أزمة تعقبها أزمة، وعاصفة تليها عاصفة أشد بأساً.. أما الحل يبدو أنه غائباً عن أنظار المسؤولين، فأقصى ما يمكنهم فعله هو إصدار التصريحات هنا وهناك، "عازمين على اتخاذ كافة الإجراءات التي تحمي الأمن المائي لمصر" كلماتهم المعتادة دون نتيجة حقيقية تحسب، أو انجاز ملحوظ يضاف إليهم، فبعد تكرر الأزمات المائية في مصر.. هل أصبحنا على بعد خطوات من السقوط في هاوية الفقر المائي؟.
8 سنوات منذ الإعلان الأثيوبي عزمها بناء سد النهضة، والذي أعلنت أثيوبيا انتهاءه في 2017 الجاري، مما كان بداية لسلسة من المخاوف تصدرت قائمة مصر في الدفاع عن حقوقها المائية، إلا أن البعض تهاون في تقديره للأزمة، تاركا المجال لأثيبوبيا كي تعبث بالحقوق المصرية، حتى أن استفقاق هؤلاء من متاهة التصريحات المزيفة، إلا أن وجدوا الأوضاع قد وقعت في مهب الريح.
من الدبلوماسية الهشة.. للتصعيد الحاد.. للروج إلى الدبلوماسية مرة أخرى.. هكذا تعاملت مصر مع أزمة سد النضهة، فمنذ البداية عقدت اجتماعات تبادلية بين الأطراف المصرية والأثيوبية، إلا انها لم تخرج بجديد، فضعف رؤية المسؤولين وعدم قدرتهم على التعامل مع الأزمة، جعلت أثيوبيا تعمق من نواياها لإنشاء السد.
مما دفع مصر للجوء إلى لغة التصعيد، وتبادل التصريحات، فلم تأتي هي الأخرى بنتيجة تذكر، بل جعلت الأزمة تزداد سوءاً، وكانت آخر محاولات مصر، هو تدخل وزير الخارجية سامح شكري في الأزمة، من خلال مؤتمرا صحفيا عقده مع وزير الخارجية الأثيوبي ورقي جيبيوه، والذي أكد من خلاله أن هدف مصر من التواصل مع إثيوبيا ودول حوض النيل هو تعزيز العلاقة واستكشاف آليات التعاون عبر عقد اللجان المشتركة، موضحا أن مصر تعمل على تعزيز التعاون والاستثمارات والتعاون الثنائى مع كافة الدول.
وقال شكرى، إن هناك تأكيدا متبادلا بين مصر وإثيوبيا على الأهمية القصوى التى توليها البلدين لتطوير العلاقة بينهما، مؤكدا أن هناك حرص وإرادة سياسية قوية لتدعيم العلاقات بين البلدين والسير قدما لما يحقق مصلحة الشعبين على اساس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة والرغبة فى افادة الشعبين.
"أهل مصر" رصدت تاريخ بناء سد النهضة، والذي كانت بدايته عام 1956 – 1964، حيق تم تحديد الموقع النهائي لسد النهضة بواسطة مكتب الولايات المتحدة للاستصلاح، خلال عملية مسح للنيل الأزرق، دون الرجوع إلى مصر حسب إتفاقية 1929.
وفي أكتوبر 2009 وأغسطس 2010 قامت الحكومة الإثيوبية بعملية مسح للموقع، حتى أعلنت أثيوبيا في نوفمبر 2010، الانتهاء من تصميم السد، وفي 31 مارس 2011، وبعد يوم واحد من الإعلان عن المشروع ، تم منح عقد قيمته 4.8 مليار دولار دون تقديم عطاءات تنافسية للشركة الإيطالية.
وفي 2 أبريل 2011 وضع رئيس وزراء إثيوبيا السابق ملس زيناوي، حجر الأساس للسد وقد تم انشاء كسارة للصخور جنبا إلى جنب مع مهبط للطائرات الصغيرة للنقل السريع،
وفي 15 أبريل 2011، أعاد مجلس الوزراء الاثيوبى تسمية السد بـ "سد النهضة الإثيوبي، حيث كان في البداية يطلق عليه "مشروع اكس" وبعد الإعلان عن عقود المشروع سمى بـ "سد الألفية"، وفي مايو 2011، أعلنت إثيوبيا أنها سوف تتقاسم مخططات السد مع مصر حتى يمكن دراسة مدى تأثير السد على المصب، وفي مارس 2012، أعلنت الحكومة الإثيوبية عن ترقية لتصميم محطة توليد كهرباءالسد، وزيادتها من 5250 ميجاوات إلى 6000 ميجاوات، و من المتوقع ان يكون اول مولدين جاهزة للعمل بعد 44 شهرا من البناء.
