19 مارس يوم خالد في تاريخ الشعب المصري يوم لا ينسى.. يوم استرداد طابا وعودتها إلى أحضان الوطن الأم يوم رُفع علم مصر خفاقًا فوق أرض طابا معلنًا للعالم أجمع استرداد آخر نقطة حدود مصرية واستكمال السيادة الكلية لمصر على سيناء ولنثبت للجميع أن مصر لا تترك شبرًا من أراضيها لغيرها يفرض سيادته عليه.
تحل اليوم الأحد الذكرى الثامنة والعشرين لـ عيد تحرير طابا في 19 مارس 1989 حيث رفع العلم المصري على تلك المنطقة في هذا التاريخ بعد معركة دبلوماسية وقانونية خاضتها مصر منذ تحرير سيناء "بدون طابا" في 25 إبريل عام 1982.
طابا هى آخر النقاط العمرانية المصرية على خليج العقبة، وتمثل أهمية استراتيجية وسياحية وتبعد عن مدينة شرم الشيخ حوالي 240 كم وتجاورها مدينة إيلات وتمثل المنطقة الواقعة بين طابا شمالًا وشرم الشيخ جنوبًا أهم مناطق الجذب والتنمية السياحية بجنوب شبه جزيرة سيناء، أما عن تاريخها فما قبل 1892 وبعدما توفي الخديوي توفيق، كان يتعين على الباب العالي أن يصدر فرمانا بتولي ابن الخديوي توفيق "عباس حلمي الثاني" عرش مصر.طابا نزاع عبر الأجيال ففي عام 1906 أثيرت قضية عرفت باسم قضية طابا، قررت الدولة العثمانية وضع عدد من الجنود ومدفعين على رأس طابا مدعية أن طابا ملكًا لها إلا أنها اضطرت أيضًا للتراجع وإخلاء الموقع، وقرر الاحتلال الانجليزي وضع حدود مرسومة ومعترف بها دوليًا لمصر التي كانت بالطبع تشمل طابا والمنطقة المطلة عليها من البحر.
وفي 1922 وبعد أن اعترفت إنجلترا بمصر كدولة مستقلة ذات سيادة في تصريح 28 فبراير، أعطيت الحدود طابعًا دوليًا كما أن قيام الانتداب البريطاني على فلسطين عزز هذه الحدود وسماها الحد الفاصل وفي 1956 وبعد خروج العدوان الثلاثي الذي شنته انجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر تم توقيع اتفاقيات للهدنة بين مصر وإسرائيل ووافقت إسرائيل على خط الهدنة الذي حدد خارج أراضي طابا والجزء المطل على البحر.استغرقت رحلة عودة طابا وقتًا طويلًا سياسيًا وعسكريًا ولقد امتدت تلك الرحلة لما يقرب من 22 عامًا بدأت خطواتها الأولى بعد أيام معدودة من نكسة 1967، وما تلا ذلك من احتلال كامل لتراب سيناء حيث شهدت جبهة القتال معارك شرسة خاصة خلال حرب الاستنزاف لتؤكد القوات المسلحة للإسرائيليين أن احتلال سيناء والأرض المصرية ثمنه غال جدًا وأنهم لن يتحملوا تكاليفه.
وفى السادس من أكتوبر 73 انطلق المارد ليعبر قناة السويس ويحطم خط بارليف ويحقق الانتصار وراء الانتصار على أرض سيناء ومع توقف القتال فى 28 أكتوبر 73 بدأت المباحثات التى لم تكن سهلة وتم التوقيع على اتفاق فض الاشتباك الأول والثانى لتأتى بعد ذلك مفاوضات السلام وكامب ديفيد حيث استجابت مصر لنداء السلام.وهكذا استعادت مصر بدماء وجهد وعرق وفكر المخلصين من أبنائها عبر الحرب والسلام والتفاوض أرضها المحتلة باستثناء طابا، إذ تلكأت إسرائيل كعادتها ولم تنسحب منها بحجة أن هذه المساحة 1020 مترًا لا تقع ضمن الأراضى المصرية.
وجاء أول إعلان عن مشكلة طابا فى مارس 1982 قبل شهر واحد من إتمام الانسحاب الإسرائيلى من سيناء عندما أعلن رئيس الجانب العسكرى المصرى فى اللجنة المصرية الإسرائيلية أن هناك خلافًا جذريًا حول بعض النقاط الحدودية خاصة العلامة 91، وحرصًا من القيادة السياسية المصرية على إتمام الانسحاب الإسرائيلى اتفق الجانبان على تأجيل الانسحاب من طابا وحل النزاع طبقًا لقواعد القانون الدولى وبنود اتفاقية السلام.وبالتحديد المادة السابعة التى تنص على أن تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة عن طريق المفاوضات وإذا لم يتيسر حل الخلاف يتجه للتوفيق أو التحكيم.
