تزامنا مع الذكرى الخامسة لوفاة البابا شنودة الثالث، البابا رقم 117 في تاريخ الكنيسة، والذى اعتلى الكرسي البابوي عام 1971 واستمر في منصبه حتى وفاته في عام 2012 عن عمر ناهز 89 عامًا.
اشتهى "شنودة" حياة العزلة، فذهب إلى دير السريان ورسم راهبًا باسم "أنطونيوس السرياني" في يوم السبت 18 يوليو 1954، وقد قال أنه وجد في الرهبنة حياة مليئة بالحرية والنقاء.
وبعد سنة من رهبنته، تمت سيامته قسًا، وقد أمضي 10 سنوات بالدير دون أن يغادره سوى بإلحاح شديد عليه ليكون سكرتيرًا لبابا كيرلس السادس عام 1959م.
بعد نياحة البابا كيرلس السادس تم ترشيحه للجلوس علي الكرسي البابوى، واختارته القرعة الهيكلية ليكون بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية المائة والسابع عشر، وذلك في يوم الأحد 31 أكتوبر 1971م، وتم تتويجه وتجليسه علي الكرسي البابوي يوم الأحد 14 نوفمبر 1971م.
ولد البابا شنودة يوم الجمعة 3 أغسطس 1923م، بقرية سلام بمحافظة أسيوط من أبويين مسيحيين أرثوذكسيين، ودعي باسم "نظير جيد روفائيل" وأصيبت أمه بحمى النفاس فتوفيت بعد ولادته، فأرضعته سيدة مسلمة من أهل القرية.
ثم التحق بجامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة حاليا"، في قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير "ممتاز" عام 1947م، وفي نفس العام تخرج من كلية الضباط الاحتياط في العام ذاته وكان أول الخريجين.
1-شاعر الكتلة الوفدية
وفى 13 نوفمبر في "عيد الجهاد" كان نظير جيد ذاهب لمكرم عبيد في مكتبه ليلقي أمامه قصيدة وكان مكرم عبيد يعقد اجتماع كل شهر تقريبًا في ميدان باب الحديد فكان نظير يلقى خطبة حماسية وطنية في هذا الاجتماع وكان عنوان إحدى خطبه "الرسالة الموجهة إلى رفعة الرئيس الجليل مصطفى النحاس باشا" فقال له فيها: "الشعب منك تبرم وللإله تظلم وأنت في الحكم تلهو وفى الملأ تتحكم تلهو وتظهر نبلًا حتى أنبرى لك مكرم.
وكان مكرم عبيد يعرفه شخصيًا وخلع عليه لقب "شاعر الكتلة الوفدية" وكان البوليس السياسي حاضر أثناء إلقائه هذه القصيدة وفى اليوم التالي هاجم البيت وحطموا الأثاث يبحثون عن أشعاره المكتوبة وكان نظير يحفظ أشعاره في ذهنه فصعب عليهم أن يمسكوا مستندًا يدينوه به في ذلك الوقت.
2-البابا الشاعر والكاتب
بدأت التجربة الشعرية عنده مبكرًا، حيث كان عمره 14 سنة، وصقلها بدراسة الشعر وتفاعيله وبحوره عام 1939م؛ لقداسته 25 قصيدة روحية إلى جانب المئات من أبيات الشعر.
ومن أشهر قصائده غريب، أبواب الجحيم، الأمومة، كيف أنسي، كما بلغ عدد مؤلفاته حوالي 140 كتابا، ومن أشهر مؤلفاته، كلمة منفعة، سلسلة الحروب الروحية، المحبة قمة الفضائل، اللهو الإنسان، وترجمت العديد من مؤلفاته إلى أكثر من اثنتي عشر لغة.
يا حياتي كيف صرت ماذا أحكي؟ لست أدري كنت طفلا صرت كهلا..كيف مد الله عمري؟ كيف قاد الله خطوي وتولى الله أمري منذ أن كنت صبيا والي أن شاب شعري؟، بهذه الأبيات عبر البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة عن مشاعره في يوم تجليسه على الكرسي البابوي الثامن والثلاثين.
3-البابا الساخر
كثير من عظات البابا التي كان شعب الكنيسة يرسلون له أسئلة للإجابة عليها كانت فيها شيئا من الفكاهة تخفف عن الناس حزنهم، ومن ذلك عندما جاء له رجل يشكو لع أنه كثير النسيان مطالبا بالنصيحة لحل المشكلة، فقال البابا له: "خايف أقولك النهاردة تنسى بكرة".
وسأله شاب في أحد المرات:”ليه ربنا خلق الحيوان قبل الإنسان علشان الحيوان يخدم الإنسان؟ فأجاب البابا "مش معنى كده إن الستات تقول إن الراجل أتخلق قبل الست علشان يخدمها".
وذات مرة اشتكت سيدة ابنها لقداسة البابا وقالت له: "الواد مكفر سيئاتي أعمل إيه ؟ فقال لها: " طيب إنت ليه يكون عندك سيئات علشان يكفرها الواد".
4-من أقواله
- ولدت وتوفيت والدتي بعد ولادتي بأيام قليلة ولم أرضع منها، وكان لهذا شأن في حياتي لأن الحب الذي لا يأخذه الإنسان من الأم يأخذه من آلاف من الناس ونشأت بيني وبين أعداد لا أستطيع أن أحصيها علاقات محبة ليس من صغري فقط”.
- الخدمة في جوهرها تعبر عن الحب المختزن في القلب نحو الله والناس - نحب هذا الوطن وكل ما فيه.. نحب نيله وأراضيه..نحب أقباطه ومسلميه.
5-معاهدة السلام والسادات
رفض البابا شنودة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وهو ما تسبب في اضطراب العلاقة بينه وبين السادات، حيث كان يرى فيها شروطًا كبيرة كما أنها تؤدي إلى إخراج مصر من العالم العربي، ما جعل السادات يرى أن البابا يتحداه فقرر نفيه إلى دير وادي النطرون وتحمل البابا هذا الموقف بشجاعة.
6-حرب أكتوبر
قبل حرب أكتوبر 1973 تفقد البابا شنودة القوات المصرية وعمل لجان الدفاع الشعبي لمساندة القوات المسلحة التي كان خدم فيها ضابط بين صفوفها بعد تخرجه من كلية الآداب، وأثناء حرب أكتوبر كتب العديد من المقالات الوطنية لدعم الوطن والقوات المسلحة منها "إننا ندافع عن أراضينا" و"أرض سيناء مقبرة للإسرائيليين" و"الصهاينة أعداء المسيحية".
7-قالوا عنه
قال عنه الأديب نجيب محفوظ: "البابا شنودة دائما رجلًا صلبًا.. متفائلًا شديد الذكاء.. مصريًا عميق الأصل.. عربي الوجدان والتوجهات.. إنساني النزعة.. عالمي الأفق".
وقال فضيلة الشيخ الشعراوي: "يسعدكم الله.. ويسعد بكم.. رد الله عني تحياتك لي.. وسؤالك علي.. ومتعك الله بالصحة والعافية".
أما وزيرة الإعلام درية شرف الدين، فقالت في تصريحات سابقة: ”قداسة البابا محاورًا سياسيًا فذًا ومؤرخًا لتاريخ الكنيسة الشرقية ولتاريخ مصر والعالم“.
ونظم الكاتب الكبير إبراهيم الورداني “ملحمة الأب شنودة”، قال فيها: “ما أروعها إننا نكتشف معها زعيما مصريا من صلب هذا الشعب..يروض التاريخ المصري العريق ويذيب نتوءاته”.