حفيد «عمر مكرم» يكشف سر كُره عبد الناصر لعمر الشريف

لواء محمد صالح مكرم، حفيد عائلة المناضل المصري «عمر مكرم»، وقت حكم المماليك والعثمانيين وأحد الشهود على صراع الاثنين على حكم مصر والمقاوم الشعبي، الذي حارب الغزو الفرنسي للبلاد ونقيب الأشراف بعدها.. يحمل اللواء طيار محمد صالح «الحفيد» زكريات ثرية عن فترة من أهم الفترات، التي عاشتها مصر، فقد كان زميلا في الصف لحفنة من أبناء حكام ومشاهير البلاد، ومنهم خالد جمال عبد الناصر وأبناء المشير عبد الحكيم عامر وأيضا الابن الوحيد للفنان إسماعيل يس وغيرهم ممن أثروا في تاريخ هذا البلد في كل المجالات.

ويسرد اللواء محمد صالح مكرم في (حلقته الثانية) قصته مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وكيف كانت صداقته بنجله خالد، حيث كانا صديقان وقت الدراسة، وعن الطريقة التي اصبح بها زميلا دراسيا له وإلى النص.

-مدارس الأعيان

والدي مثل كل أعيان وأغنياء البلد، كان يفضل أن يدخل أطفاله أفضل مدارس في الدولة، وكان يبحث عن المدارس التي يدرس فيها أولاد الأغنياء والزعماء والمشاهير ويلحق أولاده بها، وهو ما حدث معي وأشقائي.

وصداقتي بخالد جمال عبد الناصر، كانت بحكم الصف الدراسي الذي جمع بيننا، وكان شخصية هادئة يفكر اكثر مما يتكلم، وكان نموذج الشاب الذي يصلح تماما ليكون نجلا لزعيم بقدر جمال عبد الناصر، لأنه تربى على خطى والده وشرب من شخصيته وصفاته التي أهلته للزعامة وجعلته معشوقا من الشعب حتى الآن.

وكان والدي يملك فيللا ضخمة مترامية الأطراف، مقامة وسط أرض مساحتها خمسة الاف متر، وهي مترامية الأطراف وتحتوي حمام للسباحة، وهو كان تقليدا غير منتشرا وقتها، ولكن لأن أبي كان يعمل بمجال الهندسة، صمم الفيللا بشكل مختلف، وساعده على مزيد من الإبهار المساحة الشاسعة التي تحيط بالمبنى نفسه، وكان حمام السباحة سببا في إقبال الكثير من الأطفال على زيارتنا للاستمتاع بهذا الحمام الخاص، حيث يمكنهم السباحة في اي وقت يشاءون.

وحين قررت الاحتفال بعيد مولده مثل كل عام، وقتها كنت شابا صغيرا، طلبت من والدي دعوة خالد جمال عبد الناصر، صديقي للحفل، ورحب والدي بالفكرة، وبالفعل قام بدعوته وكذلك ابناء عبد الحكيم عامر، وغيرهم من أصدقاء الدراسة وقتها، وأذكر من بينهم نجل الموسيقار رياض السنباطي.

حرس جمهوري وهدية نادرة

أتت مجموعة من الحرس الجمهوري قبل حضور "خالد" لتأمين المكان، وذلك بأوامر من عبد الناصر شخصيا، وحتى يضمنوا مستوى المكان وتدابيره التأمينية، وهو الأمر الذي أبهر الحرس، وكانوا يفكرون كيف يمكن تأمين هذه المساحة الكبيرة لوجود خالد بعيد مولد صديقه، وحين أتى "خالد" أهداني شئ غير مألوف على الإطلاق، وكان عبارة عن طائرة طولها متر تعمل بالريموت كنترول، في وقت كانت ألعاب الريموت كنترول لا وجود لها إلا في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت هدية أكثر من رائعة ومميزة، وعرفت بعدها أن الطائرة هي واحدة من عشرة طائرات كانت هدية من الرئيس الأمريكي جون كينيدي لوالد خالد، وهي الطائرات التي احتفظ "خالد" منها بواحدة وقرر أن يهدي التسع طائرات الأخرى لأصدقائه المقربين، وكنت أنا من بينهم، واعتبر والدي المهندس الشهير أن الهدية رائعة ومبتكرة وتليق بوضع خالد وتظهر مدى القرب بين إبنه محمد وخالد جمال عبد الناصر.

