وكأنها تعرف أن أحدا لن ينعي رحيلها، وأنها سترحل في غيبة من الجميع ولن تكتب جامعة أسيوط ولا أي جامعة مصرية اسمها على صرح علمي، رغم مشوارها العلمي الطويل، وأبحاثها في "النانو تكنولوجي" التي تهافتت عليها الدولة الغربية، فقررت طبع اسمها على آيات قرآنية وكتيبات كتبت عليها "المرحومة منى بكر" حتى تقوم أسرتها بتوزيعها عقب وفاتها، بعد أن شعرت بانتصار المرض عليها، ليتذكرها من تصله ويدعو لها بالمغفرة.
وافتها المنية في 5 مارس الجاري وسط أبحاثها وابحاث طلابها وشيعت في صمت إلى مثواها الأخير بمقابر عائلتها في أسيوط، إنها الدكتورة منى بكر عالمة النانوتكنولوجي، ومدير مركز النانوتكنولوجي بجامعة القاهرة، وأستاذ بالمعهد القومي لعلوم الليزر.
رغم سنوات عمرها المعدودة في المجال البحثي، إلا أنها أثبتت أن قيمة العالم في مصر تكمن في قدرته على تحويل المخرجات البحثية إلى خدمات وابتكارات تعود بالنفع على الناس وأن تربط بين البحث العلمي والصناعة، خاصة أن هذا المسار هو بداية الطريق لنهضة الدول النامية
محمود بكر شقيق الدكتورة منى قال: "منى كانت تعشق الأبحاث والعمل العلمي، وكان المعمل أو مركز النانوتكنولوجي بمثابة القصر الملكي لأميرة العلم، فضلتهما على حياتها الخاصة واعتبرتهما الزوج والأولاد.
- بداية المرض
روى شقيقها محمود أنها أصيبت بإنفلونزا حادة وتناولت مضادات حيوية ومسكنات حتى لا تعطل العمل فى المعمل أو مركز النانو تكنولوجىي، وانتشرت فى قدمها حبوب صغيرة، وشخصها الأطباء فى مستشفي "دريم" بأنها "دوالى أو حساسية نتيجة المضادات الحيوية"، وبعد فترة تورمت قدميها، وأجرى لها الأطباء تحاليل فى الأوعية والشرايين، وتبين أن هناك تجمع دموي داخل أنسجة القدم ومن المحتمل أن تكون "جلطه".
- تطورات المرض:
وأضاف أن الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، علم بشدة مرضها بسبب اعتذارها عن الاجتماع معه، فأمر بعلاجها فى مستشفي "القصر العينى" وتم التشخيص أنها تعاني من جلطة واخذت حقنة مذيبة للجلطة وبعدها تورمت أقدامها بشكل أكبر وتحولت أرجلها إلى اللون الأسود
- مرض غامض وبتر أصابع قدمها:
وتابع أن منى ذهبت إلى مستشفى أحمد بهجت بمدينة 6 أكتوبر وهى نفس المنطقة التي تسكن بها، ومكثت فترة قصيرة في المستشفى، لكن الأطباء لم يستطيعوا تشخيص المرض، وقاموا بعملية بتر في أصابع قدمها اليمنى وقال الأطباء إنه مرض غامض صعب تشخيصه"
- مرض "اسكولاى فى المناعة":
انتقلت إلى مستشفى دار الفؤاد ومكثت بها 3 أيام وأجرت بها نحو 160 تحليل دم و5 أنواع من الأشعة المقطعية وقال الأطباء أنها مصابة بسيولة في الدم في الأنسجة وليس تجلط في الدم، أو دوالي وأضافوا أنها تعاني من مرض "اسكولاى فى المناعة"، وتابع أنه بحسب ما علم من الأطباء أن الأجسام المناعية في الجسم تقوم بمهاجمة الأوعية والشرايين أو أجزاء من الجسم مثل الكبد او الكلى أو القلب وتعتبره أجسام غريبة، وفي حالة منى هاجمت الأوعية والشرايين وسببت نزيف بداخلها، وقام طاقم مستشفى دار الفؤاد بتصوير قدميها وعرضها فى المجالات العلمية فى محاولة للوصول إلى نتيجة باعتباره مرض نادر.
- منى ترفض دخول العناية المركزة والسفر للخارج
وأشار محمود أن منى عادت مرة اخرى إلى مستشفى دريم وكانت حالتها تتطورت وتمكن منها المرض بشكل أكبر، مما استوجب دخولها العناية المركزة لكنها رفضت وطلبت غرفة معقمة لمباشرة أبحاثها رغم خطورة مرضها، وتضاعف المرض مره أخرى يوم الثلاثاء 28 فبراير وأصيبت بالتهاب رئوي ودخلت العناية المركزة وقبل وفاتها بثلاثة أيام طبعت أدعية دينيه وكتب وكتبت عليها "المرحومة منى بكر "وطلبت بتوزيعها، حتى وافتها المنيه يوم 5 مارس، ورفضت الدكتورة منى السفر إلى الخارج فضلت منى الموت بجوار معملها ودفنت في مقابر الأسرة بأسيوط.
