ارتفعت حدة الهجوم التركي علي بعض الحكومات الأوروبية على خلفية منع وزراء أتراك من المشاركة في تجمعات مؤيدة للتعديلات الدستورية بتحول النظام التركي من البرلماني الي الرئاسي، في الوقت الذي سمحت فيه السلطات الألمانية لأنصار منظمة "بي كا كا"، التي تصنفها أنقرة والاتحاد الأوروبي وكذلك ألمانيا بالإرهابية.
كما سحبت هولندا السبت الماضي، تصريح هبوط طائرة وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلوا على أراضيها، ورفضت دخول وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية، فاطمة بتول صيان قايا، إلى مقر قنصلية بلادها في روتردام؛ لعقد لقاءات مع الجالية ودبلوماسيين أتراك، ثم أبعدتها إلى ألمانيا في وقت لاحق.
ارتفاع حدة التوتر بين المانيا وأنقرة
استنكرت وزارة الخارجية التركية اليوم السبت، سماح السلطات الألمانية لأنصار منظمة "بي كاكا"، بالتظاهر في مدينة فرانكفورت ضد الاستفتاء الذي ستشهده تركيا في 16 أبريل القادم.
ووصفت الخارجية التركية، في بيانها، تصرفات الحكومة الألمانية بأنها "مزدوجة المعايير" من حيث سماحها لأنصار المنظمة بالتظاهر، وعرقلتها لنواب أتراك في لقاء مواطنيهم بألمانيا. كما وصفتها بأنها حادثة "تدعو للاستغراب"، و"تدعو للتفكير على صعيد مكافحة الإرهاب". ولفتت إلى أن الإدانة تم إبلاغها لسفارة برلين في أنقرة.
كما أعلنت الرئاسة التركية أنها "تدين بأشد العبارات" السماح بهذه المظاهرة، وقالت "من غير المقبول رؤية رموز وشعارات حزب العمال الكردستاني بينما يمنع وزراء وبرلمانيون أتراك من الاجتماع بمواطنيهم".
وأضاف الناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين أن ألمانيا تعامل "الإرهابيين" كناشطين شرعيين في الوقت الذي تصف فيه اجتماع ساسة أتراك بمواطنين في ألمانيا بأنه "خطير".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اتهم الاثنين الماضي، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بـ "دعم الإرهابيين" والممارسات الألمانية بـ "النازية"، ورد الناطق باسم الحكومة الألمانية بوصف هذه الاتهامات بـ "السخيفة".
استحضار الخلافات التاريخية
اتهم الرئيس رجب طيب أردوغان الحكومات الأوروبية بالنازية والفاشية تعليقا علي منع مسؤولين أتراك من إقامة فعاليات مؤيدة للاستفتاء علي تعديلات دستورية في تركيا، وقال أكثر من مرة إن "هؤلاء هم فلول النازية هؤلاء هم الفاشيون"، موجها كلامه إلى المسؤولين الألمان والهولنديين.
وتعكس التصريحات النارية المتبادلة مخاوف الطرفين في ظل المتغيرات الداخلية التي يشهدها كل طرف وصعود النزعات الشعوبية ولا سيما بعد وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في واشنطن، وتداعيات هذا في صعود تيارات شعوبية متطرفة.
يأتي هذا بالتزامن مع تعاظم مخاوف الاوربيين من المسلمين وكره بشكل عام للأجانب وغضب من زيادة أعداد اللاجئين وارتباطها بأحزاب وأيدولوجيات في بلدانها الاصلية أكثر من ولائها لدولها الجديدة.
وتزايد ترويج الاعلام الأوروبي والغربي لفكرة أن أردوغان ليس سوي إسلامي خطير، يسعي إلى تأسيس دولة عثمانية جديدة، ولعل هذه الصورة كافية لإيقاظ الذاكرة الأوروبية وتوظيف هذه الصورة في الحملات الانتخابية بحثا عن الشعبية.
دور الاستحقاقات الانتخابية التوتر
الامر الذي لا ينبغي تجاهله في زحمة الاتهامات المتبادلة هو دور الاستحقاقات الداخلية -الاستفتاء في تركيا منتصف الشهر القادم والانتخابات في معظم الدول الأوروبية - ومحاولة كل طرف منهم اللعب علي دور النزعات الشعبية والعاطفية والقومية والاجتماعية والدينية للفوز بهذه الاستحقاقات.
ويبدو أن هذا الامر ذو أهمية بالغة لحزب العدالة والتنمية التركي، فتشير كل الاستطلاعات لتأييد أو رفض التعديلات الدستورية إلي تقارب نسبي، وتبدو أن أصوات الاتراك في الخارج مصيرية للحزب، إذا ما علمنا أن هناك مليوني ناخب في المانيا وحدها، ولربما هذا الامر الذي دفع أردوغان لرفع صوته عاليا في وجه الأوروبيين.
كما تنظر السلطات التركية بقلق إلي ولاء الجاليات التركية لحزب العدالة والتنمية والتوجه الإسلامي، ويدخل هذا في حسابات القادة الاوربيين واستغلال هذا للفوز بالانتخابات عبر كسب أصوات التيارات اليمينة.
كما تراقب أوروبا بدقة المشروع التركي الخاص الذي يسعى إليه أردوغان، وتقاربه المثير مع روسيا فلاديمير بوتين، وربما تطلعه للانضمام إلى منظمة شنغهاي، ويتزامن هذا مع مخاطر التفكك التي تواجه الاتحاد الأوروبي، وعليه فإن الأزمة الحالية توحي بصعوبة عودة العلاقة إلى ما كانت عليها حتى بعد الانتهاء من الاستحقاقات الانتخابية، خاصة أن المتغيرات الداخلية قد تزيد حدة التوتر والصدام على أرضية التناقض الحضاري والسياسي.
مستقبل العلاقات التركية الأوروبية
منذ الانقلاب التركي الفاشل تبدو العلاقات التركية الأوروبية وكأنها أمام سلسلة من التراكمات الكفيلة بتأزيمها، إذ سرعان ما تأخذ الأمور منحني تصاعدي ثم تتحول الي إجراءات وتشكيك على حساب المصالح الحيوية للطرفين.
ويبدو أن عضوية تركيا في الحلف الأطلسي ومساعيها للانضمام الي للاتحاد الأوروبي وعلاقتها العسكرية والاقتصادية مع دول أوروبا، ولاسيما ألمانيا التي هي الشريك التجاري الأول لها إذ يتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 35 مليار دولار، كل هذا وأكثر أصبح في مهب الريح نظرا للتوتر الشديد بين الجانبين.
فتركيا تتهم ألمانيا بدعم حزب العمال الكردستاني المصنف تركيًا وأوروبيا وأميركيا في قائمة الإرهاب، وكذلك دعم حليفه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية، وبمحاولة النيل من تركيا عبر اعتراف العديد من البرلمانات الأوروبية بما يسمى "الإبادة الأرمنية".
وكذلك قرار هذه البرلمانات وقف مفاوضات العضوية التركية، ومنح السلطات الأوروبية اللجوء السياسي للعديد من الضباط الأتراك المتورطين في الانقلاب العسكري الفاشل، وممارسة إجراءات عنصرية ضد المسلمين ومؤسساتهم في العديد من الدول الأوروبية.
أما أوروبا فتتهم حكومة أنقرة بمصادرة الحريات والتضييق على المؤسسات الإعلامية، واعتقال البرلمانيين والناشطين الكرد وممارسة الحكم الشمولي.