العندليب تولى خاله رعايته.. 9 أيتام غيروا مجرى التاريخ الفني

لم يصل كثير من مشاهير الفن إلى مجدهم بطريق مليء بالورود والزهور، وعلى الرغم من وصول بعضهم عن طريق الصدفة والواسطة، إلا أن آخرين تجاوزوا عقبات صعبة ومصائب هائلة في سبيلهم لذلك.

أبرز هؤلاء الفنانون، من حُرموا من حنين الأب ورحمة العائل، فنشأوا أيتامًا وعانوا من مصاعب الدنيا ومشاقها، إلا أنهم نجحوا في تجاوز ذلك فخُلدت آثارهم.

ويرصد "أهل مصر" بعض هؤلاء الفنانون الذين عانوا من اليُتم في هذا التقرير..

العندليبتوفيت والدة الفنان عبد الحليم حافظ، بعد أيام من ولادته عام 1929، وبعد شهور توفي والده أيضًا، وتولى رعايته خاله الحاج متولي، ونشأ حافظ في دار أيتام، ورغم كل هذه الظروف استطاع أن يكون العندليب الأسمر.

كانت آلة "الأبوا" هي صديق عبد الحليم الوفي داخل دار الأيتام، تعلَم كيف يعزف عليها إلى أنّ أصبحت عشقه الأول، وبسبب هذا العشق، قررَ عبد الحليم أن يضرب بأمنيات أخوته عرض الحائط، فهم تمنّوا له أن يُصبح طبيبًا أو مهندسًا، ولكنه كان يحلُم بأن يُصبح عازفًا شهير، كمّا أكد في حوار مُتلفز، أجراه مع الإعلامية، مُنى جبر، فعندما سألته: "بما إنك درست في معهد الموسيقى، مفكرتش تلحن؟"، فأجابها "عُمر ما كان التلحين هدفي، ولا الغُنا كمان، كان نفسي أطلع عازف".

يروي العندليب الأسمر قصته في تسجيل له مع الإذاعي محمد علوان، فيقول: "حرمتني الحياة حنان الأم وعطف الأب، ولكنها علمتني أن الدنيا فيها خير، وحتى اليتيم الذي عمره أيام يستطيع أن يعيش ويكافح".

يُضيف أن أهالي قرية الحلوات بمحافظة الشرقية، التي ولد بها، تشاءموا منه لربطهم بين وفاة أمه وولادته، فنعتوه "بوجه النحس"، وهو ما أثر سلبًا على نفسيته منذ نعومة أظفاره، حتى أنه لم يستطع التخلص من هذا الوهم ولم يدرك أن إرادة الله هي من تسببت في وفاة أمه إلا بعد مرور سنوات طويلة.

عاش الابن الأصغر حياة صعبة بين أربعة أشقاء، خاصة بعد إصابته بمرض البلهاريسا، ولكنه تمكن من خوض رحلة طويلة قدم خلالها ما يقارب 230 أغنية و16 فيلمًا ما زالوا ماثلين في أذهان الجمهور في الوطن العربي.

أمينة رزقوُلدت الفنانة القديرة الراحلة أمينة رزق، راهبة المسرح في 15 أبريل 1910، بمدينة طنطا ثم انتقلت مع والدتها للعيش في القاهرة مع خالتها الفنانة أمينة محمد، وذلك بعد وفاة والدها حيث لم يتجاوز عمرها الثماني سنوات.

عرفت "أمينة" من ذلك الحين معنى المعاناة وتحمل المسؤلية، وعملت منذ صغرها، حيث غنّت بمشاركة خالتها في إحدى مسرحيات فرقة علي الكسار في مسارح روض الفرج، وانتقلت للعمل مع فرقة رمسيس المسرحية التي أسسها عميد المسرح العربي يوسف وهبي عام 1924، وشاركت بالتمثيل في أغلب مسرحيات يوسف وهبي، ومن ثم بدأ مشوار "ماما أمينة" الفني الذي أثبت موهبتها الفريدة التي شكلت تاريخ السينما المصرية بكل تفاصيلها.

إسماعيل يسيقول إسماعيل ياسين "ربنا أعطاني لأني تحملت الكثير من التعب والشقاء والمرمطة".

ولد الفنان الراحل عام 1912 بمحافظة السويس، لأب يملك محل صاغة ومتزوج من سيدتين الأولى والدة الفنان والثانية بريطانية.

توفت والدته وهو طفل في سن السابعة فانتقل للعيش مع زوجة أبيه التي كانت تعامله بطريقة سيئة للغاية حتى أنها حرضت أباه ليجعله يترك المدرسة وهو في الصف الرابع الابتدائي.

لم تحاول زوجة أبيه مطلقًا تعويضه عن فقدان أمه، بل تمادت في مضايقته ثم طلبت من والده طرده من شقتهما وتسليمه لجدته وكان يبلغ آنذاك عشرة أعوام، وهو ما استجاب إليه الأب أيضًا، وانتقل الفنان الكوميدي إلى شقة جدته "والدة أمه" التي وصفها في أحد تسجيلاته بأنها كانت شديدة القسوة عليه لأنها كانت لا تحب والده، مما أثر سلبًا على علاقتها به.

