانب الرياضي منها، فأصبحت استعراضا يقام في الأفراح في ريف مصر وصعيدها كنوع من التراث الشعبي، وقد سميت بالتحطيب لأنها تلعب بالحطب أو العصي الغليظة.

التحطيب المصري جذور قديمة ومتأصلة في التاريخ فقد بدأ في العصر الفرعوني كطقس من الطقوس المنتظمة التي تؤدى في الأعياد الدينية، وبدلا من العصي الخشبية كانوا يستخدمون لفافات البردي الكبيرة حتى لا يصاب المتبارين بالأذى وكان اللاعب يستخدم لفافتين بدلا من واحدة بالإضافة للخلفية الموسيقية. ثم جاء تطور التحطيب باختزال اللفافتين إلى واحدة ثم تحويلها إلى عصى بتطور استخداماتها في مجال الدفاع عن النفس.

رغم كونه فنا محليا إلا أنه انتقل إلى عدد من الحضارات الأخرى مثل الكيندو الياباني والمبارزة القديمة التي انتشرت في معظم الحضارات الغربية، والتي تتشابه طقوسها وأخلاقياتها مع الجذور القديمة للتحطيب الفرعوني.

تحولها إلى تقليد جعلها تختلف قليلًا في تفاصيل تأديتها بين محافظة وأخرى، ومع مرور الوقت بدأت هذه الرياضة تنتشر في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات، وفي الموالد الدينية ويعتبر أهالي الصعيد التحطيب وسيلة للتقارب والتماسك الاجتماعي، وتجسد "العصا" بالنسبة لهم قيم الشجاعة والوفاء، ولا يعدٰونها أداة لترسيخ العنف أو القمع.

أصول اللعبة

وتنقسم قواعد "التحطيب" إلى جزئين مُحطب واحد أو اثنين، يلتف حولهما أهالي القرية أو المحافظة في جو من الحماسة، ثم يتم إلقاء التحية بين اللاعبين ويشير إلى استعداد الطرفين. وهناك دلالة لقبضة اليد على العصا، هي مؤشر مهارة اللاعب وللتحطيب لباسه الخاص به: الجلباب الفضفاض وعمة الرأس.

إشارة الانطلاق بالتحطيب، فهي كلمة "ساه" التي يطلقها أحد الحاضرين، وتعني أن وقت اللعب قد حان. يقوم اللاعبان بالدوران إحدهما حول الآخر 4 مرات، لمدة لا تتجاوز الدقيقتين، ثم تنطلق أصوات تقارع العصي على أنغام "المزامير"، الآلة الموسيقية الأشهر في الصعيد.

عميد لعبة التحطيب في محافظة الأقصر، "عبد الغني"، الذي بلغ من العمر 68 عامًا، وهو موروث حضاري وثقافي تميز به رجال الصعيد.

تنتشر اللعبة في كافة محافظات الصعيد بدءًا من بني سويف حتى الأقصر وتشارك جميعها في مهرجان التحطيب السنوي الذي تقيمه وزارة الثقافة منذ 7 سنوات، على مدار عدة أيام، ويتنافس فيه المشاركون وسط أجواء احتفالية، يتم في ختامها تكريم اللاعبين بمنحهم جوائز رمزية.

واحتفل الصعيد بإدراج اللعبة ضمن التراث الثقافي العالمي، وفقا لما أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة يونسكو، إنها أضافت "التحطيب" أو الرقص بالعصا من مصر إلى قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. ووصف موقع اليونسكو على الإنترنت التحطيب قائلا "كان أحد أشكال الفنون القتالية في مصر القديمة، ويعد اليوم من الألعاب الاحتفالية التي حافظت على جزء من الرموز والقيم المرتبطة بممارستها".

وأضاف الموقع "تؤدى هذه المباراة أمام جمهور من المشاهدين حيث يقدم المتبارزون على أنغام الموسيقى الشعبية عرضا قصيرا للحركات غير العنيفة باستخدام عصا طويلة. وتمارس هذه اللعبة من قبل الذكور الذين غالبا ما يكونون من سكان محافظات الصعيد في مصر العليا".

وتابع الموقع "تقوم قواعد المبارزة على الاحترام المتبادل والصداقة والشجاعة والفروسية والفخر. ويتم تناقل فنون هذه المبارزة في العائلات والمجتمعات والبيئة المحيطة".

وكإثراء للفن ومحاولة تدريسه وتعليمه للأجيال أسس متطوعون في الصعيد مدرسة لتعليم الأطفال "فنون التحطيب"، ويتطلع عشاق هذا النوع من التقاليد إلى تنظيم بطولة دولية خاصة بها، ووصفت المنظمة هذه الرياضة بأنها أحد أشكال الفنون القتالية في مصر القديمة، وباتت اليوم من الألعاب الاحتفالية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً