شهدت مدينة الرباط مؤخرا ندوة "مستقبل المجتمع المدني في ظل التحولات الراهنة"، التي نظمها المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية بالاشتراك مع مكتبة الإسكندرية ومؤسسة هانز سايدل الألمانية.
وفي افتتاح الندوة أشار الدكتور محمد سبيلا المدير الأكاديمي للمركز إلي أن المجتمعات المدنية بالوطن العربي تواجه اختبارا محوريا بالنسبة إلى دورها وتأثيرها، فيجب أن يكون لديها دائما تصور شامل من خلال تبنيها دورا فعالا على المستوي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
وأضاف أن الأبعاد الكبرى للمجتمعات المدنية تعد رافدا أساسيا للتحديث والنمو والتطور علي مختلف المستويات، ودورها يعد محوريا في منافسة الدولة من خلال تفعيل المجتمع وتوجيه الثقافة ودعم الاقتصاد.
وبدأ الدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات في مكتبة الإسكندرية بتأكيد أن هناك تاريخا طويلا من العلاقات الوطيدة والقوية بين الشعبين المصري والمغربي، مستشهدا علي ذلك بأن أكثر من ستين في المئة من سكان حي السيدة زينب كانوا من العائلات المغربية، وما يقارب من خمسين بالمئة من سكان الإسكندرية القديمة كانوا من المغرب، بالإضافة إلى أن هناك تأثرا قويا بالثقافة المغربية بمحافظة كفر الشيخ وصل حد التأثر بالمطبخ المغربي في الطعام.
واختتم حديثه بملاحظة أنه يتم فرض النموذج الغربي للمجتمع المدني علي مجتمعات الوطن العربي علي الرغم من أن المجتمع المدني العربي يعد هو الأوقع والأفضل.
وقد بدأ الدكتور عبد الرحيم المغربي؛ أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد عبد الله بفاس بالمملكة المغربية كلمته مؤكدا أن المجتمع المدني العربي يعيش ربيعا علي غرار الربيع العربي.
وأضاف أن هناك عقبات يجب أن يجتازها المجتمع المدني من أجل التطور والفعالية وبلوغ قوة التأثير، والقيام بالأدوار التي لا تستطيع الدولة القيام بها.
وأشار إلى أن قوة الولايات المتحدة الأمريكية تكمن في مجتمعاتها المدنية، ومن هنا يمكننا القول أنه لابد أن تكون قوة المجتمع المدني تفوق قوة السلطة أو توازيها على أقل تقدير حتى تحدث تأثيرا ملحوظا في القرار.
وأوضح أن هناك ضروريات قصوى للمجتمع المدني في العالم العربي، مؤكدا أهمية القيم الإنسانية كالحرية والمساواة والمشاركة ودورها في تطور وفعالية المجتمع المدني، وأنه لا ينبغي أن ننسى أن الإجماع يقتل الديمقراطية، فنحن في حاجة إلى ثقافة الاختلاف وثقافة الممانعة وليس إلى ثقافة التواطؤ.
وتحدث الدكتور خالد عزب في جلسة تالية عن الوقف والمجتمع المدني في العالم العربي، مشددا على أن السلطة في المجتمعات العربية ليست سلطة واحدة وإنما ثلاث سلطات، أولها سلطة الدولة التي تعتبر هي المسئولة عن الأمن والأسواق وتوفير الخدمات والصناعات، ثم يليها سلطة المجتمع والتي تعتبر هي المسئولة عن الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة والتي أيضا كانت تنطلق من منطلق الحرص على سلامة وكرامة الفرد أيا كانت ديانته أو عرقه، وأخيرا سلطة الحارة وتلك هي التي تناولها نجيب محفوظ في كثير من رواياته، من خلال طرحه لفساد سلطة الفتوة داخل المجتمع وكيف ثار المواطنون عليه وعلى ظلمه واستبداده.
وأضاف أن مؤسسة الوقف تقوم على وقف منشأة أو أرض زراعية أو ريع تجاري، وقد أعطى العلماء المسلمون قوة لتلك الأوقاف، واعتبروا أن هذا الوقف مثل النص المقدس لا يجوز المساس به، فالوقف بهذا المعنى يعتبر شخصا اعتباريا عاما، مع التأكيد على أن الواقف يخضع لرقابة صارمة من قبل القضاء.
كما تحدث عن المجتمع المدني قديما وكيف كان يعتبر أنه من العيب أن يدفع المريض مالا نظير دخوله للعلاج داخل المستشفى، وكان أيضا يهتم بشأنين مهمين هما التعليم الطبي والبحث العلمي، فالمستشفى القلاووني كانت من مهامها الرئيسية دراسة الأمراض دراسة دقيقة وعميقة بحثا عن علاجا لها، فكانت تعتبر أول مستشفي في المنطقة العربية للعلاج الكيميائي، وكانت تلك بمثابة نقلة عربية في مجال الطب، بالإضافة إلى أن الواقف قديما كان يأمر بإرسال الطعام للمريض بمنزله مجانا استكمالا لعلاجه.
وذكر أن مدينة فاس المغربية لطالما كانت مثالا أعلى للوقف في الحضارة الإسلامية، وتمثل ذلك في عدة أشكال مثل وقف العروسة اليتيمة ووقف دار الشيوخ ووقف المطلقات ووقف المطابخ العامة.
واختتم كلمته مؤكدا أنه قديما كانت سلطة المجتمع تمتلك قدرا كبيرا من القوة والتأثير وهو ما أهلها لمشاركة السلطة في اتخاذ القرار، وكان ذلك بمثابة تحول نوعي في نقل السلطة.