تحيي منظمة الصحة العالمية، 25 أبريل، اليوم العالمي للملاريا 2017 تحت شعار "القضاء على الملاريا قضاءً مبرما"، لتسليط الضوء على الحاجة إلى حشد الالتزام السياسي المستمر للوقاية من الملاريا ومكافحتها، إضافة إلى تسليط الضوء على الوقاية كاستراتيجية بالغة الأهمية للحد من الوفيات الناجمة عن الإصابة بمرض لا يزال يحصد أرواح أكثر من 400 ألف إنسان كل عام، حيث تم تأسيس اليوم العالمي للملاريا بسبب الجهود التي تجري في جميع أنحاء القارة الأفريقية، لإحياء ذكرى يوم الملاريا الأفريقي.
والملاريا، هو مرض طفيلي معدي بسبب كائن طفيلي يسمى متصورة أو بلازموديوم، وينتقل عن طريق البعوض ويتسلل، هذا الطفيلي داخل كريات الدم الحمراء في جسم الإنسان فيدمرها، ويترافق ذلك مع مجموعة من الأعراض أهمها الحمى، فقر الدم وتضخم الطحال، وتم اكتشاف الطفيلي مسبب مرض الملاريا في 6 نوفمبر 1880 في المستشفى العسكري بقسنطينة بالجزائر من طرف طبيب في الجيش الفرنسي يدعى ألفونس لافيران والذي حاز على جائرة نوبل في الطب والفسيولوجيا لعام 1907 عن اكتشافه هذا.
وينتشر هذا المرض في بلدان العالم الثالث وينتقل إلى الأطفال عبر أكثر من طريقة أهمها البعوض الذي يكثر بعد هطول الأمطار وخاصة في المناطق التي لا يوجد فيها تصريف صحي لمياه الأمطار والمجاري.
وتعتبر أنثى بعوضة أنوفليس هي الأكثر قدرة على نقل الطفيلي المسبب للملاريا أثناء امتصاصها لدم الإنسان الذي تحتاجه لتتمكن من وضع البيض مع ملاحظة أن ذكر البعوض لا يتغذى على الدم ولكن على رحيق الأزهار وعصارة النباتات.
والملاريا من الأمراض الحموية الحادة، وتظهر أعراضه، لدى الأشخاص الذين ليس لهم مناعة ضده، بعد مضي 7 أيام أو أكثر (10 أيام إلى 15 يومًا في غالب الأحيان) من التعرض للدغة البعوض الحامل له، وقد تكون الأعراض الأولى هي الحمى والصداع والارتعاش والتقيؤ، وقد تكون أعراضها خفيفة وقد يصعب عزوها إلى الملاريا.
وقد أكدت البحوث أن النساء الحوامل هن أكثر عرضة للإصابة بالملاريا من النساء الغير حوامل، وذلك لأن الجهاز المناعي قد يضعف خلال فترة الحمل، مما يعني أن الجسم أقل قابلية على محاربة البكتريا والالتهابات، وإذا كانت الحامل مصابة بالملاريا، فقد يصاب طفلها أيضا بالمرض.
ووفقا لأحدث تقديرات منظمة الصحة العالمية والتي صدرت في ديسمبر 2016، بلغت حالات الإصابة بالملاريا 212 مليون حالة وحالات الوفاة 429 ألف شخص في عام 2015، وفي الفترة ما بين عامي 2010 و2015، انخفض معدل الإصابة بالملاريا بين السكان المعرضين للمخاطر بنسبة 21% على الصعيد العالمي؛ وخلال الفترة نفسها، انخفضت معدلات الوفيات من جراء الملاريا بين السكان المعرضين للمخاطر بنسبة 29%. وتم تفادي ما يقدر بنحو 6.8 مليون حالة وفاة من جراء الملاريا على مستوى العالم منذ عام 2001.
ولا تزال أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تتحمل قسطًا كبيرًا بشكل غير متناسب من العبء العالمي للملاريا، ففي عام 2015 كانت 90% من حالات الملاريا و92% من الوفيات الناجمة عن الملاريا تتركز في الإقليم، فهناك نحو 13 بلدا معظمها في أفريقيا، تضم 76% من حالات الإصابة بالملاريا و75% من الوفيات الناجمة عنها على مستوى العالم.
وفي المناطق التي يرتفع فيها معدل انتقال الملاريا، يكون الأطفال تحت سن الخامسة معرضين بشكل خاص للعدوى والمرض والوفاة؛ ويحدث أكثر من ثلثي أو 70% من إجمالي الوفيات الناجمة عن الملاريا لدى هذه الفئة العمرية، وبين عامي 2010 و2015، انخفض معدل وفيات الملاريا لمن هم دون سن الخامسة بنسبة 29% على الصعيد العالمي.
وتعتبر مكافحة النواقل هي الطريقة الرئيسية للوقاية من الملاريا والحد من انتقالها، وإذا كانت التغطية بتدخلات مكافحة النواقل في منطقة معينة عالية بما فيه الكفاية، فسيوفر هذا قدرًا من الحماية في جميع أنحاء المجتمع، وتوصي المنظمة بتوفير الحماية لجميع الأشخاص المعرضين لمخاطر الملاريا من خلال المكافحة الفعالة لنواقل الملاريا، وهناك شكلان من طرق مكافحة النواقل - الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات، والرش الثمالي داخل المباني – اللذان أثبتا فعالية في مجموعة كبيرة من الظروف.
