لا صوت يعلو فوق الأزمة السورية، وتطور الأوضاع داخل أراضيها، خاصة مع دخول الولايات المتحدة على خط النار في الحرب الدائرة بها، وشنها هجومًا حادًا على مواقع عسكرية تابعة للنظام السوري، ردا على هجوم خان شيخون، الذي اتهم النظام باستخدامه أسلحة كيميائية في هجومه على المعارضة السورية، وهو ما أدانته كافة دول العالم، دون إيران وروسيا، الداعمة للنظام السوري.
كانت الولايات المتحدة، شنت هجومًا عنيفًا، في ساعة مبكرة من صباح أمس الجمعة، أطلقت من خلاله أكثر من 50 صاروخ توماهوك صوب مطار قرب حمص في سوريا، مستهدفة مطار الشعيرات العسكري، ومواقع زعمت أمريكا، أنها ماوى للأسلحة الكيميائية لدى النظام السوري.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إنه أمر بالضربة العسكرية على المطار الذي شنّت منه الطائرات القصف الكيماوي على خان شيخون في حمص، مضيفًا أن الولايات المتحدة انتصرت للعدالة، ودعا ترامب في خطاب مقتضب عبر التليفزيون، الأمم المتحضرة إلى العمل من أجل إنهاء سفك الدماء في سوريا، قائلًا إن "الديكتارتور السوري بشار الأسد شنّ هجومًا رهيبًا بأسلحة كيميائية ضد مدنيين أبرياء مستخدما عامل أعصاب سامًا مميتًا.
تسبب الهجوم الأمريكي، في انقسام داخل أروقة مجلس الأمن، والذي بدا من خلال تصريحات ممثلي الدول المشاركة في المباحثات، وعلى رأسها روسيا، التي أدانت الهجوم الأمريكي بشدة، وأعلنت تعزيز قواتها داخل الأراضي السورية، فضلا عن دعم بعض الدول لهجوم الولايات المتحدة، ومنها إسرائيل والسعودية، في إشارة إلى رفضها التام لسياسية الرئيس بشار الأسد.
الصحف العالمية انقسمت هي الأخرى، في تقديرها لهجوم الولايات المتحدة، فضلًا عن الأهداف الحقيقية وراء الهجوم الأمريكي على قاعدة الشعيرات الجوية التابعة للجيش السوري بمحافظة حمص، حيث أكد البعض أن القصف جاء لتمهيد الدخول العسكري الأمريكي في سوريا لضرب شيعة إيران وكسر شوكة روسيا، وجاءت آراء أخرى بأنه لردع الرئيس السوري بشار الأسد عن قتل شعبه، ردًا على قصف الأخير "خان شيخون" في إدلب بالأسلحة الكيماوية.
القضية في مضمونها تطرح تساؤلات عدة، حول ما إذا كان هجوم الولايات المتحدة الأمريكية على سوريا، هو الأخير من نوعه، أو سيعقبه هجمات أخرى.
وردا على تساؤلات "أهل مصر"، يقول العميد صفوت الزيات، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن هجوم الولايات المتحدة الأمريكية على سوريا، حمل في طياته رسالات عدة، منها ماهو موجه بالأساس إلى روسيا وإيران أكثر منها للنظام السوري، مشيرا إلى أن شخصية ترامب لاتجعله مرئيا بالصورة الكاملة، التي يستطيع أحد التعرف على نواياه الحقيقية، وطموحه في سوريا، إلا أن توجيهه ضربات أخرى لسوريا، يظل الاحتمال الأكبر حاليا، نظرا لاستمرار الأوضاع داخل الأراضي السورية كما هي عليه منذ اندلاع ثورتها في أواخر 2011.
وتابع الزيات في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، أن الأمر ربما يتجاوز الصراع مع النظام السوري، إلى الصراع مع الدول الداعمة له منها روسيا وإيران، خاصة في تراشق الألفاظ وتغير لهجة الحوار بين الطرفين، مشيرا إلى أن الفترة المقبلة بالتأكيد ستشهد تطورات كبيرة في خارطة العالم، ولايمكن طرح أي بديل عن الحل السياسي داخل سوريا.
وقال الخبير العسكري جمال مظلوم، إن الهجوم العسكري الذي شنته الولايات المتحدة الأمريكية على سوريا، لم يكن سوى بداية وخطوة أولى لعمليات أشد بأسا ستشهدها الأراضي السورية، تزامنا مع وجود صراعات خارجية لا تتوقف فقط على حدود الرئيس بشار الأسد، لكن هناك دول بعينها اتخذت من سوريا موطنا لصراعتها وتنفيذا لمصالحها وأهدافها.
وتابع مظلوم، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، إن الأزمة السورية تمر بمنعطف خطير للغاية، مطالبا المسؤولين في مجلس الأمن، بتطبيق اللوائح والعقوبات الدولية للمتجاوزين في حق القوانين المعترف بها، مشيرا إلى أن دونالد ترامب، أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح للرئيس السوري بأي تجاوز عن المواثيق الدولية، واستخدامه اسلحة محرمة دولية، وهو مايراه مظلوم رسالة غير مباشرة لإيران وروسيا الداعمين الرئيسيين للنظام السوري.
وفي تصريحات صحفية له، قال اللواء عادل سليمان، رئيس منتدى الحوار الإستراتيجي لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية العسكرية، إن الهجوم الصاروخي الأميركي على قاعدة الشعيرات الجوية، تحول خطير وتغير في قواعد اللعبة في سوريا بعدما كانت روسيا وإيران تهيمنان على الأوضاع.
وأضاف سليمان، أن الهدف الرئيسي هو توجيه ضربة للبنية الرئيسية لنظام الأسد وإعلان أن النظام وتنظيم "داعش" "وجهان لعملة واحدة"؛ لأن الشعيرات هي القاعدة الرئيسية التي يستخدمها الأسد للانطلاق لضرب معارضيه، معتبرًا أن الضربة العسكرية "بداية لخروج نظام الأسد من المعادلة السورية"، كما أنها تحمل رسالة قوية لروسيا لتحجيم دورها وإظهار عجزها، وأن أميركا لا تزال هي القوة الأولى في العالم وأن اهتماماتها بمنطقة الشرق الأوسط لم تتغير.