ونص الاتفاق المؤقت الذى وقعته مصر وإسرائيل على عدم قيام إسرائيل ببناء أية منشآت فى المنطقة لحين الفصل فى النزاع، ولكن إسرائيل حاولت فرض الأمر الواقع، فأعلنت فى 15 نوفمبر 1982 عن افتتاح فندق سونستا طابا وإنشاء قرية سياحية كما ماطلت فى اللجوء إلى التحكيم مطالبة بالتوافق وهو ما رفضته القيادة السياسية المصرية وأجبرت إسرائيل على قبول التحكيم فى يناير عام 1986 بعد أربع سنوات من المماطلة ودخل الجانبان فى مفاوضات لصياغة شروط التحكيم والتى انتهت فى سبتمبر من نفس العام.كانت مصر واثقة من حقها التاريخى فى طابا فاستخدمت كافة الوثائق الدبلوماسية والقانونية والمخطوطات النادرة لإثبات حقها، ومثلت الوثائق 61% من الأدلة المادية.وفى هذه الذكرى عاشت طابا من الاحتلال حتى التحرير ففي 5 يونيو 1967 احتلت إسرائيل سيناء بما فيها طابا وبعد حرب 6 أكتوبر وانتصار مصر فيها وبعد مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل، وفي 1979 وقع الرئيس السادات معاهدة "كامب ديفيد" التي تطالب إسرائيل الخروج من كل سيناء وفي 25 أبريل 1982 خرجت إسرئيل من كل سيناء ما عدا "طابا" إلى أن خرجت منها بعد جولات من المباحثات والتحكيم الدولي، وتم جلاء الإسرائيليين عنها في 19 مارس 1989 وقام الرئيس "حسني مبارك" برفع العلم عليها واعتبر هذا اليوم "عيد تحرير طابا".
وبمراجعة سريعة للأحداث نجد أن عملية الانسحاب الإسرائيلي من سيناء مرت بثلاث مراحل.. المرحلة الأولي: النتيجة العملية المباشرة للحرب والتي انتهت في عام 1975 بتحرير8000 كم مربع، وتطبيق السلام بين الطرفين وخلال هذه المرحلة تم استرداد منطقة المضايق الإستراتيجية وحقول البترول الغنية على الساحل الشرقي لخليج السويس.المرحلة الثانية: في الفترة من "1979 حتى 1982" وذلك في إطار معاهدة السلام وفيها انسحبت قوات الاحتلال بشكل كامل من خط العريش ورأس محمد وخلالها تم تحرير 32000 كم مربع من سيناء ليصبح إجمالي الأراضي المحررة 40000 كم مربع وتمثل ثلثي مساحة سيناء.أما المرحلة الثالثة والأخيرة: والتي تم خلالها انسحاب إسرائيل إلى خط الحدود الدولية الشرقية لمصر وتحرير21000 كم مربع من سيناء.
