ألوان السما السبعة.. أطياف مختلفة التردد.. دوران حول الذات .. دروشة.. وحدانية.. التقاء مع الذات الإلهية وغيرها معاني كثيرة تحويها رقصة واحدة، بدأت بالأساس رقصة للتقرب من الله، هي رقصة التنورة المشهورة التي وصفت في تركيا لتطهير النفس من الشوائب والذنوب فحين يقف راقص التنورة رافعا يده اليمنى إلى الأعلى وخافضا اليسرى إلى الأسفل، فكأنه يعقد صلة ما بين السماء والأرض، ساعيا بدورانه المكثّف إلى التخلّص من الذنوب.
رقصة التنورة هي رقصة مستوحاة من تراث صوفي عريق، نشأت في تركيا العثمانية وتطوّرت في مصر. التنورة هى النوع الأول من الرقص الإسلامي وظهرت للمرة الأولى في تركيا "قونيه"، فقصتها بدأت بالتكايا، حيث كان لكل شيخ طريقة صوفية ينشئ بها تكية خاصة وهى مكان يعتبر مضيفة لأبناء السبيل والفقراء والدراويش وداخلها تقام حلقات الذكر، وتميزت من بين تلك التكايا تكية الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، حيث كان يبدأ الذكر بعمل حلقة لا تقل عن أربعين درويشا بملابسهم مختلفة الألوان – بداية كان الدراويش يرددون لفظ الجلالة ومع كل ترديدة يقومون بانحناء رؤوسهم وأجسادهم ويخطون باتجاه اليمين فتلف الحلقة كلها بسرعة وبعد فترة قصيرة يبدأ أحد الدراويش بالدوران حول نفسه وسط الحلقة وهو يعمل برجليه معا ويداه ممدوتان ويسرع في حركته فتنشر تنورته على شكل مظلة وتظل لمدة عشر دقائق ثم ينحنى أمام شيخه الجالس داخل الحلقة، ثم ينضم الى الدراويش الذين يذكرون اسم الله بقوة.
تعكس الرقصة تصوّرا فلسفيّا يتغذّى من الطريقة المولوية التي أنشأها جلال الدين الرومي، لكنها لم تأخذ الطقوس التي تشمل وجود الشيخ والبخور والطفل الصغير، كما أنّها أدخلت الأذكار التي تقولها الطرق الصوفية مُجتمعة.
وتعتمد التنورة الصوفية على حركات دائرية تنبع من الحس الإسلامي الصوفي، والطريقة المولوية التي تعتبر أن الحركة في الكون تبدأ بنقطة معيّنة وتنتهي عند النقطة ذاتها. هذا الأداء الحركي يوازيه جانب روحي يعني التسامي والصعود من خلال الحركة الدائرية للجسد إلى الأعلى، حيث السماء والمحبوب الأكبر عودة إليه وذوباناً فيه.
ويرتدي راقص التنورة تنورتين أو ثلاثا، استلهمت ألوانها من الأعلام والبيارق الخاصة بالطرق الصوفية، ويصل وزن الواحدة إلى حوالي ثمانية كيلوغرامات، أما “السبتة” أو الحزام الذي يرتديه على نصفه الأعلى فيهدف إلى شدّ ظهر الراقص وهو يدور، بينما يتّسع الجلباب من الأسفل ليعطي الشكل الدائري طرفه عند الجانب الأيسر.
عندما يدور راقص التنورة حول نفسه، فيكون كالشمس التي يلتف حولها الراقصون ويطلق عليهم "الحناتية"، وكأنهم مجموعة الكواكب، ويرمز ذلك الدوران المتعاقب الذي يسير عكس عقارب الساعة مثل الدوران حول الكعبة، لتعاقب الفصول الأربعة على مدار العام.
حينما يحرك الراقص اليد اليسرى إلى أسفل دليل على انعقاد الصلة ما بين الأرض والسماء، وأن الدوران حول الذات تخفف من كل شيء بقصد التحليق في السماء وفك الرباط المربوط حول الجذع، يرمز لرباط الحياة ليتحلل من كل ما يقيد حركته.
طور المصريون رقصة التنورة فأضافوا إلى حركاتها وطقوسها الدفوف والفانوس، وجعلوها فناً استعراضياً مُتكاملاً. التنورة أصبحت قاسماً مُشتركاً في مُعظم الأفراح المصرية، وكثير من الأسر تحرص على وجود راقص التنورة ليضفي على الفرح جوا استعراضياً شائقاً.
وتعتمد هذه الرقصة على الفن الإيقاعي، حيث يمكن أن تشاهد مجموعات كثيرة تؤدي هذه الرقصة في حركات دائرية، ويدور الراقصون كالكواكب في السماء في شكل مؤثر في النفس والبصر، وترجع نشأتها إلى تركيا، ثم انتشرت في مصر بعد ذلك بصورة كبيرة.
وتبدو الرقصة كالحلم حيث يدور الفنان دورات كثيرة حتى ترتفع التنورة إلى أعلى، ثم بعد ذلك يختفي الراقص داخلها كأنه فراشة ترفرف بجناحيها وألوانها الزاهية، حتّى أن الصغار يحبون هذه الرقصة كما الكبار، فهي دعوة مفتوحة إلى ولوج عالم روحاني كفيل بأن يُنسي من يدخله متاعب الحياة وعذاباتها.
رقصة توليفة تجمع بين فلسفة الحياة والنزعة الصوفية والفلكلورية المصرية التى تظهر طابعها بامتياز، كما ترمز التنورة بحركاتها الدائرية اللانهائية إلى حركة الكون وفلسفة الحياة، ويرمز راقصوها إلى الشمس التي تدور حولها الكواكب، وتعكس حركاتهم التعبيرية نمطا معينا من الفكر والفن والتراث الثقافي، تبدأ أثناء دورانهم بالتنورة ذات النقوش العربية والألوان الزاهية، فعلى أنغام آلات الموسيقى المصرية الشعبية، وإنشاد المنشدين يقدم الراقصون واحدا من أجمل الفنون المصرية.
في أوائل الدولة الفاطمية أضاف المصريون لونهم الخاص فأضافوا آلات شعبية كالربابة والمزمار والصاجات والطبلة وأغاني وابتهالات مصرية خالصة، فضلا عن تصميم الملابس المميز القائم على ثراء ألوان التنانير مما أتاح قدرا أكبر من التفاعل مع المشاهدين.
ستتمنين الزواج به.. "الجلوة" زي العروس المصنوع من الذهب