مصر عارضت بشكل رسمي إقامة هذا السد، مؤكدة أنه سيقلل من كمية المياه التي تحصل عليها من النيل، والذي أعقبه رد زيناوي (رئيس وزراء إثيوبيا السابق)، قائلاً " إن السد لن يقلل توافر المياه للمصب وإنه أيضا ينظم المياه لأغراض الري".
تبيانت أراء الخبراء حول المخاطرالمائية التي تواجهها مصر، بدءاً من وزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولي، والذي سبق وصرح قائلاً " إنه لا يخفى على أحد أن مصر دخلت فى مرحلة الفقر المائى، وتراجع نصيب الفرد من المياه إلى 700 متر مكعب سنويا، مما يزيد من أهمية التوجه لتحلية مياه البحر"، مضيفاً خلال مؤتمر صحفى نظمته الشركة القابضة لمياه الشرب ظهر اليوم، أن تحلية مياه البحر أصبحت قضية أمن قومى، فى ظل الزيادة السكانية التى تعيشها مصر حاليا، لافتا إلى أن كل الدارسات أكدت أن نصيب الفرد داخل مصر فى تراجع مستمر.
من جانبه قال الدكتور أحمد معوض، نائب رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، إن مصر حالياً تقع تحت حد الفقر المائى، مشيراً إلى أن استخدام المصادر غير التقليدية من الصرف الزراعى والصحى والتحلية والمياه الجوفية أصبح اتجاها لا بديل عنه لسد العجز المائى ولمواجهة التحديات المائية.
وأضاف معوض فى كلمته بمؤتمر تحلية المياه الحادى عشر فى الدول العربية، أن الأرقام المتعلقة بالمياه العذبة فى العالم تدعو للقلق حيث تحتل أكثر من 3% من مجمل المياه الموجودة فى كوكب الأرض و77.8% من هذه النسبة على هيئة جليد و21% مياه جوفية والكمية المتبقية بعد ذلك، والتى لا تتجاوز 0.6% هى المسئولة عن تلبية احتياجات اكثر من 6 مليارات من البشر فى كل ما يتعلق بالنشاط الزراعى والصناعى وسائر الاحتياجات اليومية.
الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بكلية الهندسة جامعة القاهرة، قال إنه عندما إعترفت مصر بشرعية سد النهضة كان لا بد من المقابل أن تعترف أثيوبيا بحق مصر فى ما يخرج لها من مياه وأن تعترف بثبات نسبة حصتها خلال الأعوام الماضية، مضيفا أن مصر تعانى من عجز مائى مقداره 28 مليار متر مكعب مائى، موضحا أن المفاوض المصرى عليه أن يتعامل مع الجهات الأثيوبية بطريقة احترافية وأن يؤكد على ضعف حصة المياه للمواطن المصرى على الرغم من ضعف الحصة للمواطن الأثيوبى.
ولفت نور الدين، إلى أن مصر على أعتاب أزمة حقيقة فعلية لن ندركها حاليا وسندركها فى وقت لاحق لأن حصة مصر من المياه التى تأتى من النيل الأزرق 84 مليار متر مكعب منهم 72 مليار تمر من أثيوبيا.
وأوضح نور الدين أن مصر تعترض على السد لكونه يفقدها حصتها من مياه نهر النيل وامتلاء بحيرة السد، مضيفًا أن القانون الدولي يمنع دول المنابع من إقامة سدود على الأنهار يكون من شأنها تغير من طبيعة تدفقات النهر أو تغير مواعيد وصول المياه إلى دول المصب بما يؤثر علي البيئة الزراعية واختفاء الأسماك
وفي سياق متصل قال خبير الموارد المائية ومستشار وزير الري سابقاً ضياء الدين القوصي، إنه منذ بدء إثيوبيا في بناء سد النهضة ودخلت مصر في أزمة مائية خلال السنوات الماضية، مضيفا أن عجز مصر في المياه يجعلها تعيد تدويرها أربع مرات قبل صرفها في مياه البحر المتوسط بالضرر على صحة المصريين، مؤكداً أن حل الأزمة سيكون فنياً وسياسياً وقانونياً.