ويمكن أيضًا استخدام الأدوية للوقاية من الملاريا، فبإمكان المسافرين وقاية أنفسهم من هذا المرض عن طريق الوقاية الكيميائية، التي تزيل المرحلة الدموية لعدوى الملاريا وتمكن بالتالي من توقي الإصابة بالمرض، وبالإضافة إلى ذلك توصي منظمة الصحة العالمية بتوفير العلاج الوقائي المتقطع القائم على مادة السلفاديوكسين - بيريميثامين للحوامل اللائي يعشن في المناطق التي يشتد فيها سريان الملاريا.
كما توصي بإعطاء ثلاث جرعات من ذلك العلاج للرضع الذين يعيشون في المناطق الأفريقية التي يشتد فيها سريان هذا المرض والحرص، في الوقت ذاته، على تطعيمهم باللقاحات الروتينية اللازمة، وفي عام 2012، أوصت المنظمة بتنفيذ الوقاية الكيميائية الموسمية من الملاريا بوصفها استراتيجية إضافية لمكافحة هذا المرض في مناطق شبه إقليم الساحل بأفريقيا، وتشمل الاستراتيجية إعطاء مقررات شهرية من الأمودياكين زائد السلفاديوكسين - بيريميثامين لجميع الأطفال دون سن الخامسة خلال الموسم الذي يشتد فيه سريان المرض.
وفي مارس 2017، ولأول مرة منذ 10 سنوات، أصدرت منظمة الصحة العالمية توجيهات جديدة في مجال السياسات بشأن القضاء على الملاريا، وهي تزود البلدان بمجموعة من الأدوات والاستراتيجيات لتحقيق القضاء على المرض والحفاظ عليه، بغض النظر عن مكان وجوده عبر نطاق انتقال الملاريا، وأطلق رسميا إطار عام 2017 للقضاء على الملاريا في منتدى عالمي حضره مديري البرامج الوطنية من مجموعة العشرين، وهي مجموعة من البلدان التي يمكن، وفقا لتحليل أجرته منظمة الصحة العالمية، أن تصل إلى صفر حالات إصابة بالملاريا من السكان الأصليين بحلول عام 2020.
وأشار الدكتور بيدرو ألونسو، مدير البرنامج العالمي لمكافحة الملاريا، إلى الحاجة إلى توجيهات جديدة بشأن القضاء لمواكبة التغيرات الجذرية التي شهدتها المناظر الطبيعية للملاريا خلال العقد الماضي، مضيفا أن الانتشار الواسع النطاق للأدوات الأساسية لمكافحة الملاريا قد ترجم إلى تخفيضات كبيرة جدا في عبء المرض، وأن لدينا توجيهات سياسية جديدة وأدوات لم تكن متاحة من قبل، فضلا عن استراتيجيات جديدة، وهناك بلدان أخرى تزيل الملاريا أو تحرز تقدما مطردا نحو تحقيق هذا الهدف.
ويعد القضاء على الملاريا في 10 بلدان على الأقل أحد الأهداف الاستراتيجية على المدى القريب لعام 2020، ومع ذلك كله، يتعين الإسراع كثيرًا بوتيرة التقدم المحرز في هذا الصدد، وتدعو الاستراتيجية التقنية العالمية لمنظمة الصحة العالمية بشأن الملاريا إلى تقليل حالات الإصابة بها والوفيات الناجمة عنها بنسبة 40 % بحلول 2020، مقارنة بالمستويات الأساسية في عام 2015، ويسير أقل من نصف بلدان العالم (40 بلدًا) التي تشهد سراية الملاريا بها (90 بلدًا) على الدرب الصحيح صوب بلوغ هذه الأهداف المنشودة، واتّسمت وتيرة التقدم بالبطء بشكل خاص في البلدان ذات الدخل المنخفض والتي تنوء بعبء ثقيل للملاريا.
وسعيًا منها إلى الإسراع بوتيرة التقدم صوب بلوغ هذه الغايات العالمية، تدعو المنظمة البلدان المتضررة بالملاريا وشركاءها في مجال التنمية إلى دعم الاستثمارات في مجال الوقاية من الملاريا، داعية أيضا إلى توفير المزيد من التمويل اللازم لإعداد أدوات جديدة وتقييمها ونشرها، وسوف تدفع الاستثمارات القوية في مجال الوقاية من الملاريا وفي تطوير أدوات جديدة، البلدان وتضعها على الطريق نحو القضاء على هذا المرض، مع الإسهام في الوقت ذاته في بلوغ سائر أهداف التنمية المستدامة من قبيل تحسين صحة الأمهات والأطفال، ونستطيع متى توافرت الموارد اللازمة واتحد الشركاء جميعهم، أن نحول رؤيتنا المشتركة "القضاء على الملاريا قضاءً مبرمًا" إلى واقع نعيشه سويا.