اجتاحت مظاهرات ومجازر في الثامن من مايو عام 1945، معظم أرجاء الجزائر، ومن أهم المناطق التي اندلعت بها هذه منطقة عين الفوارة والمسيلة، وكانت هذه المجازر هي النقطة التي تيقن من خلالها الجزائريون أن قوات الاحتلال الفرنسي لا تتعامل بلغة الحوار، وكل وعوده وشعاراته بالمساواة والديمقراطية هي شعارات كاذبة وما أخذ بالقوة لا يسترجع سوى بالقوة. فكانت الشرارة التي مهدت للثورة الجزائرية. وكانت أكثر المدن تضررًا سطيف، قالمة، وخراطة.
وقبل المجازر، ظهر المجهود الكبير المبذول بين أعضاء أحباب البيان والحرية لتنسيق العمل وتكوين جبهة موحدة، وكانت هناك موجة من الدعاية انطلقت منذ جانفي عام 1945 تدعو الناس إلى التحمس لمطالب البيان، وانعقد مؤتمر لأحباب البيان أسفر عن المطالبة بإلغاء نظام البلديات المختلطة والحكم العسكري في الجنوب وجعل اللغة العربية لغة رسمية.
هذا بالإضافة إلى المطالبة بإطلاق سراح مصالي الحاج.
وقد أدى هذا النشاط الوطني إلى تخوف الفرنسيين وحاولوا توقيفه عن طريق اللجان التي تنظر إلى الإصلاح، وكان انشغالهم بتحرير بلدهم قد أدى إلى كتمان غضبهم وظلوا يتحينون الفرص ب الجزائريين وكانوا يؤمنون بضرورة القضاء على الحركة الوطنية.
ووعد أحباب البيان والحرية الجزائريين بأن يحرروا بلادهم إذا وقف الجزائريين معهم في الحرب العالمية الأولى، وهذا ما حدث بالفعل، حيث كان الجزائريين دروع بشرية للجنود الفرنسيين، وخرج الشعب الجزائري في مظاهرات سلمية للتعبير عن فرحه إذ أن هناك وعدًا من طرف المستعمر الفرنسي باستقلال بلاده لكن قوبلت هذه المظاهرات بالعنف وأول ضحية لإطلاق الرصاص الحي الشهيد بوزيد سعال.
الاحتفال بنهاية الحرب العالمية الأولى
بدأ زعماء الحركة الوطنية بالجزائر بالتحضير للاحتفال بنهاية الحرب العالمية، وتم هذا الاحتفال من خلال التظاهر ابتداء من عيد العمال في الاول من مابو، وتمثلت هذه التظاهرات في تنظيم تجمعات ومسيرات من مختلف أنحاء الجزائر، منها الجزائر العاصمة، وهران، بجاية، تلمسان، قسنطينة، مستغانم، قالمة، غليزان، سطيف، باتنة، بسكرة، عين البيضاء، خنشلة، سيدي بلعباس، سوق أهراس، شرشال، مليانة، سكيكدة، واد زناتي، سعيدة، عنابة، تبسة، سور الغزلان.
وهدفت هذه المسيرات الضغط على الفرنسيين، لإظهار قوة الحركة الوطنية والوعي الشعبي، وبالفعل نجحت هذه المظاهرات، وطالب الجزائريون خلالها بالإفراج عن "مصالي الحاج"، واستقلال الجزائر واستنكروا الاضطهاد ورفعوا العلم الوطني الذي أُنتج خصيصًا لهذه المناسبة في محل خياطة تابع لتاجر يدعى البشير عمرون، وكانت المظاهرات سلمية، وادعى الفرنسيون انهم اكتشفوا أن ما يحدث هو تخطيط لثورة، في "بجاية" خاصة بعدما قتل شرطيان في الجزائر العاصمة، وبدأت الاعتقالات والضرب وجرح الكثير من الجزائريين.
وعندما أعلن عن الاحتفال الرسمي يوم 7 مايو، شرع المعمرون في تنظيم مهرجان الأفراح، ونظم الجزائريون مهرجانًا خاصًا بهم ونادوا بالحرية والاستقلال بعد أن تلقوا إذنًا من الإدارة الفرنسية للمشاركة في احتفال انتصار الحلفاء.
نتائج المجازر التي دشنها الجزائريين ضد قوات الاحتلال الفرنسي
كان رد الفرنسيون على مظاهرات الجزائريين هو القمع، والقتل الجماعي الذي شمل الرجال والنساء والشيوخ والاطفال، واستعملوا فيه القوات البرية والجوية والبحرية، ودمرت قرى ومداشر ودواوير بأكملها، ونتج عن هذه المجازر قتل أكثر من 45000 جزائري أولهم الشاب "بوزيد شعال" 22 سنة، الذي كان أول نقطة دم تسيل في تلك المجزرة، ودمرت قراهم وأملاكهم عن آخرها.
وتوصلت الإحصائيات الأجنبية إلى أرقام مفزعة حول نتائج المجازر، حيث قدرتها الإحصائيات بين 50 ألف إلى 70 ألف قتيل من المدنيين العزل، ويعود التضارب في عدد القتلى إلى تحاشي السلطات الاستعمارية في 1945 تسجيل القتلي في سجلات الوفيات، وهذا إذا كانوا فعلًا متوفين لهذا السبب لا زالت بعد الاستقلال هناك طلبات تسجيل لوفيات تمت في محاكم الجزائر المستقلة لسنة 2013.