في مثل هذا اليوم، قبل 414 عاما، شيع العالم جثمان إليزابيث الأولى، الملكة الحاكمة لإنجلترا، وأيرلندا من 17 نوفمبر 1558م حتى وفاتها في 24 مارس 1603.
ابنة الملك!
اختلفت الروايات والقصص حول الملكة إليزابيث الأولى التي حكمت إنجلترا ولم تتزوج قط ولم تترك من يخلفها، وبها انتهى عهد سلالة تيودور، فمن أهم القصص والنظريات التي أثيرت، أنها كانت رجلا ولم تكن ابنة الملك، وابنة الملك الحقيقية توفيت بمرض الطاعون وخشي المربيات من غضب الملك فقاموا باستبدالها بابنة خادمة في القصر واستغلوا عدم رؤية الملك لها منذ أن كانت في عمر الثالثة.
فطنة غير معهودة
حكمت الملكة إليزابيث الأولى بيد من حديد لمدة 45 عامًا، وكشف الكاتب برام ستوكر في كتابه "قصة التبديل"، عن قرارات تعسفية وعقل حاد وفطنة غير معهودة للنساء، أجبرت الرأي العام على الشك حول جنس الملكة إليزابيث.
مصدر الإلهام
في بداية القرن العشرين، بحث الكاتب برام ستوكر مع صديقه الممثل هنري آيرفينج، عن منزل صيفي في مناطق كوتسولد الخلابة، ولدى وصولهما إلى قرية بيسلي لرؤية منزل، صادف وجودهما عرض مسرحي بعنوان "يوم الملكة" حيث لعب أحد الصبية دور الأميرة الشابة وهو مرتدي زي من عهد حكم الملكة إليزابيث.
وأثار الفنان الشاب اهتمام الكاتب وصديقه وسألا سكان القرية عن سبب قيام فتى بلعب دور الأميرة الفتاة؟!. وجاء الرد بقصة مثيرة للاهتمام
الأسطورة تقول
وفقًا للأسطورة فقد نقلت إليزابيث التي كانت في العاشرة من عمرها إلى قرية بيسلي عام 1543 بعيدًا عن الطاعون الذي كان منتشرًا آنذاك في لندن، ولكن ولسخرية القدر مرضت الأميرة، وتوفيت بعد فترة وجيزة، وشعر المربيات بخوف كبير لدى انتظارهن وصول الملك هنري الثامن من أن يكون العقاب صارمًا، لذا قمن بإخفاء جثة الفتاة وهرعن للبحث في القرى المجاورة عن فتاة تشبهها تمامًا.
كن يعولن على استبدال إليزابيث بطفلة تشبهها على أن يخبرن الملك بما حصل بعد رحيله في أمل أن يتجنبن العقاب الشديد. ولكن لم يؤت البحث ثماره ولم يتمكن من العثور على فتاة مناسبة لاستبدالها بالأميرة، لذا تقرر استبدالها بفتى من عمرها كان يعيش في المنزل نفسه.
لم يكن اختيار المربيات محض صدفة، فقد كان للملك جاريات يلدن منه أطفالًا غير شرعيين والذين كانوا محرومين من حقهم في العرش، وكان يسمح لهؤلاء الأطفال العيش مع أطفال الملك الشرعيين، ولهذا كان نيفيل، اسم الابن غير الشرعي لهنري الثامن، يشبه إلى حد بعيد إليزابيث بشعرها الأشقر وبعمرها وبطولها.
جدير بالذكر أن الملك هنري كان قد رأى ابنته آخر مرة وهي في الثالثة من عمرها وكانت تخاف منه كثيرًا ولهذا لم تنشأ علاقة حميمة مع والدها. على كل حال لم يلحظ الملك المتسلط عملية التغيير هذه ونجحت الخطة حتى أنه لم يعرف الحقيقة طيلة حياته.
الحاشية
وأكدت حاشية الملكة، أن المربيات كن يحافظن بعلاقتهن الوطيدة مع إليزابيث، حتى بعد أن أصبحت بغنى عن خدماتهن، على خلاف ما كان متعارف عليه آنذاك.
وكتب السير روبرت تيرويت لإدوارد سيمور عام 1549، قائلًا: "أنا واثق بأن هناك سرًا بين السيدة كيت إشلي مربية إليزابيث والسيد توماس بيري وبلانش بيري لن يعترفوا به طيلة حياتهم"، إذ كانت إليزابيث تبقيهم إلى جانبها وتغدقهم بالأموال طيلة حياتهم.
كيف يبدو الرجل أنثى؟
الأمر الآخر الذي كان يثير تساؤلات كبيرة هو مظهر إليزابيث، فقد كان معروفًا أنها كانت تستخدم طبقة سميكة من مستحضرات التجميل، ربما لإخفاء بشرتها وأثار حلاقة ذقنها. كما كانت ترتدي شعر مستعار لأنها كما يشير البعض فقدت شعرها إلى حد الصلع عندما أصبحت في منتصف العمر، بالإضافة إلى أن إليزابيث نشرت موضة القبة الطويلة التي تتألف من عدة طبقات وكانت تخفي منطقة الكتفين.
وصية الموت!
وعندما كان الفنانون يرسمون لوحاتها كانت الملكة ترتدي دائمًا ملابس غير مكشوفة ومجوهرات ثقيلة حول عنقها، وبالمناسبة حظرت في وصيتها أن يتم الكشف عن جسدها بعد موتها.
الملكة العذراء
يمكن القول إن الحجة الكبرى لمؤيدي الفرضية التي تقول أن الملكة كانت رجلًا مقنعًا هي عدم زواجها.
فبعد اعتلائها العرش وهي في الخامسة والعشرين من عمرها كان بإمكانها اختيار زوجًا أجنبيًا أو الزواج من أحد نبلاء انكلترا لتلد منه وريثًا لمواصلة حكم سلالة تيودور على الأقل هذه كانت رغبة والدها قبل وفاته.
لكنها بقيت عزباء، ولهذا انتشرت شائعات في أوروبا تقول بأن إليزابيث لا يمكنها أن تنجب الأطفال.
وفي شهر أبريل من عام 1559 كتب مبعوث الأمير الإسباني فيريا عن لسان الأمير قائلًا: "إذا صدق جواسيسي، وأنا أعتقد بأنهم لن يكذبوا لسبب من الأسباب، فإن ما قالوا لي مؤخرًا يثبت بأن إليزابيث لن يكون لها أطفالًا".
وفي عام 1588 عندما توجهت جيوش أرمادا الإسبانية التي لا تقهر باتجاه الجزر البريطانية، تحدثت الملكة إليزابيث لقواتها قائلة: "أنا أدرك بأن جسدي هو جسم امرأة ضعيفة، لكن قلبي قلب ملك انجلترا".
إرادة الرجال
وبعد عام 1543 تغير خط وأسلوب كتابة الأميرة، فقد كتب روجر ايشيما المربي والعالم ورئيس جامعة ستراسبورج عام 1550 بأن عقل الأميرة تغير وتبدل وتحرر من التفكير الأنثوي بشكل عجيب فقد كانت تتمتع بإرادة الرجال، وقد لاحظ العالم نجاحات لا تصدق لتعلم إليزابيث اللغات الفرنسية والإيطالية واليونانية واللاتينية، مؤكدًا أن السيدة الشابة لا تبالي تمامًا للزينة والمجوهرات ولا للمظهر الخارجي وكانت تتصرف أشبه بسلوك الفتيان من الفتيات.
ما جهله برام ستوكر
في نهاية القرن التاسع عشر حدث شيء كان يجهله الكاتب برام ستوكر، ففي عام 1870 قرر المالكون الجدد لقصر أوفر كورت التخلص من الحجارة القديمة وأرضية القصر، ولهذا بدأت عملية الترميم قام عمال البناء خلالها بنشل صندوق لم تلمسه يد إنسان منذ مئات السنين. وكان الصندوق مغطى بالطحالب، وعندما فتح فوجئ الجميع بوجود رفات لفتاة مراهقة كانت ترتدي ثيابًا من الحرير والديباج الرقيق.
وبعد إجراء دراسات على هذه الرفات تبين أن الفتاة عاشت في عهد سلالة تيودور وأن عمرها كان 11 عامًا وقت وفاتها. جدير بالذكر أن التابوت الحجري كان مطمورًا في الحديقة تحت نافذة غرفة الأميرة.
وقد أكد القس توماس كيبل الذي حضر عملية تشريح الجثة وهو شخص في غاية من الجدية بأن الفتاة هذه هي ابنة هنري الثامن، ولذلك قام القس بدفن الرفات مرة أخرى لكن القبر الجديد فقد بشكل مقصود مع مرور الوقت.
بالمناسبة بعد إصدار برام ستوكر لكتابه هذا تعالت أصوات تطالب بنبش رفات الملكة إليزابيث التي ترقد في كنيسة ويست مينسيرسك لإجراء فحوص على الجثة، إلا أن العائلة المالكة رفضت رفضًا قاطعًا إجراء أي تحقيقات حول ذلك تاركة الباب مفتوحًا أمام الشائعات والتكهنات.
ربما بمساعدة كتاب "قصة التبديل" يحاول أتباع هذه النظرية شرح استحالة قدرة النساء على حكم البلاد بهذه الصورة التي تألقت بها الملكة. رغم كل هذا يبقى هذا السر العميق "غير مكتشف حتى الآن"، وحتى ذلك الحين يعتبر الكثيرون ما تم ذكره من دلائل عبارة عن محض خيال فاضح.