- شقيقها ينفي قتلها
نفى محمود بكر شقيق الدكتورة منى ما تردد عن عودتها مصابه بأحد الأمراض من كوريا الجنوبية، وقال انه قبل مرضها بيوم واحد كانت تدرس المحاضرات لطلابها وبعد مرضها كانت تباشر ابحثاها حتى قبل وفاتها بساعات.وكانت تحاضر وهى فى فراش الموت وعندما يشتد المرض عليها كانت تطالب بأن يلتف طلابها حولها ويدعو الله أن يخفف عنها.
وكشف شقيقها عن قيام جامعه أسيوط بطلب رد نفقات البعثه من الدكتورة "منى "وهى 760 الف جنيه تابعه للبعثات و32 الف جنيه تابعه لجامعه أسيوط وكان لها مستحقات ماليه من الجامعة تقدر بحوالى 6 الاف جنيه وتم خصمها لتطالبها الجامعة بمبلغ 26 إلف جنيه ورفع بها قضايا ضد الدكتورة "منى" وقمنا بتقديم التماس للبعثات واني أن الضامن لها ومتورط فى نفس القضايا وأن الدكتورة "منى "عادت من البعثه،وقامت البعثات بالإرسال إلى جامعه أسيوط فى رأيها بعودة الدكتورة "منى بكر "إلى الجامعة،
وردت الجامعة بأننا "نريد المستحقات المالية ولا نريد منى بكر"ومستمرين فى القضيه،وتم عرض الموضوع على اللجنة التنفيذية للبعثات والتى قررت "نظرا لتعنت جامعه أسيوط مع الدكتور "منى "يلغى مطالبتها بالنفقات وإسقاط مبلغ 760 الف جنيه ونقل تكليفها من جامعه اسيوط والى جامعه القاهره "ومازالت جامعه أسيوط تطالبنا برد مبلغ 26 إلف جنيه حتى الآن وتنظر القضية فى محكمه النقض العليا.
وقال الدكتور "حسن الهواري" عميد كليه العلوم بجامعه أسيوط كليه العلوم تفخر دائما بأن أحد خريجها هى العالمة "منى بكر "الحاصلة على البكالوريوس والماجستير من كليه العلوم،وذهبت فى بعثه من جامعه أسيوط إلى أمريكا للحصول على الدكتوراه فى مجال "النانوتكنولوجي" وانها من العلماء الأفاضل التي لهم دور كبير فى تطوير العلم وكان هناك تعاون كبير بين كليه العلوم والدكتورة منى،وكان ذلك يتمثل فى مشاركتها فى مؤتمرات الكلية وتلقى المحاضرات عن كل ما هو جديد فى مجال النانو تكنولوجى وتشرف على عدد كبير فى مرحله الماجستير والدكتوراه فى نفس المجال وجميعنا تأثرنا بفقدان الدكتورة منى كأحد العلماء الأفاضل فى مجتمعنا ".
الدكتورة منى بكر محمد من مواليد أسيوط فى شهر نوفمبر عام 1986 بمنطقه غرب البلد وتعلمت فى مدرسة عمر مكرم الابتدائية المشتركة ثم المدرسة الحديثة الاعداديه وبعدها مدرسة خديجة يوسف الثانوية بنات، وحصلت على 86 % فى الثانوية العامة ودخلت كلية العلوم جامعة أسيوط وتخرجت من الكليه عام 1991 وتم تعيينها معيده فى قسم الكيمياء وحصلت على الماجستير فى عام 1994 وتم ترشيحها لبعثه ليزر فى امريكاحصلت على درجة الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية من معهد جورجيا للتكنولوجيا، بولاية
أتلانتا الأمريكية عام 2002 تحت إشراف العالم الكبير الدكتور مصطفي السيد،كان لديها مدرسة علمية كبيرة تضم أكثر من43 طالبا للدراسات العليا، وتعمل في تصنيع وتوصيف المواد النانوية وتطبيقاتها المختلفة في الخلايا الشمسية، وتنقية المياه وتحلية المياه والتطبيقات الطبية الحيوية.
وفقًا للمؤشر الدولي والذي يصنف كافة العلماء طبقا لتخصصاتهم فإن الرقم "20" الذي حققته الدكتورة منى بكر يضعها ضمن قائمة العلماء المرجعيين في مجال النانوتكنولوجي حيث تم الاستشهاد بأبحاثها أكثر من1800 مرة، كما رفضت العديد من المناصب فى الدول الغربيه منها أسبانيا وامريكا والمانيا وفضلت خدمه مصر فى مجالها.