يبدو أن حلم ترامب في تأسيس ناتو عربي جديد، لمحاربة النفوذ الإيراني من ناحية، والتصدي للجماعات الإرهابية من ناحية أخرى، ومنها تنظيم الدولة "داعش" من ناحية أخرى، قارب التحقق، خاصة مع التطورات التي طرأت على الساحة العربية مؤخرا، ومنها التقارب المصري الخليجي، ومهاجمة مصر لإيران المستمر في تدخلها في شؤون البلاد، ودعمها المستمر لجماعة الحوثيين في اليمن، مما يعطي دلالات واضحة حول تلاقى وجهات النظر لانشاء "الناتو العربي".
وفي فبراير الماضي، أشارت تقارير صحفية، إلى اتجاه الحكومة الأمريكية بقيادة "ترامب" لتأسيس ناتو عربي، يضم تحالفات عسكرية مشتركة من الدول العربية، على رأسها مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وذلك للتصدي للنفوذ الإيراني، ومجابهة الجماعات الإرهابية التي تمثل خطرا داهما للشرق الأوسط أجمع.
خلال الفترة الماضية، كانت العلاقات المصرية غير مستقرة مع دول الخليج، خاصة السعودية، والتي مرت علاقتها بمصر ببعض الأزمات، في إطار الملفات الإقليمية المشتعلة، وعلى رأسها رفض مصر المشاركة في عاصفة الحزم، وموقفها من الحرب في سوريا، إلى جانب توقف شركات البترول السعودية عن التصدير لمصر، كما أن أزمة جزيرتي تيران وصنافير، زادت الأمور تعقيدا نوعا ما.
عودة مصر إلى قلب الخليج كانت سريعة للغاية، والذي أثارته "أهل مصر" في تحقيقها المنشور منذ أيام، فلم تمر إلا شهور حتى استأنفت مصر علاقتها مع السعودية والإمارات، وغيرها من دول الخليج العربي، من خلال المحادثات المباشرة، والعمل المشترك لدفع عجلة الاستثمار، إلى جانب مشاركة مصر في المناورات العسكرية المشتركة "زايد 2" و"حمد 2"، ومؤخرا استئناف شركة البترول السعودية "ارامكو" إرسال شحناتها إلى مصر، بعد توقف دام أكثر من شهر.
ومع استمرار المباحثات الأمريكية مع مصر، والتقارب في العلاقات الذي بدى مؤخرا، يبدو أن العوامل جميعها تقود ترامب لتحقيق حلم الناتو العربي، حتى وإن كان من بين أهدافه، تحقيق مصلحة أمريكا العليا، بعد صراعه الأخير مع إيران، وتبادل الهجوم من خلال التصريحات المتتالية، آخرها تصريحات روحاني ضد الرئيس الأمريكي "ترامب" عندما أعلن في أحد خطاباته "سنجعل واشنطن تندم على لغة التهديدات".
الأمر في مضمونه، يحمل اتجاهات مختلفة ربما تكون معلنة حينا، وغير معلنه أحيانا أخرى، فتوجهات ترامب لتأسيس الناتو العربي، ربما تحمل في طياتها نوايا خفية، نحو مزيد من التحرك في سوريا واليمن، وخلق عاصفة جديدة، تشابه في أهدافها عاصفة لحزم، إلا أنها ستكون أشد بأسا وقوة، خاصة إذا ما وافقت مصر على الدخول في الحرب الدائرة في البلدين من خلال الناتو الجديد.
مصر كان موقفها من الحرب في اليمن وسوريا وليبا، مختلف إلى حد كبير مع اتجاهات السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن وقطر، حيث فضلت مصر الحل السياسي، وعدم المشاركة بقوات قتالية والاكتفاء بحماية الحدود في تلك البلاد، ومنها مضيق باب المندب، حيث نشرت مصر مايقرب من 4 سفن حربية وفرقاطة حربية، كما أن الرئيس السيسي أعلن في وقت سابق، أنه لايريد الدخول في حروب لا يعلم مصيرها، ولا مصير البلاد المستهدفة، مشيرا إلى أن الحل السياسي في تلك الدول وخاصة ليبيا هو الأقرب والأفضل، خوفا من التقسيم وإلحاق أضرار لا تحصى ولا يمكن توقعها في تلك البلاد، كما أن انشغال مصر، بالتصدي للهجمات الإرهابية في سيناء ومحافظاتها المختلفة، كان مقيدا لمصر في تحركاتها الخارجية.
التقارب المصري السعودي، والأمريكي، والخليجي بشكل عام، خلال الفترة الحالية، وشن المسؤولين المصريين هجوما حادا على انتهاكات إيران، وهجمات الحوثيون في اليمن، ربما يرسم القليل من ملامح الفترة المقبلة، والسؤال الآن هل يمكن لمصر أن تغير من توجهاتها في سوريا واليمن وليبيا في حالة تأسيس الناتو العربي؟.
في سياق متصل، يقول الخبير العسكري، جمال مظلوم، إن التقارب المصري الخليجي في الفترة الحالية، هو نتيجة التطورات التي طرأت على الساحة العربية والعالمية مؤخرا، خاصة تزايد الخطر الإرهابي في الشرق الأوسط كافة، مشيرًا إلى أن التصالح كان واجبا وضرورة حتمية على الجانبين، لأسباب عدة منها، ماهو عسكري وسياسي واقتصادي.
وتابع مظلوم، في تصريحات خاصة لـ "أهل مصر"، أن مؤشرات تأسيس ناتو عربي، باتت واضحة للغاية، وأعلنت أهدافها بشكل كبير خاصة كقوة موحدة في وجه النفوذ الإيراني، لافتا إلى أن انضمام مصر للناتو أمر غير معلن حى الآن، وغير واضح المعالم، فربما يدفع الضغط الأمريكي، والخليجي على مصر، إلى موافقتها على الدخول ضمن الناتو الجديد، وخاصة مع تزايد الهجمات الإرهابية في مصر الفترة الماضية، إلا أن تغيير موقف مصر للحرب في سوريا وليبا، أمر غير مطروح في الوقت الراهن، لكن الأقرب حاليا أمام مصر هو الملف اليمني، فيمكن لمصر إذا ما شاركت في تأسيس الناتو، تغير وجهتها في أزمة اليمن، وذلك بسبب تزايد النفوذ الإيراني بها.
وفي سياق متصل، يقول الدكتور، أيمن محمود، أستاذ العلوم السياسية، إن موقف مصر من الناتو العربي، وإن بدا قريبا، فلا تزال تحفظاتها على الحرب الدائرة في سوريا واليمن وليبيا حائلا أمام تأسيس الناتو، فتوجهات المسؤولين في مصر تفضل الحل السياسي دون التدخل العسكري، مشيرا إلى أن مصر لديها من المهام العسكرية الداخلية، خاصة في حربها على الإرهاب في سيناء والمحافظات المختلفة، ما يمكنه أن يعرقل فكرة انضمامها للناتو الجديد، مشيرا إلى أن التقارب المصري الخليجي حاليا، هو أمر طبيعي، وإن كان له دلالات أو معطيات تختلف عن الفترات الماضية، ولكن للتصالح أكثر من وجه، وبالتأكيد ليس العسكري فقط، بل إن هناك أهداف سياسية ودبلوماسية دفعت إلى هذا التصالح.
وتابع محمود، في تصريحات خاصة لـ "أهل مصر"، أن مصر تدرك جيدًا حجم المخاطر الإرهابية في المنطقة، ولكن موقفها من التدخل العسكري، كان محملا بالمخاوف، فالتقسيم والدمار الذي ربما يلحق، أو بالتأكيد سيلحق بالبلاد المستهدفة، سيخدم الجماعات المسلحة هناك، ويدخلنا في حروب طويلة الأمد، وتحتاج لجهود مكثفة، ربما تستنذف قدرات القوات المقاتلة، في حين تتصاعد العمليات الإرهابية بشكل يومي داخل مصر.
واستبعد اللواء عادل سليمان، الخبير العسكري، فكرة انضمام مصر للناتو العربي في حال تأسيسه، حيث إن أولوية مصر حاليا تطلب التركيز في الشأن الداخلي، والحد من تكاثر وتزايد أعداد الجماعات الإرهابية داخلها، مؤكدا ان موقف مصر في الحرب في اليمن وسوريا وليبيا لن يتغير، أيان كانت النتيجة، أو الدوافع، مؤكدا أن التحالف، أن تم تأسيسه، لن يكون له تواجد بشكل أساسي في الصراعات في المنطقة، نظرا لتزاخم القضايا والشؤون الداخلية للبلاد المتوقع دخولها في التحالف.