حي الجمالية.. تحول للشعبي على يد المغول وشهد تأبين مقهى الفيشاوي

حي الجمالية.

يعد حي الجمالية مجمع تراث مدينة القاهرة العاصمة المصرية منذ بنائها، حيث يوجد به الأزهر و جامع الحاكم بأمر الله، والجامع الأقمر، كما يوجد به اسوار القاهرة و بواباتها، والمدارس الأيوبية والمملوكية، وخان الخليلي، والصاغة، والنحاسين.

يقال أن التسمية تنسب إلى الأمير بدر الدين الجمالي، وزير الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، الذي بنى الأسوار ذات الأبواب الحجرية حول القاهرة بعد أن تهدمت أسوار جوهر الصقلي، ولكن القصة الأقرب للواقع هي أن التسمية تعود إلى الأمير جمال الدين محمود الاستادار من عهد المماليك، الذي قام ببناء مدرسة من أكبر المدارس في المحروسة، وكانت تتميز بالمساحة الكبيرة، ومساحة حي الجمالية تمثل اثنان ونصف بالمائة من إجمالي مساحة القاهرة كلها نظرا لاتساعه، يحده من جهة الشرق جبل المقطم، و من الشمال حي الوايلي وحي الظاهر، ومن الغرب احياء باب الشعرية والموسكي، ومن الجنوب حي الدرب الاحمر.

يضم حي الجمالية 18 شياخة أهمها شياخة الجمالية وبرقوق وقايتباى والبندقدار والمنصورية والدراسة والعطوف وقصر الشوق والخواص وباب الفتوح وخان الخليلي والخرنفش و بين الصورين.

وشهد الحي نهاية الدولة الفاطمية عام 1171 على يد القائد العظيم صلاح الدين الايوبي، وتدهور معها أحوال الحي فاصبح مكان يسكن فيه عامة الشعب ولم يعد مكانا لتجمع السلاطين والأمراء كما كان في السابق.

كما كان الحي شاهدا على واحدة من المشاهد التاريخية الهامة حين انفصل أثناء الغزو المنغولي للشام فصيلة العويراتية الذين انفصلواعن هولاكو وكان عددهم عشرة الاف محارب، وقدموا للأقامة في مصر واختاروا حي الجمالية لهذا الغرض.

أسس الامير جهاركس الخليلي احد امراء الدولة المملوكية في عهد السلطان الظاهر برقوق حي خان الخليلي، على بقايا ترب الزعفران التي كانت موجودة في نفس المنطقة سابقا، ليكون جزءا مجاورا ومكملا لحي الجمالية، ويبتعد به عن الشكل الشعبي الذي اصبح عليه الوضع، ولكن لم تنجح المحاولة وظهرت الأزقة والحواري التي يسكنها عامة الشعب.

وكان الحي سبب في إلهام كثير من الأدباء والروائيين مثل العالمي نجيب محفوظ الذي ولد وترعرع في نفس المكان، وغيره من المشاهير الذين يدينوا بالفضل لهذا المكان العريق.

وتعتبر حارة بهاء الدين المعروفة الآن بشارع السيارج، والتي أقام فيها الحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني، وتلميذه الحافظ شمس الدين السخاوي، من أشهر البقاع في المنطقة، كما أن حارة برجوان التي تفتح على شارع المعز لدين الله كانت سببا في خروج عمل سينمائي يحمل نفس الإسم، والتي ولد وعاش فيها مؤرخ مصر المقريزي.

وفي الجهة الجنوبية لحي الجمالية، يوجد شارع بيت القاضي، وقد أوصل شارع الأزهر الذي شيد عام 1930م، حي الجمالية بأحياء عمرانية متطورة هي الأخرى مثل حي الأزبكية، والقاهرة الأوروبية التي خطط لها إسماعيل باشا، وألصقها بالحد الغربي للقاهرة القديمة.

ويعد المشهد الحسيني، هو الأشهر والأكثر تجلياً في القاهرة التي ترجع إلى العصر الفاطمي، فقد تم نقل رأس الحسين إليه عام 1154م، ولكنه أخذ في الاتساع والنمو منذ نهاية القرن التاسع عشر، ليتمكّن من احتواء جموع المصلين.

وفي وسط الجمالية، في شارع الدرب الأصفر، تقع واحدة من أجمل دور القاهرة الإسلامية الباقية إلى الآن، وهي الدار المعروفة بإسم بيت السحيمي، والتي أقامها في القرن السابع عشر الشيخ زين الدين عبد الحي الطبلاوي، وقد رممت هذه الدار في القرن الثامن عشر حيث سكنها الشيخ أحمد السحيمي، شيخ رواق الأتراك بالأزهر، الذي نسب إليه البيت.

ويحتفظ حي الجمالية بثلاث من بوابات الحارات القديمة التي كانت تغلق على سكان الحارة عقب صلاة العشاء، ولكل منها بواب مختص بها وهي بوابة حارة المبيطية، وبوابة حارة برجوان وبوابة الماضي.

وبدأ نجم مقهى الفيشاوي، وهو من أشهر الأماكن الموجودة في حي الجمالية، في الصعود منذ ثورة 1919، حيث اشتركت الجمالية في الثورة اشتراكاً واسعاً بما لديها من ميزة الجوار للأزهر، وبروز زعماء وطنيين من الحي، منهم الشيخ أحمد الزنكلاوي، والشيخ محمود أبو العيون، ومن هذا المقهى كان الخطباء يعلنون الاستقلال التام، أو الموت الزؤام.

وكان مقهى الفيشاوي شاهداً على ماض له دلالات ومغزى، إذ كان بين روادها أدباء، وشعراء، وسياسيون أشهرهم حافظ إبراهيم، والشاعر البائس عبد الحميد الديب، والزجال بيرم التونسي، وشيخ الملحنين زكريا أحمد، والثنائي الفكاهي حسين الفار وسلطان الجزار.

وفي عام 1968 تم وضع مشروع توسيع ميدان المشهد الحسيني فتقرر إزالة المقهى حيث انتقل مقهى الفيشاوي من مكانه القديم إلى مكان جديد على بعد أمتار قليلة ليطل على الميدان الكبير، وكان هدم مقهى الفيشاوي إشارة إلى مرحلة أخرى من مراحل حياة حي الجمالية، لذلك فهو المقهى الوحيد في العالم الذي خصص له حفل تأبين شارك فيه العديد من الشعراء والأدباء والنقاد والصحفيين والموسيقيين.

ومازال حي الجمالية حتى الآن يحتفظ بالعديد من العادات والتقاليد والحرف المصرية القديمة، لذلك قامت وزارة الثقافة بالتعاون مع الجانب الفرنسي بوضع مشروع للحفاظ على الطابع التاريخي والحضاري لهذا الحي، بعد أن بدأت الحياة العصرية تغزوه، وتكاد تغيّر من ملمحه المتميز.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً