تبدلت الأوضاع في أفريقيا رأسًا على عقب خلال العقدين الماضيين، فقد غاب المستثمرون الغربيون عن ردهات المال والأعمال والاستثمار الذين كانوا يهيمنون عليها استنادا إلى روابط بلدانهم التي تعود إلى الحقبة الاستثمارية، وبات المشهد في الوقت الراهن مختلفا إذ هيمن عليه مستثمرون آسيون، يقودهم الصينيون، شرعوا في استعراض قدراتهم ومهاراتهم وضخ استثماراتهم في أرجاء القارة السمراء.
ففي كل بقاع القارة الأفريقية، سترى أعدادا متنوعة ومتباينة من المستثمرين الصينيين الذين يتحركون جيئة وذهابا يمثلون قطاعات إنتاجية مختلفة تترواح من تصنيع المنتجات الغذائية، والمنسوجات والأحذية، وصولًا إلى المطاعم والشركات السياحية وسلاسل تجارة الجملة والقطاعي.
وحسب بيانات البنك الدولي، سجل القطاع الخاص 923 مشروعاُ في أفريقيا في عام 2011، استحوذت الصين منها على نسبة 55 في المائة لتتجاوز بذلك مشروعات الاستثمارات الأجنبية المباشرة كافة التي تم تأسيسها في ذلك العام، وقد تركزت نسبة 36 في المائة من مشروعات القطاع الخاص في قطاع التصنيع، ونسبة 22 في المائة في قطاع الخدمات.
وتكشف تقارير وزارة التجارة الصينية أن مشروعات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، سواء العامة أو التابعة للقطاع الخاص، انتشرت في 44 دولة في منطقة جنوب الصحراء تتصدرها أربع دول (نيجيريا، جنوب أفريقيا، زامبيا، غانا) مستحوذة على نسبة 40 في المائة من مشروعات المنطقة.. وتأتي المجموعة الثانية من الدول في المرتبة الثانية لتلقي الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتضم تنزانيا وأنجولا والسودان وكينيا.
من جانبها، تبدي الحكومات الأفريقية ترحيبها الشديد بالتنامي الحاصل في استثمارات القطاع الخاص في الوقت الذي تسعى فيه إلى جذب المزيد من الاستنثمارات الصينية إلى بلدانها، وهو ما ينعكس إيجابا على الاقتصادات المحلية بخلق المزيد من فرص العمل والإسهام في خطط التصنيع التي تنتهجها تلك الدول.
ويعلق مسؤول تجاري كيني بارز إن بلاده عرضت فرصًا استثمارية سيحصل المستثمرون الصينيون على الأفضلية، قائلًا "كينيا تقدم فرصًا استثمارية في الطاقة، والتشييد، والتصنيع والزراعة، والمياه والري، والنقل والبنية التحتية، وتكنولوجيا المعلومات، والمناجم، والسياحة.
وندعو المستثمرين الصينيين للمبادرة والدخول في تلك القطاعات"، مؤكدا أن بلاده بعد إجرائها سلسلة من الإصلاحات الجاذبة للاستثمار أصبحت مفتوحة وآمنة وجاذبة للمشروعات وإدارة الأعمال.
وعلى الوتيرة ذاتها، ينظر مسؤولو تنزانيا إلى الاستثمار الصيني، ويعبر رئيس الوزراء قاسم ماجاليوا، في ديسمبر الماضي أثناء زيارته لمشروع صيني تنزاني مشترك في منطقة ويليام مكابا الاقتصادية الخاصة، عن ترحيبه بالقطاع الخاص الصيني قائلًا:"أدعو المستثمرين الصينيين للقدوم إلى حيث الحزام الواحد، وفلسفة الطريق الواحد المتاح على الممر الذي يقود إلى تنزانيا باعتبارها في طريق الشاطئ على الساحل الشرقي للقارة الأفريقية".
بالانتقال إلى غانا، تبدي وزارة التجارة والصناعة حرصها على جذب الاستثمارات الصينية إلى قطاع الصناعة الذي يتمتع بفرص مهمة ومتنامية للاستثمار وإدارة الأعمال.
وكشف بيان صادر من الوزارة أن الحكومة وضعت سياسة تصنيعية بإجراءات وتدابير شفافة وواضحة لتنفيذ الأجندة التنموية الصناعية، مع التركيز بشكل خاص على النمو، والتنويع، والتطوير، والتنافسية في القطاع التصنيعي.. والاستثمارات الصينية مطلوبة في تلك المجالات لتوليد قيمة مضافة من خلال تشغيل المنتجات الأولية وتحويلها منتجات صناعية".
وشهدت العديد من الدول الأفريقية دعوات مماثلة ومتكررة تنادي وتحبذ وتفتح أذرعها لاستقبال الاستثمارات الصينية، وأخذت أعداد لاعبي القطاع الخاص من المستثمرين الصيين في الازدياد يوما بعد يوم، ويرى مراقبون أن تلك الظاهرة تعود إلى ميل المستثمرين الخاصين الصينيين إلى اقتناص الفرص في الأسواق الأفريقية الرحبة التي تتضاءل فيها المنافسة من الشركات المحلية، فضلًا عن تمتع تلك الأسواق بانخفاض تكاليف الإنتاج ولاسيما بالنسبة للعمالة الرخيصة، وهو ما يعد عاملًا يجذب شركات التصنيع الصينية إلى القارة.
تشكل وفرة المواد الخام عنصرًا مضافًا وحيويًا يسهم في جذب الشركات الصينية إلى الأسواق الأفريقية، ولاسيما على صعيد الصناعات الخفيفة في القطاعات الزراعية.
وتتمتع أفريقيا بكميات هائلة من الموارد الطبيعية التي تشمل الألماس والملح والنحاس والذهب والحديد والبوكسيت (خام الألومنيوم) والكوبالت والفضة واليورانيوم والبترول والكاكاو والحبوب، هذا بالإضافة إلى الأخشاب والفاكهة الإستوائية.
ورغم رخص العمالة والمواد الخام في أفريقيا، فإن البنك الدولي كان له رأي آخر إذ أكد في دراسة عنونت "القطاع الخاص والاستثمار في أفريقيا: الأساطير والوقائع" أن تكاليف التشغيل الكلية في أفريقيا مرتفعة، خصوصًا حين يفتقر إلى البنية التحتية الأساسية، وتتنامى المخاوف الأمنية، هذا علاوة على ندرة الكهرباء.