استمرت معاناته في منزل جدته، وعمل مناديًا في محل أقمشة كي يجني بعض المال وينفق على نفسه، ثم قرر إنهاء تلك المعاناة والهرب للقاهرة كي يعمل بالفن، كان حلمه أن يصبح مطربًا كالفنان محمد عبد الوهاب. 

سرق ستة جنيهات من جدته وسافر للقاهرة ثم نفدت نقوده، فازدادت معاناته، فكان ينام في مسجد السيدة زينب، حيث لا يوجد مكان يقيم فيه، وعندما قصد أولاد خاله طلبًا للمساعدة لم يستجيبوا له.وتنقل في أكثر من مهنة، منها صبي يلبي الطلبات في قهوة بشارع محمد علي، إلى غير ذلك من الأعمال، حتى تمكن من الدخول إلى عالم الفن محققًا نجاحًا باهرًا، حتى صار أهم كوميديان في تاريخ السينما المصرية.

أحمد رمزيغيّرت مرارة اليُتم، مجرى حياة الفنان الراحل أحمد رمزي بعد ولادته في 23 مارس 1930، بمحافظة الإسكندرية، لوالده الطبيب المصري محمود بيومي وأمه الإسكتلندية هيلين مكاي، التي عملت كمشرفة على طالبات كلية الطب، لتُربي ولديها بمرتبها، حتى أصبح ابنها الأكبر حسن طبيب عظام على نهج والده الذي توفي مبكرًا عام 1939، بعد أن خسر ثروته في البورصة، بينما حاول استكمال تعليمه فالتحق بكلية الطب حتى يسير على خطى والده ولكنه رسب ثلاث سنوات متتالية، ثم انتقل إلى كلية التجارة وحصل على درجة البكالوريوس منها.

في عام 1955م اكتشفه المخرج "حلمي حليم" عندما شاهده في إحدى صالات البلياردو فعرض عليه العمل في السينما ليقدم أول أدواره السينمائية في فيلم "أيامنا الحلوة" بعد تدعيم صديقه عمر الشريف له وترشيحه أيضًا للدور لتكون بمثابة الانطلاقة القوية في مشواره الفنى.

وقدّم أعمالًا سينمائية متنوعة، ومن أشهرها "أيام وليالي"، و"صراع في الميناء"، و"القلب له أحكام"، و"ابن حميدو"، و"السبع بنات" و"مذكرات تلميذة"، و"عائلة زيزي"، وغيرها من الأعمال، وكان فيلم "الأبطال" الذي قدمه مع "فريد شوقي" آخر أعماله التي قرر بعدها الابتعاد عن العمل الفني، لكنه عاد مرة أخرى وظهر في مسلسل "وجه القمر" مع الفنانة "فاتن حمامة" عام 2000م، وشارك في فيلم "الوردة الحمراء" عام 2001م وكان آخر ظهور له كضيف شرف في مسلسل "حنان وحنين" عام 2006م.

وفي يوم 28 سبتمبر عام 2012م توفي رمزى عن عمر يناهز 82 عامًا بعد اختلال توازنه في حمام منزله بالساحل الشمالي، تاركًا وراءه أعمالا رائعة ما زالت محفورة في أذهان الملايين.

عبد المنعم مدبوليتوفى والد الطفل عبد المنعم مدبولي حينما كان عمره 6 أشهر، فتولت والدته تربيته مع ثلاثة أشقاء كان هو أصغرهم، حتى التحق بمعهد التمثيل محققًا نجومية كبيرة حيث شارك بنحو 60 فيلمًا، و120 مسرحية، و300 مسلسل، استطاع خلالهم رسم الضحكات على الوجوه فأصبح أحد أهم الكوميديانات في تاريخ السينما المصرية.

ويتحدث مدبولي عن والدته في حوار له مع مجلة الجزيرة، ويقول إنها رغم صغر سنها تحملت المسؤولية واجتهدت لكي تربي أطفالها دون أن تشكو مرارة الأيام، وعاشت مع أبنائها أيامًا عصيبة ظلت محفورة في ذاكرته طول حياته.

ويتابع مدبولي، قائلًا إن هذه المعادلة صعبة، فإذا نظرت لكل نجوم الكوميديا سواء العرب أو المصريون أو حتى العالميون ستجدهم جميعًا مروا بمتاعب عديدة وآلام لا حصر لها في طفولتهم وشبابهم المبكر، فالأزمات هي التي تخلق الرجال ومن قلب المآسي والأحزان تولد أشد المواقف الكوميدية.

فريد الأطرشعرف فريد الأطرش معنى المعاناة وتحمل المسؤلية التي حفرت في حياته مواقف صنعت شخصيته وفنه، حيث لم يبدأ حياته برفاهية بل بدأت باليتم وفقدان الأب منذ أن كان عمره ثمانِ سنوات، فضلًا عن تنقله مع أسرته بين القاهرة وسوريا هربًا من الفقر والاحتلال الذي طالما لاحق عائلة الأطرش، ورغم معاناة تلك الأسرة السورية التي استقرت في مصر كانت هذه الظروف من أهم عوامل تشكيل مسيرته الفنية التي وضعته بين عمالقة الفن الجميل.

