تحيي منظمة الصحة العالمية أسبوع الأمم المتحدة الرابع للسلامة على الطرق، خلال الفترة من 8 – 14 مايو 2017 تحت شعار "إحرص على إنقاذ الأرواح: هدئ السرعة"، حيث يسلط الضوء على مخاطر السرعة، والتدابير التي ينبغي اتخاذها للتصدي لهذه المخاطر الرئيسية المرتبطة بالوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث المرور على الطرق.
ويعتبر أسبوع الأمم المتحدة العالمي الأول للسلامة على الطرق حدثا عالميا يتم تنظيمه في مختلف أنحاء العالم ليكون بمثابة منتدى لتحسين السلامة على الطرق لمئات الملايين من الأشخاص ممن يمشون على الطرق يوميًا. ويمثل أسبوع الأمم المتحدة فرصة فريدة للتوعية حيث يسهم في تحقيق الغاية 3-6 والغاية 11-2 من أهداف التنمية المستدامة المتعلقتين بالسلامة على الطريق.
ويشير تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية تحت عنوان "التحكم في السرعة"، حيث يشير إلى أن السرعة المفرطة أو غير الملائمة تسهم في واحد من كل ثلاثة حوادث مميتة على الطرق في جميع أنحاء العالم. ومن ثم فإن التدابير الرامية إلى التحكم في السرعة تقي من الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث المرور مما يجعل السكان أوفر صحة ويجعل المدن أكثر استدامة.
وهنالك نحو 1.25 مليون شخص يلقى حتفه كل عام على الطرق في العالم. وهناك 20 مليونًا إلى 50 مليونًا من الأشخاص الآخرين الذين يتعرضون لإصابات غير مميتة من جراء تلك الحوادث يؤدي الكثير منها إلى العجز. وتسبب الإصابات الناجمة عن حوادث المرور في إلحاق خسائر اقتصادية هائلة بالضحايا وأسرهم وبالدول عمومًا. وتنشأ هذه الخسائر من تكاليف العلاج (بما في ذلك التأهيل والتحقيق في الحوادث) وانخفاض فقدان إنتاجية (الأجور) من يموتون أو يصابون بالعجز بسبب إصاباتهم، وإنتاجية أعضاء الأسر المعنيين الذين يضطرون إلى التغيب عن العمل أو المدرسة للاعتناء بالمصابين.
وتشير الدراسات إلى أن 40 - 50 % من السائقين عادة ما يتجاوزون حدود السرعة المحددة. فالسائقون من الذكور والشباب تحت تأثير الكحول يكونون أكثر عرضة للحوادث المرتبطة بالسرعة. ولا تزال حوادث المرور على الطرق هي السبب الأول في وفيات الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة.
ووفقًا للتقديرات فإنها تكلف البلدان ما بين 3 و5% من الناتج المحلي الإجمالي وتدفع العديد من الأسر إلى هاوية الفقر. ومع ذلك، فإن 47 بلدًا فقط من بلدان العالم يتبعون ممارسات جيدة فيما يتعلق بأحد التدابير الرئيسية للتحكم في السرعة، أي وضع حد أقصى للسرعة في الحضر يبلغ 50 كيلومترًا في الساعة أو أقل، والسماح للسلطات المحلية بتخفيض هذه الحدود بشكل أكبر على الطرق المحيطة بالمدارس والمساكن والأعمال التجارية.
وتشير الدكتورة مارجريت تشان المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية، إلي أن السرعة تأتي في صميم المشكلة العالمية لإصابات حوادث المرور على الطرق. وتقول في تقرير لها إن تصدي البلدان لهذا الخطر الرئيسي وحده كفيل بأن يجعلها تجني ثمرته قريبًا بسبب الطرق الأكثر أمنا سواء من حيث إنقاذ الأرواح أو زيادة المشي وركوب الدراجات بما لهما من آثار عميقة ومتواصلة على الصحة.
وتشمل تدابير التحكم في السرعة ما يلي: بناء الطرق أو تعديلها بحيث تشمل خصائص لتهدئة حركة المرور، مثل الدورانات ومطبات السرعة ؛ تحديد حدود السرعة المناسبة لوظيفة كل طريق؛ فرض حدود السرعة من خلال استخدام الضوابط اليدوية والآلية ؛ ترکیب وسائل تكنولوجية داخل المركبات في السيارات الجديدة، مثل وسائل المساعدة الذكية لكبح السرعة والفرملة الذاتية في حالات الطوارئ ؛ رفع مستوى الوعي بمخاطر السرعة.
وتقل معدلات حالات الوفاة الناجمة عن حوادث المرور على الطرق بثلاثة أضعاف تقريبًا في أوروبا عن مثيلاتها في أفريقيا. فالبلدان التي حققت أكبر قدر من النجاح في تخفيض معدلات الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث المرور على الطرق بشكل جذري في العقود الأخيرة هي، هولندا والسويد والمملكة المتحدة، وهي تلك التي تصدت للمسألة بشكل كلي. وقد أعطت أولوية للسرعة المأمونة باعتبارها واحدة من عناصر نهج النظام المأمون الأربعة، إلى جانب الطرق المأمونة والطرق الجانبية، والمركبات المأمونة، ومستخدمي الطرق المأمونة.
وفي داخل البلدان، ساهم قادة البلديات إسهامًا كبيرًا في الحركة المتنامية، وغالبًا ما يتم إثارتها على الصعيد المحلي لتحويل المدن إلى أماكن أكثر ملاءمة للعيش للجميع. ومن خلال الحد من السرعة وتحسين السلامة، يستفيد سكانها من المزايا الإضافية لزيادة المشي وركوب الدراجات والحد من تلوث الهواء والضوضاء. فهذه الإجراءات، بدورها، لها فوائد صحية إيجابية على معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسكري وغيرها من الأمراض غير السارية.
وقد تجاهلت البرامج الصحية العالمية طيلة سنوات عديدة، الإصابات الناجمة عن حوادث المرور وذلك على الرغم من إمكانية التنبؤ بها والوقاية منها إلى حد كبير. وتظهر البينات المستقاة من بلدان كثيرة أنه يمكن تحقيق نجاحات كبيرة في الوقاية من حوادث المرور من خلال بذل جهود متضافرة تشمل قطاعات أخرى غير القطاع الصحي.
وتشير التقارير إلي أنه يحدث أكثر من 90% من الوفيات الناجمة عن إصابات حوادث المرور في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل. وتبلغ تلك الوفيات أعلى مستوياتها في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة التابعة للإقليم الأفريقي. وحتى داخل البلدان المرتفعة الدخل تواجه الفئات الاجتماعية الاقتصادية الدنيا احتمال التعرّض لحوادث المرور أكثر. ويمثل نسمة بين 15 و44 عامًا حوالي 48% من أولئك الذين يموتون في حوادث المرور.
ومن الملاحظ اعتبارًا من مراحل العمر المبكرة، أن الذكور أكثر ضلوعًا في حوادث المرور من الإناث، أي أكثر من ثلاثة أرباع (73%) من مجموع وفيات حوادث الطرق تحدث بين الرجال. فقد تبين أن من بين مجموع السائقين الشباب يفوق احتمال وفاة الذكور دون سن 25 عامًا بسبب حادث مرور احتمال وفاة الإناث الشابات بنحو ثلاثة أضعاف.
وذكر التقرير أن عوامل الخطر الرئيسية تتمثل في:
1- السرعة: حيث أن هناك علاقة مباشرة بين زيادة متوسط السرعة وبين احتمال وقوع حادث ووخامة آثاره على حد سواء. وتبلغ نسبة تعرض أحد المشاة من البالغين للوفاة أقل من 20% في حال صدمته سيارة تسير بسرعة 50 كمساعة، و60% تقريبًا إن صدمته أخرى تسير بسرعة 80 كمساعة.