حكاية عيد ميلاد

مرت الأيام وحل الاحتفال بعيد ميلاد «خالد» وكنت أنا أول المدعوين له، وعرفت أن الوقت حان لرد الهدية، وجلست أفكر ماذا أهدي صديقي، ليكون بقدر هديته السابقة بعيد مولدي، واقترح والدي وقتها أن تكون الهدية ساعة يد قيمة وباهظة السعر، وكانت الهدايا الباهظة الثمن يترك معها مكان الشراء والسعر وقسيمة البيع، حتى يستطيع صاحبها أن يعود إلى المحل في حال تعطلت، أو أراد تغيير أو تعديل شئ ما فيها، وبالفعل حصل على ساعة باهظة الثمن وكان سعرها 30 جنيها، وهو سعر عال جدا في هذا الوقت.

ليلة في بيت عبد الناصر

دخلت إلى بيت خالد عبد الناصر، وجدت في استقبالي حرس يصطحبوني حتى مكان وجود عبد الناصر شخصيا، وكان الزعيم يسلم باليد ووجهه بشوش على كل المدعوين، والحفل حضره كبار رجال الدولة في أزياء العمل من حربية وملكية وشرطية، وكأنها حفل يحضره سفراء عن الدول، حيث تميز بالأناقة والرقي، وصافحني عبد الناصر وسألني عن والدي وعمله، وطلب مني الانضمام للأطفال حيث تقاليد الحفل المعروفة.

بنات ناصر

منى وهدى عبد الناصر من أكثر سيدات مصر احتشاما وأناقة ورقي في هذه الوقت، كانتا أكبر من خالد، وتميزتا بالرقة والجمال الذي كان يميزهما بين الحضور، وكانتا ترتديان أزياءا مبهجة تدعو للتفاؤل وتناسب عمرهما، وقابلا الجميع بالابتسامات الرقيقة، وكانتا تتمتعان بالطول والرشاقة أيضا بالنسبة لطول الأولاد أصدقاء خالد في الحفل لأنهم أقل منهما عمرا.

واسطة عبد الناصر

ظلت علاقة الصداقة تربط بيني وبين خالد حتى وصلنا للجامعة، وفي هذا الحين كانت رغبتي أن أدخل الكلية الحربية، ولكن لم يكن مسموحا لي برغم لياقتي وثراء أسرتي بسبب جنسية والدتي الأرمينية، وهنا لم يكن أمامي إلا أن أطلب من صديقي "خالد" أن يتدخل ويطلب من والده أول واخر استثناء في حياته، وهو أن يسمح لي بدخول الكلية الحربية، وطلب جمال عبد الناصر أن يقابل هذا الصديق المقرب من إبنه، وبالفعل ذهبت للقاء الزعيم المصري فسألني، لماذا تريد الالتحاق بالكلية الحربية حيث الشقاء والتعب؟، ولم لا أختار كلية سهلة، مثلما فعل أصدقاء دراستي، فقلت له إن رغبة والدي أن أصبح عسكريا، ورغبته أقوى، حيث يجد في العسكرية شرفا وكرامة وفرصة لإثبات الذات لا توجد في أي مهنة أخرى في رأيه، وسألني مجددا، وماذا لو فشلت.، فأجبته سأكون خضت التجربة، فقط أريد الفرصة، وبالفعل منحني عبد الناصر الاستثناء، ودخلت الكلية الحربية، اجتزت الاختبارات الصعبة، واستطعت التفوق فيها حتى أصبح أحد أشهر طلابها.

تسببت الدراسة في البعد بيني وبين صديقي خالد وفرقت بيننا الأيام، برغم من أننا، على اتصال قدر المستطاع، وظلت العلاقة تربط بيننا حتى أصيب خالد بالمرض الخبيث "السرطان"، ورحيله في أثناء رحلته للعلاج بأحد المستشفيات في بريطانيا.

نقلا عن العدد الورقي

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً