سارعت الحكومة الإسرائيلية، الخميس الماضي، بالردّ على قرارات مؤتمر القمة العربية، التي دعت إلى وقف الاستيطان وعرضت اعتراف الدول العربية بإسرائيل مقابل الانسحاب لحدود ما قبل 1967، عبر موافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على إقامة مستوطنة جديدة، للمرة الأولى منذ عشرين عاما، بحجة تعويض عشرات المستوطنين الذين أقاموا مستوطنة "عامونا" على أراضٍ فلسطينية خاصة، تابعة لسكان قرى سلواد وعين يبرود والطيبة، شرقي رام الله.
وجاء القرار بحجة عزم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الوفاء بتعهداته لسكان المستوطنة التي أمرت المحكمة الإسرائيلية بإزالتها، لأنها أقيمت على أراضٍ خاصة.
في المقابل كشف قرار "الكابينيت" عن أن "المستوطنة الجديدة ستقام قرب مستوطنة شيلا في محيط مدينة رام الله، بعد استيفاء إجراءات التخطيط، وتحديد مسبق لمنطقة نفوذها ومسطح البناء فيها".
وعكس القرار بشأن إقامة المستوطنة الجديدة وإعلان نتنياهو عن بدء تسويق 2000 وحدة سكنية من أصل 5700، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن إقامتها منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 بشأن عدم شرعية المستوطنات، قرارًا إسرائيليًا، بتسريع وتيرة الاستيطان وزرع المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، في أسرع وقت ممكن، قبل التوصل إلى تفاهمات جديدة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وعزز هذا الاتجاه، تصريح نتنياهو أمام أعضاء "الكابينيت"، بأنه "على الرغم من الاتصالات التي جرت مع إدارة ترامب، فإنه لم يتم بعد التوصل إلى تفاهمات رسمية وواضحة ونهائية"، وبالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية تعتزم تقليص حجم البناء ليأخذ بالحسبان المخاوف التي عبر عنها ترامب.
ومع أن هذا الأمر بدأ كمبادرة إسرائيلية تجاه ترامب، إلا أن تفاصيل السياسة الجديدة التي أعلنها نتنياهو تشي بعكس ذلك تمامًا، وبرغبة لتوسيع مناطق البناء في المستوطنات الإسرائيلية، فقد ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي أن "الحكومة ستنفذ مخططات البناء داخل حدود البناء القائمة في المستوطنات، وإذا تعذّر ذلك فهي ستبني بمحاذاة خط البناء القائم، أما إذا تعذّر الأمر لأسباب قانونية (وهي إشارة لاحتمال كون الأراضي المحاذية لخط البناء في المستوطنات الحالية هي أراضٍ بملكية فلسطينية خاصة) فإنها ستبني عند أقرب نقطة من هذا الخط". ما يعني إبقاء جيوب ومساحات من الأرض داخل حدود هذه المستوطنات، تابعة للفلسطينيين، كما في حالات قطع الأراضي التي ظلت في قلب مستوطنات، مثل بيت إيل، لكن ملكيتها تعود لفلسطينيين من قرى مجاورة.
وفي هذا الإطار قال علي أبو عدنان، المحلل السياسي الفلسطيني، إن إسرائيل لا تعترف بقرارت وتوصيات الجامعة العربية ولا تلقي لها بالا، وكل ما تأخذه حكومة تل أبيب في الاعتبار هو موقف الإدارة الأمريكية، وهو موقف غير محدد المعالم في الوقت خصوصا فيما يخص قضية الاستيطان، وإن كانت قد قالت إن الاستيطان قد يؤثر على عملية السلام في الشرق الأوسط".
وأضاف أبو عدنان في تصريحات لـ"أهل مصر"، أن إسرائيل تعرض حل الدولتين للخطر بزيادة عملية الاستيطان في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تفريغ كتلة الضفة من ترابطها الجغرافي، وهو الأمر الذي قد يحول دون إنشاء دولة فلسطينية".
وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول كسب ود تيار اليمين الذي يتنمي إليه من خلال زيادة عملية الاستيطان وتعويض المستوطنيين الذي تركوا مستوطنة عامونا، عن طريق إنشاء المستوطنة الجديدة.
ويقول محمد حامد الباحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، إن إسرائيل لطالما ألقت بقرارات الجامعة العربية عرض الحائط وتعودنا من الدولة العبرية أن تلقي بغصن الزيتون الذي يمده العرب دوما".
وأضاف في تصريحات لـ "أهل مصر"، أن قرار إنشاء مستوطنات جديدة مخالف للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية منها القرار الأخير في ديسمبر الفائت التي تبنته عدة دول لإدانة الاستيطان وهو ما حدث بالفعل، ولكن إسرائيل تعربد دائما طالما أن إدارة ترامب ومايك بينس إدارة مثالية للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والتي تقوض السلام يوما بعد الآخر عبر التوسع في الاستيطان".
وتابع حامد، "على الرغم من أن القمة العربية دعت إلى مصالحة تاريخية مع الإسرائيليين إلا أن تل أبيب حصلت على التطبيع والتعاون الاستراتيجي مع الدول العربية الخليجية تحديدا دون إعطاء الفلسطينيين أبسط حقوقهم".
وأدانت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي القرار بشدة، وقالت إن “من المفارقات المخزية، أن إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال تعلن اليوم عن بناء مستوطنة غير شرعية جديدة في الوقت الذي يحيي به الفلسطينيون الذكرى الـ41 ليوم الأرض الخالد، والذي شهد سقوط ستة شهداء واعتقال وإصابة المئات من الذين احتجوا بهبّة شعبية سلمية على قرار سرقة إسرائيل الكثير من أراضي الجليل والمثلث والنقب في الثلاثين من مارس عام 1976".
وأشارت عشراوي، إلى أنه "بعد 41 عامًا، ما تزال سياسات إسرائيل القائمة على السرقة دون تغيير، حيث يواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته الائتلافية العنصرية المتطرفة نهجهم المتمثل بمواصلة الاستعمار الاستيطاني، والفصل العنصري، والتطهير العرقي، في تحدٍ صارخ ومتعمد لحقوق الإنسان الفلسطيني واستقلاله وكرامته".
كما أعرب المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستافان دو جاريك "عن خيبة الأمل والقلق تجاه إعلان السلطات الإسرائيلية عن الكتل الاستيطانية الجديدة" في الضفة الغربية.
وأكد دو جاريك إدانة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش "أيّ خطوات أحادية مثل هذه الخطوة التي تهدد السلام وتقوّض حلّ الدولتين".
وأضاف، أن جوتيرش أكد مرارًا وتكرارًا "عدم وجود خيار آخر لدى الإسرائيليين والفلسطينيين سوى العيش معًا بسلام وأمن".
وكانت حكومة الاحتلال انتزعت عشرات آلاف الدونمات في الضفة الغربية منذ عام 2005 تحت غطاء عمل طواقم أطلق عليها طواقم ترسيم الخط الأزرق، والمقصود فيه تحديد خط البناء الأخير للبلدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية، وفرز قطع الأراضي في الضفة الغربية، تحديدًا في المناطق سي، بين أراض خاصة وأراض يمكن الإعلان عنها "أراضي دولة".
وتعتبر المحاكم الإسرائيلية، أنه يجوز لحكومة الاحتلال إقامة مستوطنات على أراضي دولة بينما لا يجوز إقامة مستوطنات على أراض يثبت الفلسطينيون ملكيتهم الخاصة لها.