اللواء محمد جبريل.. قصة "ثعلب المخابرات" الذي أنقذ "نصر أكتوبر" مرتين.. ووضع كرسيا للسادات في اجتماعات الموساد

في مثل هذا اليوم الموافق 15 مارس، قبل 89 عاما، ولد ثعلب المخابرات المصرية محمد رفعت جبريل، الضابط الذي تخرج من الجيش في دفعة 1950، قبل أن تصل ترقياته إلى رتبة فريق أول، وشغل منصب رئيس هيئة الأمن القومي في مصر.

"دفعتنا قعدت في الكلية 18 شهر بس.. وكان الجيش خرج قبلها (خاسرا) من حرب 1948، وتم تكثيف مدة الكلية.. وبسبب تفوقي أصبحت (أمباشا) يعني رئيس مجموعة، ويشاء القدر أن يكون شعراوى جمعة، وزير الداخلية، فيما بعد، هو الضابط المسؤول عن تدريبي"، قال "جبريل" الذي بدأ حياته ضابطا في سلاح المدفعية، وانضم إلى تنظيم الضباط الأحرار قبيل ثورة يوليو ومن ثم انضم إلى المخابرات العامة المصرية بعد إنشائها.

الضباط الأحرار.. وثورة يوليو

"في إحدى ليالي صيف 1951، تم قبولى فى تنظيم الضباط الأحرار بترشيح من خالد فوزى، رئيس إحدى شعب التنظيم (عمل كأمين عام رئاسة الجمهورية لاحقاً).. توسم الرجل فىَّ خيراً، وأنا آمنت بالتنظيم وجديته ولم أتردد لحظة واحدة فى عضويتى وانتمائى، رغم أنني لم يمر على تخرجي من الجيش سوى عام واحد"، قال "الثعلب".

وأوضح أنه -حين قامت الثورة- كان مسؤولاً عن مخازن الذخيرة فى سريته بالمدفعية، وقام بتهريب الذخيرة وتسليمها إلى علي شفيق، -سكرتير المشير عامر فيما بعد-، كما كان مسئولا ليلة 23 يوليو عن أمن نقاط التفتيش بمنطقة العباسية، التى كانت تعج بمعسكرات وثكنات الجيش.

الثعلب.. والصعود إلى الهاوية

"جبريل" هو البطل الحقيقي لقصة فيلم "الصعود إلى الهاوية" والذي قام فيه بالقبض على العميلة المصرية الأصل هبة سليم باستدراجها إلى مطار عربي، ومن ثم ترحيلها إلى القاهرة لتحاكم وتعدم بعد اعترافها بالتجسس لصالح إسرائيل، وكذا فيلم "الثعلب"، الذي أدى شخصيته الفنان نور الشريف.

"الصعود إلى الهاوية" من أخطر العمليات التي قام بها "الثعلب" على الإطلاق؛ لأن الجاسوسة، كانت قد جندت ضابطا بالجيش المصري يدعى فاروق عبد الحميد الفقي، وكان يشغل -حينئذ- منصب مدير مكتب قائد سلاح الصاعقة (وقتها) العميد نبيل شكري وكان يحضر اجتماعات غرفة العمليات فلو لم يقبض عليهما لعرفت إسرائيل بميعاد الحرب.

كما كان له دورًا بارزًا في زرع رأفت الهجان في قلب إسرائيل، بالإضافة إلى التجسس على الموساد في إحدى الدول الأروبية بشكل ساهم في نجاح الخداع الاستراتيجي لغزو أكتوبر.

السادات.. في اجتماعات الموساد

قال جبريل، إن "السادات" أحس عام 1972 بأن بعض المعلومات السياسية والعسكرية الدقيقة جداً كانت تصل إلى إسرائيل بشكل كامل، رغم عدم تداولها، ما دفعه إلى استدعاء أحمد إسماعيل، رئيس جهاز المخابرات العامة، وقال: "فيه حاجة مش مضبوطة.. أحد أصدقاؤنا يبلغ معلومات دقيقة عن مصر وجيشها إلى إسرائيل.. ولا أعرف تفاصيل إضافية.. لكنى عايز أسمع بأذنى وأرى بعينى حقيقة ما يحدث.. من الآخر عاوز كرسيا في هذه الاجتماعات".

أبلغ "إسماعيل" قادة الجهاز بما قاله السادات، وأضاف: "الرئيس لا يملك أي معلومات أخرى ويريد نتائج سريعة"، فقلت "أعطنى شهرين لدراسة الموضوع.. وبالفعل كان بيدي الخيط الأول"، قال "الثعلب".

"أحد القادة الأوروبيين كان صديقاً لعبدالناصر ومن بعده السادات.. ويظهر دائماً من خلال تصريحاته أنه ضد أمريكا وسياستها في المنطقة.. وكان كثيراً ما ينتقد إسرائيل، إلا أنه كان لهذا الزعيم صلات سرية مع واشنطن والموساد.. وعلمنا موقع الاجتماعات الشهرية بين الموساد ومخابرات الدولة الصديقة لمصر، وكان عبارة عن شقة متوسطة الحجم فى الدور الخامس من عمارة مأهولة بالسكان، فقمنا بتأجير محل فى نفس العمارة.. وبعد مراقبة لمدة شهرين اكتشفت أن زوجة البواب تخونه مع آخر، فقمنا بتجنيدها.. وأوهمناها بأننا لصوص وأننا نخطط لسرقة إحدى الشقق.. وبذلك سهلت لنا دخول العمارة والخروج منها.. وكذلك إلى الشقة التى يتخذها الموساد مقراً لاجتماعاته"، روى "جبريل".

عاد الثعلب إلى القاهرة لاختيار الطاقم الفنى الذى سيزرع أجهزة التنصت "السلكية" في مواقع طبيعية جدا من خلال وصلات الهاتف والكهرباء: "جمعنا الخبراء وقمنا بإجراء عمليات محاكاة للموقع قبل السفر، واخترت ساعة الصفر، وكان يوم إجازة فى هذا البلد، ومعظم سكان العمارة كانوا خارج المدينة.. وأعطيت توقيتات محددة للطاقم. كان خادم العمارة غير موجود.. وسهلت زوجته لفريق العمل الدخول.. وزرعنا فى الحوائط خطاً سلكياً عن طريق شبكة الكهرباء الموجودة بالحائط.. وجرى تقفيل المكان ودهان الحائط بنفس اللون الأصلى للشقة.. ومددنا السلك إلى منور العمارة، وبطول أربعة أدوار ولنوصله بحائط المحل الذى كنا قد استأجرناه من قبل، وكنت أدرب اثنين من الفنيين للقيام بمهام فنى واحد، وتمت العملية بنجاح".

وأردف: "فى أول اجتماع.. حصلنا على صوت نقى ومسموع.. كان الصوت واضحاً لدرجة أذهلتنا جميعاً.. وأخذنا نبكى.. ونسجد لله شكراً.. وعدنا لعملنا لنحقق للسادات ما أراده.. وضعنا له كرسياً فى اجتماعات المتآمرين.. وعدت للقاهرة وبحوزتى شرائط تسجيل لـ4 جلسات كاملة".

واختتم: "السادات كان ثعلباً حقيقياً، فقد استخدم هذه الدولة ورئيسها بشكل رائع فى إيصال معلومات بعينها إلى الموساد.. أى أنه استخدمهم فى عملية الخداع الاستراتيجى للحرب.. والمضحك أن الذى كان يقوله السادات لرئيس هذه الدولة كنا نسمعه فى الاجتماع التالى على لسان رئيس مخابراتهم أو من يمثله".

القبض على باروخ مزراحي

باروخ مزراحي ضابط مخابرات إسرائيلي طُلب منه أن يقوم بالسفر إلى اليمن تحت غطاء دبلوماسي كويتي واشتبه فيه بعض ضباط الأمن في اليمن وقاموا بإلقاء القبض عليه وبتفتيش منزله عثر معه على أفلام وصور لبعض القطع الحربية التي تعبر من طريق باب المندب وعندما جرى اعتقاله واستجوابه قام باختلاق قصة أنه من دولة الكويت ويعمل في جريدة كويتية وقام رجال الأمن هناك بعمل تحريات عن هذا الاسم ولم يجدوا له أي بيانات فبدأت الشكوك تساور رجال الأمن.

وعلى الفور تم الاتصال بجهاز المخابرات المصرية، قبل أن يسافر ضابط المخابرات المصري رفعت جبريل إلى هناك، واستلمه منهم.

وأرسلت إسرائيل، وحدات كاملة وراء هذا الضابط المصري لإنقاذ ضابط الموساد وعبر الضابط المصري رفعت جبريل عن طريق الصحراء والوديان إلى أن وصل إلى البحر وهناك تم التقاطه بغواصة مصرية وكانت وراءه المقاتلات الإسرئيلية وبالرغم من ذلك لم يستطعوا إنقاذ ضابطهم.

رفضت المخابرات المصرية مقايضته بالعقيد السوفيتي، وضابط الكي جي بي الشهير "يوري لينوف" المعتقل في "إسرائيل" بتهمة التخابر، والتجسس لصالح المعسكر الأحمر.

لكن في 3 مارس 1974، تمت مبادلته بـ 65 فدائي فلسطيني من سكان الضفة، والقطاع.

واعترف الناطق بلسان جيش الاحتلال في بيانه الصادر في 4مارس 1974: "أنهم نفذوا عمليات فدائية، وأنشطة تجسس في غاية الخطورة لصالح المصريين".

لكن ما لم يذكره البيان العسكري الإسرائيلي، أن ضباط المخابرات العامة استلموا اثنين من أهم جواسيسنا "عبد الرحيم قرمان (عابد كرمان)"، و"توفيق فايد البطاح".

الثعلب يستريح

استراح الثعلب المصري، يوم 14 ديسمبر 2009، بعدما خرج من الخدمة برتبة فريق أول –بعدما رفض كثير من المناصب الهامة وفضل الحياة الريفية الهادئة"، إذ رأى أنه أدى رسالته في خدمة وطنه على أكمل وجه، ونال مناصب: "رئيس هيئة الأمن القومي، وكيل أول المخابرات العامة المصرية، مستشار مخابراتي لمصر في المملكة العربية السعودية"، كما حصل على "نواط الامتياز من الطبقة الأولى والثانية".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً