كشفت صحيفة Middle East Eye البريطانية أن أي أمير سعودي يحتاج إلى رضى ثلاثة مصادر للقوة حتى يصبح ملكاً، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والعائلة الحاكمة السعودية والشعب السعودي.
كان ذلك هو حال كل واحد من ملوك السعودية منذ 14 فبراير 1945 عندما التقى فرانكلين دي روزفيلت مع مؤسس المملكة الملك عبد العزيز على سطح مياه البحيرة المرة الكبرى في مصر.
وقالت الصحيفة أنه عندما توفي الملك عبد الله في 23 من يناير 2015 وأعتلي أخوه غير الشقيق سلمان إلى العرش، لم يكن ابنه محمد يحوز على كثير، لقد كان وزير دولة ومستشارًا لوالده ولكنه كان نكرة في واشنطن،وفقاً لوصف الصحيفة.
حينها بدأ المشهد الأول من الفصول الأربعة لتنصيب محمد بن سلمان على عرش المملكة.
1-النضح الملكي
لم يُبق الملك سلمان أي شئ يخص الملك عبد الله داخل الديوان، بل فرمها جميعاً بداية من الملك الراحل خالد التويجري رئيس الديوان والحارس المؤتمن عليه.
حل محل التويجري الشاب محمد الذي كان في ذلك الوقت أصغر وزير دفاع في العالم،وثبت سلمان شقيقه الأمير مقرن وليا للعهد ونصب ابن شقيقه محمد بن نايف وليا لولي العهد.
كان سقوط التويجري خبرًا سيئاً للملك محمد بن زايد، فالاثنان معًا هما اللذان وقفا بجابن مصر في حربها ضد إرهاب الأخوان المسلمين وهؤلاء الثلاثة جمع بينهم الحرب ضد الاخوان من جهة و إيران من جهة أخري.
2-صعود الابن
طرد الملك سلمان أخاه الأمير مقرن من منصبه كولي للعهد مستبدلاً إياه بأبن شقيقه، محمد بن نايف، ونصب أبنه المفضل، محمد بن سلمان، ولياً لولي العهد.
ووفقاً للصحيفة كان محمد قد صُور وهو يقبل يد أبن عمه الذي يكبره سنًا، محمد بن نايف، ولكن لم يلبث طويلاً حتى تعلم كيف يعضها.
وكانت تغييرات جوهرية قد حصلت لموقع ولي العهد حينما قرر الملك إلغاء الديوان الملكي لولي العهد، فحتى تلك اللحظة كان للملك ديوانه وحاشيته ولولي العهد ديوانه وحاشيته، وبعد إلغاء ديوان ولي العهد لم يبق لمحمد بن نايف سوى وزارة الداخلية التي تشكل الآن قاعدة نفوذه الوحيدة.
وأضافت الصحيفة أن محمد بن نايف ظل يحمل في نفسه ضغينة تجاه محمد بن زايد الذي كان قد شبه والده الراحل نايف بن عبد العزيز بالقرد.
أضف إلى ذلك أن محمد بن نايف كانت لديه حظوة خاصة في واشنطن، بل كان يعتبر رجل واشنطن في المملكة العربية السعودية، ثم ما لبثت الأمور سريعاً بدت مبشرة للقوى الإقليمية التي وقفت بالمرصاد للإماراتيين، وبالذات للنظامين التركي والقطري الداعمين لجماعة الإخوان المسلمين.
وقالت الصحيفة إن حسبة محمد بن زايد تتلخص في أن له عدواً مشتركًا مع محمد بن سلمان، فطالما أن محمد بن نايف ظل في موقعه ولياً للعهد فسيشكل عقبة كأداء في طريق أبن عمه محمد بن سلمان.
في البداية لم ترض واشنطن عن أداء محمد بن سلمان كوزير للدفاع ولم تعجبها تصرفاته، فقد شن حربا شاملة على الحوثيين في اليمن بينما كان الأمير متعب وزير الحرس الوطني خارج البلاد.
تشكل انطباع عن وزير الدفاع الشاب بأنه متعجرف، ويذكر أنه اختفى في إجازة في جزر المالديف بينما كان وزير دفاع باراك أوباما آش كارتر يبحث عنه لأيام ويحاول الوصول إليه دون جدوى.
ومع قدوم شهر ديسمبر من ذلك العام، أصدرت وكالة الاستخبارات الألمانية بي إن دي مذكرة من صفحة ونصف، غير معتادة في صراحتها ووضوحها، تصف الأمير محمد بن سلمان بأنه مقامر طائش بيده سلطات هائلة.
تحرك محمد بن زايد بسرعة البرق، ورتب لأحد كبار الإعلاميين السعوديين من أصحاب النفوذ، بعد أن صب ملايين الدولارات في حساباته المصرفية، حتى يقوم بدور الوسيط بينه وبين محمد بن سلمان، وانطلاقًا من تجربته الشخصية، نصح محمد بن زايد محمد بن سلمان بالتحرك العاجل.
وكما نشر في حينه في موقع ميدل إيست آي، أخبر محمد بن زايد محمد بن سلمان بأن عليه أن ينهي حكم الوهابية في المملكة وأن يتقرب من إسرائيل.
ووعد محمد بن زايد محمد بن سلمان بأن يقوم شخصيا بما يلزم حتى يفتح له قناة اتصال مع واشنطن، ولكن عليه أولا أن يصبح معروفاً عنه أنه لاعب قائم بذاته.
قبل شهر من تنصيب ترامب، طار محمد بن زايد سرًا إلى نيويورك، مخالفاً البروتوكول المعمول به، وذلك بعدم إخبار باراك أوباما، الذي كان رئيس الولايات المتحدة حينها. علم موظفو البيت الأبيض بالزيارة فقط حينما رأوا اسم محمد بن زايد في قائمة ركاب إحدى الرحلات.
ووفقاً للصحيفة فقد التقى محمد بن زايد أثناء تلك الزيارة بمستشاري ترامب المقربين منه مثل مايكل فلين وجاريد كوشنر وستيفين بانون.
كان الهدف الأول والأساسي لمحمد بن زايد هو عرض خدماته على عائلة ترامب، وفعلاً، فقد رتب شقيق محمد بن زايد، مستشار الأمن القومي في دولة الإمارات العربية المتحدة، اجتماعاً في سيشيلز بين مؤسس شركة بلاكووتر، إريك برنس، وشخصية روسية مقربة من فلاديمير بوتين.
وكانت الفكرة من ذلك هي إقامة خط اتصال عبر قناة خلفية بين موسكو ودونالد ترامب الذي كان حينها الرئيس المنتخب، وذلك وفقاً لما زعمته صحيفة الواشنطن بوست.
إلا أن الاجتماع حقق هدفاً آخر، ألا وهو تمكين محمد بن زايد ليكون رجل ترامب (والضامن لسياساته) في منطقة الخليج.
حينما التقى ترامب أخيراً بمحمد بن سلمان في البيت الأبيض في شهر مارس ،وُصف الاجتماع بأنه كان "نقطة تحول"، وحينها استغل ترامب الفرصة ليعلن بأنه قرر إعادة الروابط مع المملكة بعد أن أهدرها أوباما بسياسته التي استهدفت التقارب مع إيران.
إلا أن مجرد اللقاء بمحمد بن سلمان كان ذا دلالة أكبر مما جرى أثناء اللقاء من محادثات، وذلك أن ترامب كان يرى حينها وكأنه يتحدث مع الملك القادم.
حينما رد جيمز ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي، الزيارة وتوجه إلى الرياض نهاية الأسبوع الماضي، التقى بكل من الملك سلمان وابنه محمد، أما محمد بن نايف، رجل واشنطن السابق في المملكة، فقد كان غائباً تماماً عن المشهد.
3-مراسيم الفصل
حيث أصدر الملك سلمان يوم السبت الماضي أربعين مرسومًا، كان أهمها على الإطلاق هو ذلك المرسوم الذي استهدف استعادة شعبية محمد بن سلمان من خلال إعادة البدلات المادية لموظفي القطاع العام ولأفراد القوات المسلحة التي كانت "رؤية 2030" قد اقتطعتها منهم.
