ما أجمل أن نستمع إلى الإنشاد الديني والمدائح النبوية، التي تتحدث عن سيرة خير الأنام، رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الأجمل أن نستمع إلى هذه المدائح من مسيحي، والشخصية التي نتحدث عنها أنشد المواويل في حب رسول الله وآل البيت ولم يمنعه اعتناقه المسيحية من أن يسعد جمهوره ومحبيه الذين اختاروه ليحيي لهم زفافًا.
لمع اسمه في معظم أنحاء مصر وذاع صيته في الفن الشعبي والإنشاد الديني بسبب حب مسلمي مصر له ولصوته الذي يتغني به مادحًا النبي محمد صلي الله عليه وسلم.
"جميل عبد الكريم عبد الله مخائيل" وشهرته جميل الأسيوطي، من مواليد 1963، مقيم مع زوجته وأبنائه بمنزلٍ مبني من الطوب والأسمنت وسقفه من الخشب والخوص بقرية دشلوط التابعة لمركز ديروط بمحافظة أسيوط، خص "أهل مصر" بعدد من المدائح النبوية وبالحوار التالي:يقول "عم جميل": "ولدت فى أسرة فقيرة وكنت أعمل في المحاجر من أجل توفير لقمة العيش لي ولأسرتي، ثم عملت سائقا على جرار زراعي، وكنت أصنع آلة موسيقية من الخوص وأتغنى بالمواويل أثناء العمل، وأول أجر حصلت عليه 2.5 جنيه بالإضافة إلى 5 قروش "بقشيش"، مازالت محتفظًا بها لأنها أول رزق لي في مشواري مع الفن الشعبي".
وتابع: "بدأت أمدح النبي محمد صلي الله عليه وسلم عندما كنت في العاشرة من عمري وبدأت الغناء في إحدى الحفلات بمقطوعة تجمع الحب والتسامح بين المسلمين والأقباط وذكرت فيها اسم النبى محمد صلى الله وعليه وسلم، وفوجئت باستقبال الحاضرين لمدح النبي بصوتي، وهللوا من شدة الفرحة، وقام أصدقائي بتشجيعي في التطرق للمدح من خلال الموال الشعبي مثل الفنان "مكرك المنياوي".أما عن رد فعل أهله وجيرانه الأقباط في المدح، قال "عم جميل" إن المسلمين والمسيحيين في القرية يجمعهم الحب والترابط والمودة، وقال ساخرًا: "أهلي ليس لهم شأن هما مش بيدوني حاجة، كما أن هناك حلقات وحفلات منزلية يطلبها مني جيراني المسلمين والجميع لا يفكر في الدين بقدر الاستمتاع بمواويل المدح".وأضاف: "أنا بحب الإسلام والمسلمين وبمدح النبي محمد صلي الله عليه وسلم وكذلك أحب المسيحية والمسيحيين وأمدح في النبي عيسى، ومحبتي في الله حببت الناس في موهبتي، والمتعلق بالله ملوش دعوة بمسيحي أو مسلم".
-تجربة مديح الرسولعن تجربته في مديح الرسول، قال جميل: "لم تكن الأمية عائقًا في طريقي، فبرغم أنني لا أجيد القراءة والكتابة، منحني الله موهبة تأليف المواويل والمديح، فأقوم بتأليف القصيدة وألحّنها مع فرقتي الصغيرة لأغنيها في الاحتفالات".وأضاف: "عندما أبدأ بالغناء ومدح النبي، أرى تعابير الاستغراب على وجوه الناس، ولكن بعد ذلك يتقبلون الأمر ويطلبون مني غناء مواويل في النبي ومنهم مَن يطلب مني أن أكتب له قصيدة في مدح النبي قبل ذهابه لأداء العمرة هو أو أحد أقاربه".
-مواقف "طريفة"روى "عم جميل" موقفا طريفا حدث له، حيث قال: "كنت أحيي زفافا في إحدى قرى الصعيد، وقام أحد الشباب وطلب مني أن أغني موال "حبيبي رفرف خطفوا الهوا مني"، ولم أكن سامعًا بهذا الموال في حياتي على الإطلاق وكذلك فرقتي، وأهل هذه القرية مشهور عنهم أنهم إذا جاءهم مطرب أو فنان أو مداح ولم يلب طلبات أحد الحضور، يرشقونه بالطوب، إلى درجة أن أفراحها مشهورة بين الفرق الموسيقية في الصعيد بأفراح الطوب". وتابع: "وضعني هذا الطلب بين خيارين، إما أن أغني له الموال الذي طلبه أو استسلم للطوب، لذلك ارتجلت له "حبيبي حبيبي كان ليه وجه زي القمر والعود ملفوف والوجه زي القمر والعين، هاتولي حبيبي وخدوا جوز العيون مني بستنظر الرد يكش يجيني الوصال منه، ده حبيبي حبيبي رفرف خطفوا الهوا مني" فلقى ما غنّيته ترحيب الحضور وعلى رأسهم هذا الشاب وأنقذت نفسي وفرقتي من الضرب".وفي موقف آخر، نجح جميل في المصالحة بين خصوم مسلمين، نشبت بينهم خلافات شديدة في إحدى قرى الصعيد، وقد علم بالخصومة أثناء تحضيره للحفل، فقرر أن يتدخل وألف وغنّى موالًا جاء فيه: "الصاحب اللي يصون الود، وتعوزه وقت الشدايد، بتعوزه يتساهل القلب، طالما العين بتعوزه، بس قبل ما تصحابه إبقى دعبس على الأساس، والخل الصاحب الأصيل فى قلبه عزيز"، وبالفعل نجح موّاله في مصالحة الخصوم معتبرًا ذلك "إنجازًا إنسانيًا".
- أشهر القصائد التي يتغنى بها "ودينى يا دليل ودينى" و"فاطمة يا فاطمة يا بنت نبينا" و"نوح يا حمام" تلك هى القصائد التى يتغنى بها جميل الأسيوطى فى الموالد والمناسبات والأفراح.الغريب أن جميل ينشد في مدح النبي حتى في أفراح المسيحيين أنفسهم ويجد ترحابا من الجميع، وقد يتعجب ويسكت في مطلع الموال من يسمعه لأول مرة لكنه يحظى بالترحاب الشديد بعد ذلك.
- علاقته بجيرانه المسلمينيرتبط "عم جميل" المسيحي مادح الرسول مع جيرانه المسلمين بعلاقة مودة وحب قوية، والذى كلما غاب فى عمله خارج المنزل ذهبوا للسؤال عنه وتبادلوا الزيارات مع أسرته، ويلجأ البعض له في المشورة والعون في الأمور الحياتية كما يقوم الحجاج الذاهبين إلى بيت الله الحرام فى موسم الحج للاستعانة به فى إحياء تلك المناسبة.وإذا سألت جيرانه عنه تتعدد الصفات وتعلو الإشادات، أحدهم يتحدث عن خلقه، وآخر عن شهامته وتفانيه فى العمل، أما ديانته فتذهب في طَي النسيان.