ويمكن أن تسهم المناطق التي يمنع فيها تجاوز سرعة 30 كلم الساعة في الحد من مخاطر وقوع الحوادث وهي من الأمور الموصى بها في الأماكن التي يشيع فيها مستخدمو الطرق المعرضون للخطر مثل المناطق السكنية والمناطق المحيطة بالمدارس. ويمكن أن يؤدي خفض متوسط سرعة القيادة، إلى جانب إسهامه في الحد من الإصابات الناجمة عن حوادث المرور، إلى إحداث آثار إيجابية أخرى على الحصائل الصحية مثل التقليل من المشاكل التنفسية المرتبطة بانبعاثات السيارات.
2- القيادة تحت تأثير الكحول: حيث تزيد القيادة تحت تأثير الكحول من مخاطر الحوادث واحتمال حدوث وفاة أو إصابة خطيرة من جرائها على حد سواء. وتزيد مخاطر التعّرض لحادث بشكل كبير، في حال اجتياز معدل معين من تركيز الكحول في الدم وهو 0.04 غدل. وتعتبر القوانين التي تحدد نسبة 0.05غدل أو أقل من ذلك كحد أقصى لتركيز الكحول في الدم من الوسائل الفعالة في خفض عدد حوادث المرور المرتبطة بالكحول. إن إقامة نقاط تفتيش لتحقّق من رزانة السائقين وإخضاعهم لاختبار التنفس بشكل عشوائي من الأمور الكفيلة بتقليل حوادث المرور المرتبطة بالكحول بنحو 20 %، وتبين أيضًا أنها من الإجراءات العالية المردود. وتزيد بين صفوف السائقين الشباب والمبتدئين خطورة التسبب في حوادث المرور عند القيادة تحت تأثير الكحول مقارنة بالسائقين الأكبر منهم سنًا والأكثر منهم تمرسًا في القيادة.
ويمكن أن تؤدي القوانين التي تحدد معدلات تركيز الكحول في دم السائقين الشباب والمبتدئين (بأقل من 0.02 غرام ديسيللتر، أو يساويه) إلى تقليل عدد الحوادث التي يسببها الشباب بنسبة تصل إلى 24%.
3- الخوذات الواقية الخاصة بالدراجات النارية: إن ارتداء خوذة واقية بشكل مناسب لدى ركوب دراجة نارية من الأمور التي يمكنها الحد من مخاطر الوفاة بنسبة 40% والحد من مخاطر التعرض لإصابة خطيرة بنسبة تفوق 70 %. وعندما يتم إنفاذ القوانين المتعلقة بالخوذات الواقية الخاصة بالدراجات النارية بفعالية، فإن معدلات ارتداء تلك الخوذات تزيد لتبلغ أكثر من 90%. إن اشتراط استيفاء الخوذات الواقية لمعايير السلامة المعترف بها من الإجراءات المهمة لضمان إسهام الخوذات في الحد من أثر الإصابات التي تلحق بالرأس بفعالية في حال وقوع حادث مرور.
4- أحزمة الأمان وأحزمة ومقاعد الأطفال: إن ارتداء حزام أمان يخفّض من مخاطر موت ركاب المقاعد الأمامية بنسبة 40 % إلى 50% ويقلل من موت ركاب المقاعد الخلفية بنسبة تتراوح بين 25 % و75%. وقد أظهرت القوانين التي تلزم استخدام أحزمة الأمان هي وآليات إنفاذها، فعالية كبيرة في زيادة معدلات استخدام تلك الأحزمة. وتسهم أحزمة ومقاعد الأطفال، في حال تركيبها واستخدامها بالطرق الصحيحة في تخفيض وفيات الرضع بنحو 70% وتخفيض وفيات صغار الأطفال بنسبة تتراوح بين 54% و80%.
5- السهو أثناء القيادة: وهناك أشكال عديدة من السهو يمكنها أن تؤدي إلى عرقلة القيادة، ولكن سجل مؤخرًا حدوث زيادة ملحوظة على الصعيد العالمي في استخدام السائقين للهواتف المحمولة مما أصبح يثير قلقًا متناميًا في مجال السلامة على الطرق. وبإمكان السهو الناجم عن استخدام الهواتف المحمولة عرقلة أداء السائق. كما أنه يسهم في تمديد الوقت الذي يستغرقه رد الفعل لاسيما الوقت الذي يستغرقه رد الفعل بالفرملة، بل كذلك رد الفعل حيال إشارات المرور، والإنقاص من القدرة على المكوث في الممر الصحيح، وتقليص مسافات التتابع.
