لحظات من الرعب يعيشها آلاف التلاميذ والأطفال وأهالى قرية شباس الشهداء بشكل دائم، فالقرية التى تُعد من أكبر قرى مركز دسوق التابع لمحافظة كفر الشيخ، والتى يبلغ عدد سكانها أكثر من 50 ألف نسمة وتضم 8 مدارس ومعاهد أزهرية مختلفة، تعيش فى خطر دائم لاختراق شريط السكة الحديد لها وتقسيمها لنصفين.
تنطلق أصوات جرس الإنذار من المزلقان الذى يقع فى أول القرية، مُعلنة قدوم القطار فتهرول السيدات إلى شريط السكة الحديد كى تطمئن أن أولادهن بمنأى عنه، كما يسرع الرجال نحو بوابات المعاهد الأزهرية والمدارس التى تبعد 6 إلى 15 مترا فقط عن هذا المارد الحديدى كى يطمئنوا أن أطفالهم داخل فصولهم، "صافرات القطار" التى تنطلق من مزلقان أول القرية لتصل إلى آخرها، تُعد إنذارا أخيرا للأمهات قبل الموت.
4 من مديرى المدارس التى تقع على بعد أمتار قليلة من شريط السكة الحديد، يؤكدون أنهم يعيشون فى خطر دائم ويخافون على التلاميذ أثناء عبورهم الشريط، حيث أن القطار يعبر بمعدل كل ساعة ونصف ما يتسبب فى عدم تعليم الأطفال جيدا بسبب إزعاج صافرات القطارات والتزاحم، حيث أن القرية تُعد محطة رئيسية للعبور إلى عدد من القرى بين مركزى دسوق وقلين.
أكد مديرو المدارس أنهم خاطبوا رئيس القرية بشكل رسمى لكى يقوم بدوره بمخاطبة الهيئة القومية لسكك حديد مصر لحماية الأطفال من المخاطر التى يتعرضون لها إلا أن تلك المخاطبات ظلت حبيسة الأدراج.
عطية عليبة مدير مدرسة الوحدة الابتدائية والتى تبعد 6 أمتار عن شريط السكة الحديد يؤكد أن موعد خروج الطلاب من المدرسة هو نفسه موعد مرور قطار دمنهور - قلين مما يشكل خطرا كبيرا على التلاميذ حيث أن المدارس مواجهة لشريط السكة الحديد.
وأضاف فى خطابه للوحدة المحلية بقرية شباس الشهداء، أن هذا الخطر مستمر على مدار الأسبوع مؤكدًا على ضروة تدخل المسؤلين فى أسرع وقت ممكن حتى لا تحدث كارثة حقيقية.
أكد عاطف أبو معبد، أحد أولياء الأمور، أنه يقوم يوميًا هو أو زوجته بتوصيل نجله إلى المدرسة حتى لا يتعرض للمخاطر نتيجة المرور على قضبان السكك الحديد، مشيرًا إلى أنه يخاف عليه من عبور شريط القطار بمفرده، بعد تكرار الحوادث بشكل مستمر أدت في بعض الأحيان إلى وفاة أو عجز أبناء القرية أثناء العبور.
تساءل أبو معبد قائلًا "كيف لشريط سكة حديد أن يقسم قرية نصفين، وكيف تكون المدارس والمعاهد مواجهة لهذا المارد الحديدى؟، مشيرًا إلى أنهم خاطبوا المسؤلين كثيرا لسرعة التحرك وإنقاذ آلاف الأطفال لكن دون جدوى.
أحمد محسن عليبة، تلميذ بالصف الثانى الابتدائى، يؤكد أنه يستيقظ مبكرًا، يحمل حقيبته المليئة بكتبه وكراساته، ينتظر والدته لتقوم بتوصيله إلى مدرسته التى تبعد أمتار قليلة عن شريط السكة الحديد خوفا من خطر القطار الذى يمر فى وقت عبور التلاميذ لمدارسهم.
يروى أحمد شهادته عن هذا الخطر الذي يُداهم الأطفال قائلًا "بشوف حوادث بتحصل قدامى، القطر بيبقى معدى وناس تجرى بسرعة علشان تعدى الجهة التانية ففى بعضهم بتسقط رجله بين عجلات القطار وفى أشخاص اتقطع رجليها قبل كده، وفى ناس ماتت،احنا عايشين فى رعب علطول، دا حتى صفارات القطارات بترعبنا لأنها مزعجة".
أضاف أحمد قائلًا" كل يوم بانتظر ماما أو بابا علشان يوصلونى للمدرسة وأوقات بروح لوحدى بعد القطر ما يعدى أو قبله بس احنا بنبقى قاعدين فى الفصول مش بنفهم حاجة من إزعاج القطر اللى بيعدى مرتين أو تلاتة أثناء اليوم الدراسى".
كما تابع محمد عبود، أحد سكان القرية قائلًا "إن مطالبهم حق مشروع لهم وهو حماية أبناءهم، مطالبًا بعمل أسلاك شائكة على امتداد السكة الحديد لحماية الأطفال وتوفير نوع من الأمان للجميع وهذا لن يكلف الدولة كثيرًا.
وأكد سامى البرنس: إننا كأهالي وأولياء أمور للعديد من الطلاب نعيش حالة من الرعب يوميًا أثناء ذهاب وخروج أطفالنا من المدارس، وبعض أولياء الأمور يعطل أعماله فيذهب لتوصيل أبنائه يوميًا صباحًا وحين انتهاء اليوم الدراسي، ما يؤثر على الدخل اليومي له ويقلل من قدرته الإنتاجية.
وروى البرنس قصة مصرع الطالبة دينا،ع،ا، التى تبلغ من العمر 17عامًا طالبة من أبناء القرية عقب سقوطها بين عجلات القطار فى المحطة منذ أشهر قليلة، مؤكدا على حالة الحزن الذى يعيشها أهالى القرية جراء حالات الحوادث الكثيرة.
محمد كرسون، مدرس بأحد مدارس القرية التى تبعد 6 أمتار عن شريط السكة الحديد، هذا الرجل الذى يبلغ من العمر 42 عامًا، يخرج من مدرسته مسرعًا تنطلق صرخة مدوية من حنجرته، خطوات تفصل بين القطار المسرع والطفل الصغير الذى يخرج من المدرسة، يُسرع كرسون نحو القضبان ويلتقط الطفل بعيدا عن شريط السكة الحديد، هذا مشهد حقيقى يتكرر على فترات متعاقبة،على حد قوله.
"حاسب ياحبيبى..القطر ياحبايبى..عدوا براحة" كلمات يطلقها هذا المعلم الأربعينى كل يوم صباحا ومساء لينبه الأطفال أثناء عبورهم شريط السكة الحديد، يترقب وصولهم لمدرستهم وخروجهم منها متجهين لمنازلهم، يروى هذا المدرس واقعة عبور طفلين منذ أيام إذ فجأة قدم القطار بدون إطلاق صافراته، لحظات قليلة وأمتار أقل تفصل هذين الطفلين عن القطار، يهرول مسرعا لمحاولة إنقاذهما محاولا طرحهما إلى خارج الشريط إلا أنهم سقطوا جميعًا على الأرض لولا أن إرادة الله هى التى أنقذتهم.
يؤكد المدرس قائلًا" لحظات قليلة هى التى كانت تفصلنى عن الموت وبعد نجاتى أنا والطفلين حمدت الله لكننى أطالب المسؤلين بالتحرك وأن يرحموا كل أبناء القرية من تلك المعاناة التى تسببت فى إصابة العشرات من أبنائها بالبتر أو الإعاقة جراء الحوادث.
صلاح الشيخ، مدير مدرسة شباس الشهداء الجديدة للغات، يذهب يوميًا قبل انتهاء اليوم الدراسى بدقائق ليطمئن من أحد العاملين ببرج المراقبة عن موعد قدوم القطار، حتى يتثنى له إخراج الأطفال من المدرسة أو الانتظار، يستمع المدير إلى صوت متقطع يدوى داخل أنحاء غرفة المراقبة، التى تصدرتها أجهزة كثيرة، يعقبه نداء صادر من جهاز لاسلكى أحد العاملين ببرج المراقبة لتبدأ اتصالات متبادلة بينه وبين سائق جرار القطار، وقتها يتيقن مدير المدرسة بقدوم القطار فيعود إلى مدرسته مُصدرا أمرا بعدم فتح البوابة لخروج الأطفال إلا بعد عبور القطار خوفا على حياتهم.
يتابع الشيخ قائلًا: "بنحاول على قد ما نقدر نحمى ولادنا ولكن لاندرى فمن الممكن قدوم القطار فى أى لحظة بعد خروج الطلاب مما يجعلنا جميعًا فى حالة من الخوف والذعر يوميًا من المجهول الذى ينتظرنا أو ينتظر أبناءنا.
يارا حمادة البرنس، تلك الطفلة الصغيرة التى تبلغ من العمر 10 أعوام وتلميذة بالصف الرابع الابتدائى، لم تتفهم معنى كلمة "الخطر"، فتندفع بخطوات مسرعة عابرة شريط السكة الحديد عقب خروجها من المدرسة خوفًا من لحاق القطار بها ودهسها، بكلمات بسيطة عبرت يارا عن رعبها موجهة حديثها للمسؤلين قائلة" ارحمونا من لحظات الرعب، أنا ببقى خايفة وأنا بعدى الشريط ومرة رجلى وقعت بين الحديد وأصحابى خرجونى وكنت خايفة القطر يجى يموتنى".
أشار أحمد سحالى، مدير مدرسة المستشار عبد السلام ليمونة الإعدادية بنات بالقرية، إلى أنه خاطب الجهات الرسمية لبناء سور حول شريط السكة الحديد وعمل كوبرى مشاة لعبور آلاف الطلاب من أبناء القرية بدلًا من عبورهم الشريط الحديدى مما يؤدى لوقوع حوادث كثيرة.
كما أكد حمادة البرنس، أحد أبناء القرية، أنهم خاطبوا المسؤلين كثيرًا لتحويل مسار القطارات ولكن دون جدوى، قائلًا "لم تنته الحوادث التي تتكرر باستمرار نتيجة عدم اهتمام المسئولين وكأن القطار يمر في صحراء لا يسكنها أحد، وكذلك لا يحصل أحد على تعويضات إذا رغب فيها، ومعظم الناس لا يطلبون هذه التعويضات لأنها في طبعنا نوع من الحرام أو العيب ويستمر الوضع المأساوي ليحصد القطار أطراف الصغار والكبار.
أضاف البرنس، قائلًا: "نستغيث بالرئيس السيسى واللواء السيد نصر، محافظ كفر الشيخ، لحماية أبنائنا من المخاطر التي يتعرضون لها يوميًا، مطالبًا بعمل أسلاك شائكة كحد أدنى لحماية أبنائهم.