أكد الراحل في حوارِ له متحدثًا عن حياته: "أنا فريد الأطرش الموسيقار والممثل، ولو وضعني القدر في غير موضعي هذا لكان غير منصف ولما أحسست بطعم للحياة، لقد خلق الفقر مني فنانًا يشعر ويحس بآلام الغير وخلقت المتاعب مني هذا الرجل الذي يود من صميم قلبه أن يزيل عن الناس المتاعب ويزيحها من طريقهم".

اشترك فريد الأطرش في 31 فيلمًا سينمائيًا كان بطلها جميعًا، وقد أُنتجت هذه الأفلام في الفترة الممتدة من السنة 1941 حتى السنة 1975، فضلًا عن أغانيه العديدة، وتلحينه للكثير من النجوم.

أحمد زكيلم يتمتع فتى الشاشة الأسمر أحمد زكي بمعايشة والده سوى عام واحد ومن ثم توفى.

تركته والدته أيضًا وتزوجت رجلًا آخر، فنشأ زكي في منزل جدته وخاله، وروى أصدقاؤه، الإعلامي عادل حمودة والمخرجة إيناس الدغيدي، أن زكي تأثر جدًا بفراق والدته، إلا أنه سامحها قبل فترة من وفاته، وكان يرسل المال لمساعدتها.

زكي الذي نشأ في مدينة الزقازيق، وكان الابن الوحيد لأبيه الذي توفي بعد ولادته، حصل على الإعدادية ثم دخل المدرسة الصناعية، ليبني نفسه بنفسه بعد أن شجعه ناظر المدرسة على الاهتمام بالتمثيل، ومنها كانت البداية التحق بمعهد الفنون المسرحية، وأثناء دراسته بالمعهد، عمل في مسرحية "هالوا شلبى"، تخرج من المعهد عام 1973، وكان الأول على دفعته، عمل في المسرح في أعمال ناجحة جماهيريًا مثل "مدرسة المشاغبين".

يقول زكي، في حوار نادر له مع برنامج "أيامنا الحلوة"، مع الإعلامي طارق حبيب، عن طفولته أن كلمة يتيم التي اشتهر بها في بلدته، الزقازيق، كانت تؤلمه لأنه حُرم من حنان الأم وعطف الأب.

يُضيف: "نعم أمي كانت تزورني ولكنها كانت زيارات عابرة وخاطفة لم أكن أستطيع أن أملأ عينيّ منها أو أضع رأسي على صدرها وأبكي مثل كل الأطفال فكانت دائمًا مشغولة ببيتها وزوجها".

نور الشريفتوفى والد الفنان نور الشريف، وعمره سنة واحدة، ثم تزوجت والدته، فعاش مع عمه الذي تولى تربيته.

وقال الشريف، في حوار أُجري معه قبل وفاته: "شعور فظيع عشته عندما أخبروني وأنا في الصف الأول الابتدائي أن اسمي محمد جابر وليس نور، وأن عمي إسماعيل الذي كنت أنام في حضنه في سريره وأحب رائحة عرقه، ليس والدي".

ويضيف قائلًا: "فجأة أحسست أنه ليس بإمكاني أن أطلب شيئًا، ليس من حقي، ذلك الشعور الطبيعي الممتع والمطمئن الذي يحسه الأطفال مع آبائهم.. أن بإمكانهم أن يطلبوا أي شيء ولو حتى برذالة".

يُتابع: "هذا الشعور افتقدته رغم أن عمي لم يكن يبخل عليّ بشيء، بل إنه طلق زوجته من أجلي أنا وشقيقتي، بعدما وجد منها معارضة لما قرره بشأننا.. وأنا مدين له بكل شيء في حياتي".

تخرج الشريف من المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان متفوقًا والأول على دفعته، ومن ثم سطع نجمه في سماء الفن مقدمًا عشرات الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية التي غُرست في وجدان الملايين.

شريهاناختلفت حياة شريهان، مع اليُتم، حيث كان لقصتها أبعاد أخرى، وخاصةً لوالدها المحامي أحمد عبد الفتاح الشلقاني الذي كان له جزءًا كبيرًا من شقائها في بداية حياتها مع والدتها "عواطف هاشم"، ليس لوفاته ولكن لغيابه المتعمد حيث عانت والدتها كثيرًا في إثبات نسب ابنتها له بعد زواجهم العرفي ولكنه رفض الاعتراف بها كإبنة له وقامت الأم برفع القضايا على عائلة الأب فاتهموها بالكذب ولكن سرعان ما انتهى هذا الصراع بحصول السيدة عواطف على حكم محكمة يثبت نسب ابنتها شريهان لوالدها الشلقاني ولكن بعد أن مرّ 16 عامًا من عمر الصغيرة وتحديدًا في عام 1980.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً