في مثل هذا اليوم قبل 49 عاما، شهدت مصر جدلا واسعا حول حقيقة تجلي السيدة العذراء مريم من عدمه، بعد أن قال عمال جراج بمنطقة الزيتون، إنهم رأوا نوراً يمثل سيدة تحمل غصن زيتون فوق قبة كنيسة العذراء مريم بشارع طومان باي، وشعروا في البداية أنها فتاة تريد الانتحار، فأبلغوا الشرطة وسارعوا لإنقاذها لكن المنظر ازداد نوراً ما جعلهم يتراجعون عن فكرة الصعود للقبة.
بعد دقائق، كسّر العمال مصابيح الشارع والواجهة الأمامية للكنيسة ليتبين لهم الأمر بشكل أوضح، فبدت الفتاة أكثر وضوحا، وأخذت تتحرك وحولها هالة مشعة، حينها طرأ على ذهن الجميع أن الفتاة التي أمامهم هي "مريم العذراء"، فعلى التصفيق والصياح والتهليل، مرددين: "السلام عليكِ يا مريم"طبقا للرواية التي تناقلتها الأجيال السابقة، فأن التجلي الأول للعذراء مريم في مصر استمر بضع ساعات دون توقف أمام عشرات الآلاف من المصريين مسلمين ومسيحيين، يشيرون إليها ويتشفعون بها في ترتيل وابتهال ودموع وتهليل وصلاة.وأعلن البابا كيرلس السادس، بابا الإسكندرية و بطريرك الكرازة المرقسية حينئذ، في بيان رسمي، تجلي السيدة العذراء، وهو ما نشرته الصحف الرسمية، في اليوم التالي.
تجليات أخرى:وكثرت الأقاويل عن تجليات روحانية أخرى للعذراء على مر العقود السابقة، حيث ظهرت يوم السبت 21 أغسطس عام 1982م، فوق هيكل كنيسة العذراء بإدفو التابعة لإيبارشية أسوان.
كما يقال أنها ظهرت مساء الثلاثاء 25 مارس 1986، بين قباب الكنيسة القديسة دميانة بشبرا، ووثقت شهادات من الأهالي الذين توافدوا عليها طلبا للشفاء من أمراض مستعصية بأنهم رأوها بحجمها الطبيعي الكامل، وقالوا أن الظهور اقترن بالشفاء لكثير من المرضى، وأصدرت الكنيسة بيانا أكدت فيه ظهور العذراء مريم استنادًا على كلام الآباء والكهنة والرهبان، مع عدد كبير من أبناء الشعب الذين شاهدوا التجلي.
ظهور أخر للعذراء عام 1988، على جبل أسيوط كما أكد الكثير من شهود العيان أنها ظهرت مرات عديدة، ولأعداد كثيرة من الناس، وبالشكل المعروف بها كطيف يتهادى على قمة الجبل لمدة ساعتين، حيث يعتبر الجبل الغربي بأسيوط هو أقصى بقعة وصلت إليها العائلة المقدسة في رحلة هروبها من "هيرودس" الملك.
ويوم الخميس 15 ديسمبر 2009، كان التجلي الأخير للعذراء مريم في مصر، حيث تجمهر عشرات الآلاف من مختلف أطياف الشعب لمشاهدة ظهور العذراء فوق القبة الوسطى لكنيسة الملاك ميخائيل بالوراق، فارتفعت الزغاريد والتهليل والصلوات، كما التقط المحتشدون العديد من الصور للتجلي بكاميرات الموبايل والفيديو لتوثيق الحدث. ومن شدة الزحام أجرت المقاهي المجاورة للكنيسة الكراسي للجماهير في الشارع، حيث احتشد الناس بشكل لم يسبق له مثيل.جدل مسيحي حول التجليأثار ظهور العذراء جدلا واسعا في مصر، حول حقيقة هذا الظهور التي تحدث فوق بعض الكنائس المصرية.
فقد أكد البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة المرقسية، في عظته الأسبوعية، عام 2009، أن ظهور العذراء الأخيرة بكنيسة الوراق حقيقة واضحة شاهدها الآلاف من المسلمين والمسيحيين، مضيفا: "إنكار البعض لها لا يعني أنها لم تظهر"، وأصدر بيان رسمي عن الكنيسة يؤكد ظهورها.
ورد البابا عل من ينكرون الظهور: "أقول لمن ينكرون الظهور من باب أنه لم ترد عنها إشارة في الإنجيل، أن الكتاب المقدس تحدث عن الأمور التي وقعت فى القرن الأول للمسيحية وعصر الرسل، أما الباقي فلم يذكره، لأنها جاءت بعد زمن كتابته"، مشيراً إلى وقوع الكثير من العجائب بعد نزول الكتب السماوية لم تذكرها هي، وإنما ذكرها التاريخ.
وانتقد وقتها الدكتور القس صفوت البياضي "رئيس الطائفة الإنجيلية" ما وصفه "بالزفة الإعلامية" التي تقودها صحف موالية لرجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس تروج لظهور السيدة مريم أكثر من مرة أمام كنيسة السيدة العذراء والملاك ميخائيل بالوراق، واصفا الأمر بأنه "سفه للضحك على عقول البلهاء".
وأضاف "نحن بالفعل نقدر العذراء كبروتستانت مثل سائر المسيحيين وكذلك المسلمين، لكن ليس معنى ذلك أن تظهر للناس كما تروج الكنيسة الأرثوذكسية، فهذا الظهور محض خرافة لا أساس لها من الصحة، وهذا ما تؤكده المقاطع المصورة التي تم التقاطها إبان "ظهور مجرد ضوء باهر أو فلاشات قوية بواسطة ليزر"، قالت الكنيسة إنها العذراء فصدق الآلاف من البسطاء ذلك.ونفي الدكتور صفوت البياضي رئيس الطائفة الانجيلية بشكل قاطع احتمالية ذلك، موضحا أن العذراء لم ولن تظهر "ولا مرة واحدة" منذ عهد السيد المسيح واصفا موقف الكنيسة الأرثوذكسية بأنها "دعاية جوفاء ومفضوحة لمعتقداتها في مقابل المعتقدات التي لا تعلن عن نفسها لقوتها، مشيرا إلى الاستخدام السياسي لتلك الخرافات منذ بداية القول إن العذراء ظهرت فوق كنيسة الزيتون عام 1968 وذلك في بيان رسمي صادر عن البابا كيرلس آنذاك ليتجاوز المصريون هزيمة 1967".
وشاطره الرأي الدكتور إكرام لمعي "نائب رئيس الطائفة الإنجيلية" مؤكدا أن الكنيسة القبطية تحاول إثبات صحة معتقداتها بترويج تلك الخرافات، بدليل أن الحديث عن ظهور العذراء لا يوجد إلا عند الأقباط الأرثوذكس في مصر فقط، واختيار العذراء بالذات يرجع إلى إجلال المسلمين والمسيحيين لها على السواء، وإلا لكان من الأولى ظهور المسيح وليس العذراء، فالظهور سياسي في الأساس.