تعيش شركات قطاع الأعمال العام في غيبوبة منذ التسعينيات وحتى الآن، في ظل غياب مفهوم الإدارة الاستراتيجية القادرة على تصحيح المسارات الاقتصادية في الشركات الخاسرة، ووجود عجز كبير فى الموازنة العامة، ومشاكل إدارية ومالية ضخمة، وإضرابات عمالية لا تتوقف، وخسائر متتالية تتكبدها الدولة، ناهيك عن غياب الرقابة.
الأمر الذي يجعل تطويرها ليس خيارًا وإنما ضرورة يتطلبها الوضع الاقتصادي الذي تعيشه الدولة حاليًا، بعيدًا عن شعارات إعادة الهيكلة التي لا تتعدى كونها كلمات لا تجنى أي ثمار، خاصة أن أغلب الشركات تجاوزت خسائرها لـ 50% من رأسمالها.
قديمًا.. كانت مصر من أكبر دول المنطقة في الصناعة إلا أن ذلك لم يدم طويًلا، حيث يمتلك قطاع الأعمال المصري نحو 150 شركة من كبري الشركات في الشرق الأوسط، ولكن مع بداية التسعينات ودخول عمليات الخصخصة أهملت الحكومة تطوير هذا القطاع في مصر.
كشف تقرير لمجلس الوزراء أن عدد الشركات الخاسرة 68 شركة بحجم خسائر 6 مليارات و120 ألفًا، منها 3.7 مليار جنيه لـ10 شركات فقط.
وجاءت أكبر 10 شركات تحقيقًا للخسائر على الترتيب الحديد والصلب المصرية، صافى الخسارة 761 مليون جنيه، ومصر للغزل والنسيج بالمحلة، 660 مليون جنيه خسائر، والنصر العامة للمقاولات 519 مليون جنيه خسائر، ومصر للغزل والنسيج والصباغة بكفر الدوار، 480 مليون جنيه خسائر، والمقاولات المصرية 297 مليون جنيه، والقومية للأسمنت 282 مليون جنيه خسائر، ومصر حلوان للغزل والنسيج 247 مليون جنيه خسائر، والمصرية لغزل ونسيج الصوف والقطن 181 مليون جنيه خسائر، والدلتا للأسمدة والصناعات الكيماوية 173 مليون جنيه خسائر، ومصانع النحاس المصرية 160 مليون جنيه، ووصل إجمالى خسائرها إلى 3 مليارات و759 ألف جنيه.
هذا وارتفع عدد الشركات الخاسرة التى تعانى من أزمات تمويلية وفنية خاصة، وارتفاع نسبة مساهمة مجموعة محدودة من الشركات فى أرباح القطاع حيث تمثل أرباح أعلى 8 شركات نسبة 70% من إجمالى أرباح الشركات الرابحة، ما يشير إلى ارتفاع درجة تركز مخاطر الربحية، ووجود العديد من الأصول غير المستغلة والطاقات العاطلة.
وتعانى محفظة استثمارات الدولة فى شركات قطاع الأعمال العام من تدنى العائد الاقتصادى على هذه الاستثمارات، وخلل فى تكوين محافظ استثمارات الشركات القابضة، أدى إلى تركز الشركات التابعة الخاسرة فى بعض الشركات القابضة وبالتالى عدم قدرة الشركة القابضة على حل مشاكل شركتها التابعة، مع تركز الشركات الرابحة فى مجموعة أخرى من الشركات القابضة وعدم استغلال هذه الشركات لفوائضها المالية أو قدراتها الفنية فى تطوير وإعادة هيكلة الشركات الأخرى الخاسرة.
وشملت مشاكل القطاع العام كذلك تراكم المخزون وعدم القدرة على تصريف المخزون الراكد، ووجود خلط بين مفهوم تقديم الخدمة العامة بالجهاز الإدارى للدولة ومفهوم النشاط الإنتاجى والاستثمارى فى شركات قطاع الأعمال العام.
فضلًا عن عدم دقة البيانات وعرضها فى توقيتات متأخرة ما يحول دون توفير المعلومات اللازمة لدعم اتخاذ القرار، علاوة على وجود مطالب عمالية بالحصول على حصص فى الأرباح حتى فى الشركات الخاسرة أسوة بما يتم توزيعه فى الشركات الرابحة دفتريًا، ما يمثل مشكلة دائمة بتحول قطاع الأعمال العام من قاطرة اقتصادية واستثمارية للدولة إلى عبء دائم على الموازنة العامة.
ومن أهم هذه الأسباب أيضًا، ارتفاع متوسط أعمار بعض رؤساء الشركات القابضة، واستمرار البعض منهم فى شغل وظيفته لفترة طويلة نسبيًا على الرغم من عدم تحقيق إنجازات حقيقية، ما أدى إلى ظهور المشاكل السابقة وتفاقم العديد منها، إضافة إلى عدم القدرة على الابتكار أو البحث عن حلول هيكلية واستغراق الوقت فى محاولة حل المشاكل التنفيذية لعمل الشركات التابعة، بل إن هناك العديد من رؤساء مجالس إدارات الشركات التابعة لا يتخذون أى قرارات تشغيلية دون الرجوع إلى رؤساء الشركات القابضة ما يؤدى لضياع مفهوم المساءلة والإدارة بالأهداف وانعدام دور ومسئولية مجالس إدارات الشركات التابعة الذى نص عليه القانون.
في هذا السياق يقول مجدي البدوى، نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، إن الدولة مازالت لا تجيد التعامل مع شركات قطاع الأعمال، إذا انها لم تخصص أموالًا موجه لتطوير القطاع بشكل رئيسي.
وأوضح في تصريحات لـ"أهل مصر"، أن شبح الخسائر الذي يطارد الشركات، سببه الرئيسي عدم قدرة إدارات هذه الشركات على النهوض بها وإنقاذها من بحر الخسائر، بالإضافة إلى عدم الاعتماد على وسائل التطوير الحديثة.
من جانبه أضاف أسامة عبد الخالق أستاذ التمويل والاستثمار، أن الدولة تهدر مليارات على شركات قطاع الأعمال دون جدوى، بسبب عدم وضع خطة واضحة للتطوير وتنظيم الأعمال وتقييم شامل لأداء هذه الشركات، قائلًا "لدينا مصانع وخطوط إنتاج يمكنها تحسين الأوضاع الاقتصادية والنهوض بمستقبل الصناعة الوطنية.. فلماذا نهملها؟".