هل تتصور أن يكون فن خيال الظل مظهرا من مظاهر الاحتفال في حفلات الزواج والختان وغيرها من المناسبات السعيدة التي مرت على المصريين باختلاف العصور، كما أنه الفن الذي كان يقبل عليه كل طبقات الشعب الاجتماعية والثقافية بغرض الترفيه.
وخيال الظل أو شخوص الخيال هو فن شعبي انتقل إلى العالم الإسلامي من الصين أو الهند عن طريق بلاد فارس، واشتهر به العصر المملوكي، وهو يعتمد على دمى من الجلد المجفف ذات الألوان المتباينة، وتتراوح أطوالها بين ثلاثين وخمسين سنتيمتراً، ويتم تحريكها بعصا وراء ستار من القماش الأبيض المسلط عليه الضوء، مما يجعل ظلها هو الذي يبرز للمشاهدين، وكان محرك الدمى يعرف باسم مخايلي أو محرك الشخوص.
الفكرة
هناك وجهتا نظر حول منشأ خيال الظل، تقول الأولى أن هذا الفن ظهر في آسيا وانتقل منها إلى الغرب، بينما تؤكد الثانية أنه ظهر في الغرب ومنه انتقل إلى الشرق وآسيا، ولوجهة النظر الأولى ثلاثة اتجاهات منها أن هذا الفن ظهر في جاوه، وأن خيال الظل الجاوي ومصطلحاته موجودة في اللغة الجاوية القديمة، ومسرحيات هذا النوع ممتدة إلى ألف سنة قبل الميلاد، وأيضا يقال أن مكان ظهور خيال الظل أو قَرَه كُوزْ في الهند، وأن اسمه في اللغة السنسكريتية جاينا طاقه، ومدلولها هو نفس مدلول خيال الظل، ولكن هذا ليس بالأمر المقطوع به، وهناك رأي يقول بأن خيال الظل يرجع إلى الصين، ويستند هذا الرأي إلى أسطورة صينية تعود إلى سنة 121 قبل الميلاد..
الأساطير المرتبطة به
هناك أكثر من أسطورة ارتبطت بهذا الفن أحدها تركية والأخرى صينية، وتحكي الأسطورة الصينية أن الإمبراطور الصيني ويو قد سيطر عليه حزن عميق إثر وفاة زوجته التي كان يحبها حبا ملك عليه كل جنانه، ولم تفلح كل المساعي التي بُذلت لتسليته والترفيه عنه، وقد حاول فنان صيني أن يرفه عن الإمبراطور باختياره لسيدة شديدة الشبه بالإمبراطورة المتوفاة، وجعلها تمر أمام ستارة بيضاء على بُعد مناسب من الإمبراطور، وادعى له أن هذا هو طيف الإمبراطورة الحبيبة، وقد نجح بذلك في الترفيه عن الإمبراطور.
أما الأسطورة التركية فتقول أن السلطان العثماني أورخان غازي الذي تولى العرش سنة 1326م، أمر ببناء جامع في مدينة بورصة، وكان بين العمال الذين يعملون في البناء عاملان يُدعى الأول منهما قَرَه كُوزْ والثاني حاجي واد، وكلاهما يملك من خفة الدم والمرح والفكاهة ما يجعلهما يقومان بحركات طريفة وفكاهات هزلية تجعل العمال يلتفون حولهما لمشاهدة ما يقومان به من ألعاب مُسَلّية تاركين العمل، وعندما سأل السلطان عن سبب التأخر في إنجاز العمل، أخبروه عن الرجلين، فأمر أن يقوما بما يقومان به أمامه، فسعد بما رأى، حيث إنهما مثّلا أمامه محاورة الحمام ولكنه أمرهما أن يعدلا عن هذا حتى لا يتعطل البناء.
وكان هناك في مدينة بورصة رجل يدعى الكشتري أراد أن يُسري عن السلطان ويذهب عنه الحزن، فعكس خيال كل من قَرَه كُوزْ وحاجي واد على ستارة بيضاء، ونجح في تسلية السلطان.
العرب
عرف العرب خيال الظل للمرة الأولى في العصر العباسي، وكان مجيئه إلى مصر في عصر الفاطميين في القرن الخامس الهجري، وطوال العصر الأيوبي والمملوكي كانت تمثيليات خيال الظل التي كانت تعرف في العصر المملوكي باسم بابات ومفردها بابة، من أهم وسائل الترفيه وكان الناس يقبلون على مشاهدتها، وكانت تعرض في مسارح مخصصة وفي المقاهي والاماكن العامة، كما كانت بين مظاهر الاحتفال في حفلات الزواج والختان وغيرها من المناسبات، ورصد خيال الظل في حكاياته كل ما يتعلق بالسياسة والمجتمع والتاريخ بطريقة فكاهية ساخرة.
ابن دانيال
جاء من الموصل إلى القاهرة في عهد السلطان الظاهر بيبرس في عام 1267م، فراراً من المغول، وهو أشهر من كتب البابات وطور مسرح خيال الظل وتفوق في التمثيل، وبقيت ثلاثة مخطوطات من نصوص البابات التي كتبها ابن دانيال، وهي طيف الخيال التي حفظت في دار الكتب المصرية بالقاهرة، وعجيب غريب والمتيم والضائع اليتيم.
كما بقيت بعض الدمى من هذا العصر، ومن بينها واحدة من العصر المملوكي محفوظة بالقسم الإسلامي في متحف برلين، وكان من ضمن دمى ابن دانيال دمية تدعى عقود النظام فيمن ولي مصر من الحكام، كما كانت له شخصيات آخرى ذات أسماء طريفة مثل: عجيب الدين الواعظ، وعسلية المعاجيني، وعواد الشرماط، ومبارك الفيال، وأبو القطط، وزغبر الكلبي، وناتو السوداني، وأبو العجب صاحب الجدي.
العثمانيون سرقوا خيال الظل
أعجب العثمانيون بفن خيال الظل، فنقلوا العديد من فنانيه من القاهرة إلى استانبول لإقامة عروضهم هناك، لكن العروض استمرت فترة طويلة في العالم العربي وحتى بدايات القرن العشرين، وارتبطت بفن خيال الظل في مصر خلال القرنين 19 و 20 أسماء عديدة منها حسن القشاش، والشيخ سعود، والشيخ علي النحل.