وتتسبب كتابة وقراءة الرسائل القصيرة أيضًا في الحد بشكل كبير من أداء السائق، علمًا بأن السائقين الشباب معرضين بوجه خاص لآثار السهو الناجم عن هذا الاستخدام. ويواجه السائقون الذين يستخدمون الهواتف المحمولة، أكثر من غيرهم بأربع مرات تقريبًا مخاطر التعرض لحادث مرور.
والجدير بالذكر أن الهواتف التي تتيح إمكانية التكلم دون استخدام اليد لا تضمن قدرًا أكبر من السلامة مقارنة بالهواتف المحمولة باليد. في حين لا يوجد، حتى الآن، إلا القليل من البينات على كيفية الحد من استخدام الهواتف المحمولة أثناء القيادة، فإنه يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات استباقية في هذا المجال. ومن الإجراءات التي يمكن اتخاذها اعتماد تدابير تشريعية؛ وإطلاق حملات للتوعية العامة؛ والعمل بانتظام على جمع البيانات الخاصة بالسهو أثناء القيادة من أجل تحسين فهم طبيعة هذه المشكلة.
ومن الممكن توقي الإصابات الناجمة عن حوادث المرور. ولا بد للحكومات من اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان السلامة على الطرق بأسلوب كلي يقتضي مشاركة قطاعات متعدّدة (النقل والشرطة والصحة والتعليم) ويتناول المسائل المرتبطة بدرجة أمان الطرق والمركبات وسلامة مستخدمي الطرق أنفسهم.
ومن الإجراءات الفعالة في هذا الصدد تصميم بنية تحتية أكثر أمانا وإدراج خصائص السلامة على الطرق في خطط استعمال الأراضي وخطط النقل؛ وتحسين خصائص سلامة المركبات؛ وتحسين رعاية الضحايا عقب تعرضهم لحوادث المرور. ومن الأمور الأخرى التي تكتسي أهمية أيضًا التدخلات التي تستهدف سلوكيات مستخدمي الطرق، مثل وضع وإنفاذ القوانين المتعلقة بعوامل الخطر الرئيسية وإذكاء الوعي العام.
فالبلدان التي حققت أكبر قدر من النجاح في تخفيض معدلات الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث المرور على الطرق بشكل جذري في العقود الأخيرة هي تلك التي تصدت للمسألة بشكل كلي.
وتشمل تدابير التحكم في السرعة ما يلي: أيام تهدئة السرعة في بيلاروس وبلجيكا وبنن وبوتسوانا وكولومبيا والهند وماليزيا ونيبال وقطر وإسبانيا وترينيداد وتوباغو وتونس وفييت نام؛ حملات حول المدارس في البرازيل والكاميرون والصين وفيجي وغامبيا والأردن والمغرب ورومانيا وجنوب أفريقيا وأوغندا؛ أنشطة يشارك فيها أعضاء البرلمان في أرمينيا وأستراليا وميانمار وجمهورية مولدوفا وتايلند وأوكرانيا والمملكة المتحدة؛ ندوات في الجبل الأسود ونيجيريا والفلبين وبولندا وسيراليون؛ الوقفات الاحتجاجية لضحايا حوادث المرور على الطرق في إيرلندا وموريشيوس.
واستجابة لمطالب منظمة الصحة العالمية أعلن في عام 2010، قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عن عقد للعمل من أجل السلامة على الطرق من عام 2011 إلى عام 2020. وتم إطلاق عقد العمل هذا في مايو 2011 في أكثر من 110 بلدان بغرض إنقاذ ملايين الأرواح عن طريق تحسين درجة أمان الطرق والمركبات؛ وتحسين سلوكيات مستخدمي الطرق؛ وتحسين خدمات الطوارئ.