الإهمال هو عنوان لأي أزمة أو قضية تصبح ظاهرة بالمجتمع وتؤدي إلى ضياع مجهودات كبيرة ومشاريع أكبر تنفق عليها الدولة مليارات الجنيهات، إلا أن ساحة الإهمال يعدم فيها الضمير مصلوبًا أمام أعين البسطاء في الوقت الذي يتكبدون فيه مشقة الظروف الحياتية المتصاعدة يومَا تلو الأخر، داعين الله أن لا يبتليهم في صحتهم لأنهم يعلمون يقينًا أنهم لن يجدوا الرعاية الصحية الكافية في ساحات "إعدام الضمير"، داخل الوحدات الصحية أوالمستشفيات الحكومية.
وأصبح الإهمال وسوء الخدمة الصحية عنوان ما تتعرض له الوحدة الصحية بالعديد من قري محافظة الفيوم التي يعيش أهالها واقعا مؤلما لافتقادهم الخدمة الصحية.
الوحدة الصحية بقرية "ترسا" التابعة لمركز سنورس بمحافظة الفيوم، تم إنشائها منذ عشر سنوات لخدمة أكثر من 70ألف نسمه، لتقديم الخدمة الصحية للمواطنين، الا ان إهمال الدولة لها حولها من دار للصحة إلى دار للحيوانات الضالة، إلى أن تعرضت للسقوط بسبب وجود تصدعات بها جعلها تتحول الى حظيرة فى وقت قياسى من بنائها وتكليفها الملايين من الجنيهات، فهرع منها الأطباء هربًا بحياتهم تاركينها ملهى للحيوانات الضالة، والمواشي والحشرات الزاحفة، دون أدني مبالاة من قبل مسئولي مديرية الصحة بالفيوم مما ترتب عليه حرمان المواطنين من حقهم في تلقي الخدمة الصحية، عوضًا عن أن حال المبني يضع هناك شكوك حول إهدار المال العام،وفساد في تشييد المبني الذي لم يمضي عليه سوي بضع سنوات.
قال محمد عبدالسلام أحد سكان القرية، توقفت الوحدة الصحية عن العمل منذ أكثر من ثلاثة أعوام بعد ان انهارت من الداخل، وأصبحت آيلة للسقوط، ومنذ عامين بدات عملية الترميم بالوحدة إلا أنه فجأة توقف العمل بالترميمات دون تقديم أي أسباب مقنعة للمواطنين في الوقت الذي نعاني من عدم توافر وسائل مواصلات كافية للوصول الي المستشفى العام بالمدنية".
فيما يقول الدكتور محمد المغربي:" أنا تكليفي في بداية عملي كطبيب كان بهذه الوحدة قبل إغلاقها وبكل الأسف مفيش علاج مفيس إسعاف مفيش جهاز ضغط ولا سماعة طبيب مفيش أي أدوات تعبر عن ان المكان يمثل وحدة صحية".
ويضيف المغربي "مفيش سبل توفير حياة لطبيب مغترب ،صعب تأكل لانك في منفي بعيد عن الخدمات والأسواق مرتبك بيتاكل عليك وكان مطلوب مني أني أفضل 24 ساعة في اليوم طول الشهر لان في عجز في الأطباء كل دا في مقابل فتات من الحافز والبدلات تمنحه لنا الوزارة الموضوع أصعب وأكبر من ان يتحمله طبيب مغترب يتعايش مع أهالي القرية البسطاء وينعزل عن عالمه الشخصي واسرته الموضوع مش بس حافز يجب ان يعاد النظر في هذا الأمر حتي تجد الوحدات الصحية رعاية حقيقية".
المركز الطبي بقرية "الغرق" التابعة لمركز سنورس بالفيوم، تم تجديده في عام 2014، بتكلفة بلغت أكثر من 13 مليون جنيه إضافة إلى تزويده بأجهزة طبية تقدر بـ2 مليون جنيه، إلا أنه لم يتم الاستفادة من هذه الأجهزة نظرا لعدم وجود أطباء وفنيين يستطيعون التعامل معها، ومن ثم علاج المرضى الفقراء الذين تعج بهم القرية ويخدم المركز 250 الف نسمة من السكان.
ويصف حسام السيد، أحد أهالى قرية الغرق، حالة المركز بالإهمال الشديد والمتعمد من قبل المسئولين بالمحافظة، قائلًا: "تشهد قرية الغرق أسوأ أنواع الإهمال الصحي، بعد غياب الرقابة من قبل مديرية الصحة، لافتا إلى حالة العجز الشديد في عدد الأطباء العاملين بالمركز الطبي بالقرية، حتى بعد تجديده مؤخرا وتزويده بجميع الآلات والأجهزة الحديثة.
أغلقت الوحدة الصحية بقرية دسيا منذ أربعة أعوام أبوابها أمام أهالي القرية، بعد أن تم تجديدها ومراجعة جميع أعمال الصيانة بالمبنى، الذي تم إنشائه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلا أن اللجنة الهندسية بالمحافظة أصدرت تقريرًا يفيد بأن المبنى المكون من طابقين آيل للسقوط ويلزم إزالته ومن ثم تم وقف العمل بهذا المبنى الخدمي المجهز بغرفة عمليات واستراحة للمغتربين ومعامل اختبار وعينات الدم، وكان يخدم جميع القري المجاورة.
وناشد الدكتور عبد السميع الفايدي، من أبناء القرية مسئولي الصحة بالفيوم، قائلًا:"ارحموا مرضانا وأطفالنا الأولى بالرعاية وتخفيف معاناتهم بالذهاب إلى المدينة حتى يتم الكشف عليهم، فهذه القرية حتى الآن يوجد بها منازل لم يدخلها الكهرباء والمياه، وحتى الرعاية الصحية، وهي من أبسط حقوق المواطن، إما أن يتم تشغيل الوحدة الصحية بالقرية أو إزالتها وعمل مستشفى جديدة تخدم أهالي القرية والقرى الأخرى.
أما الوحدة الصحية لقرية أبجيج، والتى تخدم أكثر من 16 عزبة وتابع والتي تعاني من نقص متكامل ابتداء من التموين والأدوات الطبية وحتي الأطباء المتخصصين، وعمال النظافة، فالوحدة تمتلئ بالحشائش والقمامة التى تقبع بها الثعابين، والعقارب وبدلا من خروج المريض بالعلاج فقد يخرج منها بلدغة ثعبان أو عقرب خلال فترة إنتظاره بساحة الوحدة الغير مجهزة عوضًا عن عدم وجود أمصال للدغة أو حقن التيتانونس لعقر الكلبالكلب أو الخيوط الجراحية في غياب دور مديرية الصحة بالفيوم عن دورها في الإشراف علي الوحدة التي اَلت الى حالة متردية من الاهمال والفوضى ونقص الامكانيات.
على جانب موازٍ، يوضح الدكتور محمد القاضي طبيب الوحدة الصحية بقارون -مركز يوسف الصديق، أن القرية تعج بالمشاكل، بدءا من عدم توافر مياه نظيفة للشرب، وصولا إلى الوضع الصحي السيئ، مشيرا إلى أن الوحدة الصحية بالقرية تم تجديدها من فترة قصيرة بعد مطالب عديدة من قبل أهالي القرية، وبالفعل تم التجديد، لكن الأزمة تكمن فى نقص الأطباء، علمًا بأن الوحدة الصحية التى تخدم 4 أربع قرى لا يوجد بها سوي هو كطبيب، ما يمثل ضغطا كبير عليه، خاصة أنه يقضى فترة التكليف داخل القرية.
وأكد القاضي، أن المرضى لا يستطيعون تلقي خدمة العلاج بشكل جيد نظرا للتكدس وضيق الوقت، ما يضطرني في بعض الأحيان الي تحويل بعض المرضى إلى المستشفى العام بالمحافظة التي تبعد عشرات الكيلومترات عن القرى، لعدم توافر طبيب متخصص ناهيك عن عدم توفير سيارة إسعاف واحدة لمواجهة حالات الطوارئ، والعديد من الحوادث والأزمات الصحية المفاجئة، تنقل المرضى إلى الوحدة الصحية.