في المراسيم الأخرى، ورد النص على تعيين شقيق محمد بن سلمان الأصغر، واسمه خالد، سفيراً لدى الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن خبرته الوحيدة في الدبلوماسية الدولية لا تتجاوز قيادة طائرة الإف 16 بوصفه طياراً حربيًا.
من المثير للغرابة أن نفس رزمة المراسيم تضمنت طرد أحد الوزراء من عمله والتحقيق معه لأنه وظف أحد أبنائه، من الواضح أن هذه القاعدة لا تنطبق على آل سعود.
كما عُين شقيق محمد بن سلمان الآخر، وهو الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير دولة لشؤون الطاقة، كما صدر الأمر بتعيين فرد آخر من أفراد العائلة القريبين من محمد بن سلمان، ابن أخيه الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، نائباً لحاكم المنطقة الشرقية المعروفة بثرائها النفطي، علما بأن حاكم تلك المنطقة هو سعود بن نايف، شقيق محمد بن نايف، الأمر الذي يعني أن تنصيب هذا الأمير نائبا للحاكم يأتي بمثابة تضييق للخناق على رقبة ولي العهد.
واشتملت المراسيم كذلك على تعيين عشرات آخرين من أعضاء العائلة الحاكمة في مناصب مهمة، وكل ذلك بهدف تعزيز موقف محمد بن سلمان داخل العائلة وتمكينه من إحكام قبضته عليها.
وبذلك تكون قد أنجزت الشروط الثلاثة، فقد تحقق الوصول إلى واشنطن، وتم شراء ولاء العائلة، وأدخلت السعادة إلى قلوب عامة الناس. ولكن، وبالرغم من كل ذلك، يظل محمد بن نايف عقبة في طريق محمد بن سلمان.
ومن هنا تأتي بعد ذلك المراسيم المتعلقة بالجيش والأمن الداخلي. نصت المراسيم على إقالة الفريق عيد الشلوي من منصبه كقائد للجيش، وذلك على الرغم من أنه ضابط محترف، ليحل محله نائبه الأمير فهد بن تركي، والذي "تصادف " أن زار أبوظبي مؤخراً لإطلاع محمد بن زايد على آخر تطورات الحرب في اليمن.
إلا أن المرسوم المهم الذي شكل انقلاباً ناعماً على محمد بن نايف لم يكن له أدنى علاقة باليمن.
إنه المرسوم الخاص بإنشاء مركز للأمن القومي تحت إشراف الديوان الملكي،حيث ستكون هذه المؤسسة هي المنافس المباشر لوزارة الداخلية التي يرأسها ابن عمه محمد بن نايف.
المثير في الأمر أن الكيان الجديد يخضع للديوان الملكي بشكل مباشر، والديوان يديره ويتحكم به محمد بن سلمان.
عندما اضطر محمد بن سلمان إلى الاستقالة من رئاسة الديوان الملكي ليصبح ولياً لولي العهد حرص على أن يترك خلفه من يضمن من خلاله الاستمرار في التحكم بمقاليد الأمور، ذلك الرجل هو سعود القحطاني، والذي سرعان ما اكتسب شهرة بأنه التويجري رقم 2.
إلا أن الكاتب السعودي تركي الروقي، مؤسس صحيفة الوئام، اتهم القحطاني بأنه يتصرف كما لو كان صنارة انترنيت ويشن الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد أهداف معينة ولترهيب المخالفين.
وزعم الروقي أن القحطاني يملك جيشا من المخترقين "الهاكرز"، وأنه يستهدف المواقع بالتهكير والتشهير وتشويه سمعة الكثير من المواطنين.
ما من شك في أن عددًا من الأصوات السعودية البارزة تم إسكاتها، مثل جمال خاشقجي، الذي يعتبر واحداً من أهم المحللين السياسيين، ومن داخل المؤسسة الحاكمة نفسها.
4- الإطاحة بالبيت من الداخل
قالت الصحيفة أن مصير ولي العهد محمد بن نايف، مازال مبهماً، فإدارة ترامب تتجاهله، ويتم استثناؤه من حضور الاجتماعات المهمة، وبات كل النفوذ الآن في قبضة ابن عمه.
وقد عاد إلى السلطة ذلك المحور القديم المناهض للثورة ،بإضافة وجه جديد، ألا وهو وجه محمد بن سلمان.