وفي يوم 25 إبريل 1982 تم تحرير كل شبر من سيناء، ذلك اليوم الذي تم تخصيصه للاحتفال بالعيد القومي لمحافظة شمال سيناء إلا منطقة أو مدينة "طابا" إذ تلكأت إسرائيل كعادتها ولم تنسحب منها بحجة أن هذه المساحة 1020 مترًا لا تقع ضمن الأراضي المصرية، وقتها شهدت مصر معارك دبلوماسية وسياسية لتحرير هذه البقعة استغرقت سبع سنوات من الجهد.وجاء أول إعلان عن مشكلة طابا في مارس 1982 قبل شهر واحد من إتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، عندما أعلن رئيس الجانب العسكري المصري في اللجنة المصرية الإسرائيلية أن هناك خلافًا جذريًا حول بعض النقاط الحدودية خاصة العلامة 91 وحرصًا من القيادة السياسية المصرية على إتمام الانسحاب الإسرائيلي اتفق الجانبان على تأجيل الانسحاب من طابا وحل النزاع طبقًا لقواعد القانون الدولي وبنود اتفاقية السلام، تحديدًا "المادة السابعة" والتي تنص على أن تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة عن طريق المفاوضات وإذا لم يتيسر حل الخلاف يتجه للتوفيق أو التحكيم.وظلت إسرائيل تماطل في عملية التفاوض والتحكيم لمدة أربع سنوات، إلى أن وافقت في نهاية الأمر وبعد الضغط من الجانب المصري والذي رفض التفريط في أي حبة رمل من رمال سيناء الغالية ووافقت على التحكيم في يناير عام 1986 ودخل الجانبان في مفاوضات لصياغة مشارطة التحكيم والتي انتهت في سبتمبر من نفس العام.كانت مصر وقتها واثقة من حقها التاريخي في طابا فاستخدمت كافّةً الوثائق الدبلوماسية والقانونية والمخطوطات النادرة لإثبات حقها، ومثلت الوثائق 61% من الأدلة المادية، وخاضت مصر معركة قانونية فريدة بتشكيل فريق وطني كامل ومتنوع من خيرة رجالها عكفوا على إعداد الدفوع والحجج القانونية الدولية اليقينية والوثائق الدامغة والخرائط ومن الدلائل التي مثلت وقتها تبعية "طابا" للأراضي المصرية، طبيعة المدينة نفسها حيث شجر "الدوم" الشهير والذي كان وقتها من أهم مميزاتها، وصور الجنود تحت ظله.ونجحت مصر في النهاية، وبعد العديد من المعارك القانونية والتي استمرت لوقت طويل في استعادة "طابا" بعد أن أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكمها في 27 سبتمبر 1988 بأحقية مصر في ممارسة السيادة على كامل ترابها، فقد تم إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر من مجموع 14 علامة بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد، وإثبات 4 علامات لصالح مصر بإجماع الأصوات الخمسة، وأمتد عمل هيئة الدفاع المصرية بعد صدور الحكم ومراوغات إسرائيل في التنفيذ إلى عقد جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم وتسليم طابا بمنشئاتها إلى مصر حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة بتسليم طابا في 15 مارس 1989 ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس.تمثلت دلائل تبعية طابا للأراضي المصرية في طبيعة المدينة نفسها حيث شجر "الدوم" الشهير والذي كان وقتها من أهم مميزاتها وصور الجنود تحت ظله والسجال الذي دار بين الدولة العثمانية وبريطانيا على حدود مصر، وتبقى فقط السؤال حول المواقع الحقيقية للعلامات الحدودية المتنازع عليها التي وصل عددها إلى 14 منها العلامة 91 والتي قامت إسرائيل بتحريكها.وتشكلت هيئة الدفاع المصرية من فريق قانوني وأساتذة تاريخ وجغرافيا ودبلوماسيين ذات ثقل وكذلك عدد من الخبراء العسكريين، قدموا آلاف الوثائق والأدلة التاريخية من المندوب السامي البريطاني والخارجية والمخابرات المصرية وتقارير مصلحة الحدود عام 1931.في ذكرى تحرير طابا يجب أن يتذكر المصريون بكل فخر تضحيات جيش مصر العظيم الذي رفض الهزيمة، وقاتل جنوده بقلوبهم وعقولهم وضحوا بحياتهم في سبيل الوطن وصون مقدساته، ويجب أن يتذكر المصريون أيضًا فريق الدفاع عن طابا الذي ضرب المثل في الوطنية وأعمال العقل في مواجهة عدو مراوغ لا يقبل ولا يعرف سوى لغة القوة. وعاشت مصر أفراحًا كبيرة بعودة طابا الحبيبة كاملة ليظل 19 مارس من كل عام عيد للمصريين عامة ولأهالى جنوب سيناء خاصة. وتتميز طابا بأهميتها الإستراتيجية فهى تقع على رأس خليج العقبة بين سلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية من جهة ومياه خليج العقبة من جهة أخرى وعلى بعد 7 كيلومترات من الميناء الإسرائيلى إيلات شرقًا وعلى بعد 245 كيلو مترا شمال شرقى شرم الشيخ، كما تقع طابا فى مواجهة الحدود السعودية فى اتجاه مباشر لمدينة تبوك، علاوة على تمتع أبارها بمخزون ضخم من المياه العذبة. وطابا مدينة حدودية تغلف الجبال منتجعاتها السياحية ويتكون شريطها الساحلى من عدد من الخلجان والبحيرات ومضيق، ومن أجمل المناظر الموجودة بالمنطقة قلعة صلاح الدين احدى القلاع الحصينة فى قلب خليج العقبة. وتعتبر ملحمة إستعادة طابا أبرز الملامح المصرية في العهد الحديث والتى فرضت نفسها على الوجدان المصرى.