تطل علينا اليوم الأحد الموافق السابع من مايو، ذكرى تأسيس بنك مصر، الذي ظهر على أرض الواقع عام 1920، على يد الاقتصادي المصري طلعت حرب برسالة قوية منه هي استثمار المدخرات القومية وتوجيهها وتسريع النمو الاقتصادي والاجتماعي.
محمد على صاحب أول محاولة إنشاء بنك وطني
وكانت فكرة إنشاء بنك مصري وطني حلم يراود الكثيرين منذ أيام محمد علي باشا، فبالرغم من أن محمد علي قبل وفاته أمر بإنشاء بنك برأسمال قدره 700 ألف ريال، إلا أن مشروع البنك انهار كسائر المشروعات في ذلك الوقت.
وعادت فكرة بنك مصر إلى الحياة من جديد بعد أن دعا إليها "أمين شميل" في مقال له في 26 أبريل 1879 في جريدة "التجارة"، واجتمع على إثر ذلك عدد من أعيان مصر، غير أن الخلاف الذي نشب بين الجمعية الوطنية المصرية والخديوي إسماعيل، الذي هو صاحب فكرة إنشائها، والتي وقعت في أعقابه الثورة العرابية أعاق إتمام الفكرة مرة أخرى.
وعادت الفكرة للظهور لثالث مرة عندما بدأ "عمر لطفي بك" عضو الحزب الوطني ووكيل كلية الحقوق بإلقاء محاضرات في نادي المدارس العليا ابتداء من اليوم الأول في نوفمبر 1908 عن نظام التعاون والتسليف في ألمانيا وإيطاليا، لكن الفكرة عانت من الخلاف بين التيارات التقدمية والرجعية، ولم تنجح الفكرة مجددًا إلا مع مجهودات طلعت حرب الذي بدأ بطرح الفكرة في بعض خطبه.
طلعت حرب ينجح في إنشاء البنك بعد عدة محالات فاشلة
في 29 أبريل عام 1911 انتهز محمد طلعت حرب اجتماع أعيان البلاد وكبرائها، وعرض لجنة المؤتمر فكرة إنشاء بنك مصري وقرر المؤتمر بالإجماع وجوب إنشاء بنك مصري برؤوس أموال مصرية، كما قرر اختيار محمد طلعت حرب للسفر إلى أوروبا لدراسة فكرة إنشاء البنك بعد عمل دراسة كافية عن المصارف الوطنية وأسلوب عملها في الدول الأوروبية.
ولما صدر كتاب محمد طلعت حرب باشا، آمن كل مصري بالفكرة التي يدعو لها ويرغب في تنفيذها، لكن الحرب العالمية الأولى التي أعلنت في بداية اغسطس سنه 1914، أدت إلى تأجيل فكرة البنك لأكثر من 8 سنوات، وعادت من جديد الدعوة لإنشاء البنك بعد قيام ثورة 1919.
إنشاء البنك من خلال الاكتتاب
وعقب كل ذلك استطاع "حرب" الحصول على اكتتاب من 126 من المصريين لإنشاء البنك، وبلغ من اكتتبوا به 80 ألف جنيه، تتمثل في 20 ألف سهم مما يوضح أن ثمن السهم هو 4 جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو عبد العظيم المصري بك من أعيان مغاغة الذي اشترى ألف سهم.
وفى الـ 13 من أبريل عام 1920 نشرت الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى "بنك مصر"، ولكن قبل ذلك عقد تأسيس الشركة بين 8 من 126 مساهمًا جميعهم من المصريين.
وحرر هذا العقد بصيغة عرفية في 8 مارس سنه 1920، ومن ثم تم تسجيله في 3 أبريل، وهذا يعني أن ذلك حدث بعد أقل من شهر من الصيغة العرفية، والثمانية أشخاص الذين بدوأ العقد هما: أحمد مدحت يكن باشا، يوسف أصلان قطاوي باشا، محمد طلعت بك، عبد العظيم المصري بك، الدكتور فؤاد سلطان، عبد الحميد السيوفى أفندي، اسكندر مسيحة أفندي، وعباس بسيونى الخطيب أفندي.
العقد الابتدائي للشركة
نص عقد الشركة الابتدائي، على أن الغرض من إنشاء البنك هو القيام بجميع أعمال البنوك، من خصم وتسليف على البضائع والمستندات والأوراق المالية والكامبيو والعمولة، وقبول الأمانات والودائع، وفتح الحسابات والاعتمادات، وبيع وشراء السندات والأوراق المالية.
وكان أحمد مدحت يكن باشًا، رئيسًا لمجلس الإدارة، ويوسف أصلان قطاوى، وكيلًا له، أما عن طلعت حرب فكان نائب للرئيس وعضو مجلس الإدارة المنتدب، في حين شغل الدكتور فؤاد سلطان بك، منصب عضو مجلس الإدارة المنتدب بالإنابة.
وعلى الرغم من أن بنك مصر معروف أن إنشاءه سوف يتسبب في منافسة البنك الأهلي، الذي كان يمثل سلطة الاحتلال الاقتصادي الانجليزي لمصر، ولكن ذلك لم يجعل سلطات الاحتلال البريطاني، تحاول منع إقامة البنك.
بعثات من مصر إلى أوروبا للتدريب على العمل المصرفي
وقد استدعى الخبير الألماني "فون أنار" لوضع النظم الداخلية للبنك، وفي نفس الوقت أرسلت بعثات إلى إنجلترا وسويسرا وألمانيا للتدريب العملي على العمل المصرفي، وبعد عودتهم انتقل بنك مصر من مقره المتواضع إلى مقره الحالي في شارع محمد فريد، وسريعًا ما انتشرت فروع البنك لتصل إلى 37 وحدة مصرفية في عام 1938، وقد اهتم طلعت حرب بالمظهر الخارجي لمنشآت بنك مصر فجعل جميع مباني البنك ذات نمط معماري واحد.
إنشاء أول مطبعة مصرية
وبعد عامين من إنشاء بنك مصر قام طلعت حرب بإنشاء أول مطبعة مصرية برأس مال قدره خمسة آلاف جنيه، وذلك ليدعم الفكر والأدب ويقوي المقاومة الوطنية، وتوالت الشركات المصرية التي أنشأها البنك مثل شركة مصر للنقل البري التي قامت بشراء أول حافلات لنقل الركاب.
اهتمامات البنك الاجتماعية
يولي بنك مصر منذ إنشائه عام 1920م اهتمامًا كبيرًا لدعم خطط التنمية الاجتماعية في مصر حيث تعد المسئولية الاجتماعية إحدى أهم المحاور الرئيسية التي يؤمن، ومن هنا تم إنشاء موسسة بنك مصر لتنمية المجتمع، تهدف إلى التركيز على مجالات الصحة، التعليم، الثقافة، مساندة ودعم المجتمع المدني، وتقديم المنح الدراسية لطلبة الجامعة المتفوقين، مساعدة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة للعيش بشكل طبيعي.